قضايا وآراء

السلطة والدولة والوطن.. آه يا جرحي العميق

هشام الحمامي
1300x600
1300x600
ليس هناك تعريف قاطع للدولة الحديثة التي تعتبر حجر الزاوية في النظام الدولي القائم، والوحدة الأساسية للعلاقات بين الأمم وتكوين المنظمات الدولية. على أن التعريف الأشهر هو ذاك الذي صكه عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر بأنها (المؤسسة الاجتماعية التي تحتكر شرعية العنف)، وهو معنى محمول على كل أشكال ومعاني السيطرة والهيمنة والقهر. ولكن المشكلة أن الدولة، كما كل المفاهيم ذات الامتداد التاريخي، لا يمكن تعريفها في صورة جامعة وقاطعة، بل هي مفهوم ومؤسسة ذات صيرورة (تتغير وتتبدل) تأخذ صوراً وتكتسب سمات وتستبطن معاني، وتختلف باختلاف الحقبة التاريخية واختلاف الموقع والسياق.

هناك تسميات اخرى للدولة مثل (الدولة القومية) و(الدولة القطرية). طبعا مصطلح الدولة الحديثة أكثر شمولاً، وهو يشمل الدول التي تؤكد سمتها القومية والأخرى التي تحاول أن تتجنب الإشارة إلى البعد القومي بدون أن تغفله كلية.

الحكاية تقول إن الجذور التاريخية لمؤسسة الدولة بتجلياتها المتعددة.. تعود إلى صلح (وستفاليا) في 1648 الذي وضع نهاية لحروب الثلاثين عاماً 1616-1648 (الغرب يرى ضرورة أن تخوض المنطقة العربية الآن حربا شبيهه بها!!)، وذلك عندما كانت أوروبا تعيش نهايات عصر النهضة وبدايات تكون الطبقات الوسطى، مع استمرار الصراعات الدينية بعد ظهور البروتستانتية وصراعات الأمراء والملوك..

في وستفاليا وضعت أسس فكرة الاستقلال السياسي، والتطابق بين حكم معين وحدود الكيان الذي يخضع لسيطرته.

بعده شهدت أوروبا ثورتين كبريين: الإنكليزية والفرنسية.. الأولى دفعت باتجاه فكرة (الاجتماع السياسي التسامحي)، أي السياسة ثم السياسة ثم السياسة، وحققت قفزة ملموسة باتجاه انتقال الدولة إلى مؤسسة تعبرعن إرادة الأمة.

أما الثورة الفرنسية فقد أعلت من شأن فكرة المواطنة والمساواة أمام القانون، كما لم يحدث من قبل في التاريخ الأوروبي، وأكدت الطابع القومي للدولة باعتبارها الجامع لثلاثة ركائز.. مؤسسة الحكم والتنظيم الاجتماعي والأمة.

الخلط بين(الدولة والوطن) فيه تجنٍ على الوطن وإخلال بحقه وانتقاص منه.. ويحدث مع الوطن نفس ما يحدث مع الدولة من هيافات القول وخيباته.. والدولة والوطن أعظم كثرا من تلك السياقات التافهة التي ترد في كلامهم..

الوطن ليس شعارا سياسيا أو طائفيا، أوحالة اقتصادية وثقافية خاضعة للظروف والمتغيرات.. الوطن ليس جهة معينة أو لهجة خاصة.. الوطن وحبه والانتماء إليه أساس ثابت وواسع كسعة أرجائه وأطرافه وأكثر.. الوطن هو الحاضن لنا باختلاف أجناسنا وأصولنا وألواننا وأعراقنا.. هو الأمان وهو الجغرافيا والتاريخ.. وبالأحرى هو نحن.. مهما تعددت ثقافاتنا وانتماءاتنا وتوجهاتنا، وتفاوتت أفكارنا ورؤانا. والدولة لا تكون إلا فى خدمة الوطن أو لا تكون.

أيضا هناك خلط بين (السلطة والدولة). هما ليسا شيئا واحدا.. فرق شاسع بين المفهومين.. الدولة لها أركان ثابتة دائمة، أما السلطة فهي زائلة ومتغيره.. السلطة ما هي إلا آلة تسيّر أمور الدولة بموجب القوانين والشرائع التي تسن من قبل المجلس التشريعي.

مثل هذه التعريفات يجب أن تكون واضحة التحديد.. الخلط بينها فيه خبث رذيل وجهالة جهلاء.. والمدهش أنك قد تفهم الخلط بينها عند أصحاب المصالح فى السلطة وحولها.. أما باقي السياسيين - إسلاميين ويسار - خاصة من الجيل البائس.. جيل السبعينيات.. كيف يكون ذلك؟ لماذا لم يؤكدوا في نضالاتهم السياسية على مدار العقود الماضية على الفوارق بين هذه الكيانات، اصطلاحا وممارسة.. لماذا؟؟

السبب بسيط وقالته (أروى صالح) في (المبتسرون) أنهم لم يكونوا معنيين بالنضال الوطني، هم فقط كانوا في (صراع صامت حول النجومية)..!! قادة التيار الإسلامى العريض لم يكونوا مشغولين بهذا العمق ورصانته.. كان أهم شيء عندهم الحشود المتراصة كعلب السالمون والسردين.. إنما (البناء) الصلب للشخصية وتغذيتها بكل المكونات (قراءة/ تجربة/رحلة) كانوا على العكس يرون فيه انتقاصا من هيمنتهم ونفوذهم ووجاهتهم أمام أجهزة الدولة وأمام خصومهم السياسيين..

(فكرة التناوب على السلطة) لإدارة الدولة وتسيير شؤون الوطن.. تشبه جودو الذي ينتظره الجميع ولن يأتي أبدا، في مسرحية بيكيت الشهيرة (في انتظار جودو) التي كتبها سنة 1949م.

سيحدثنا التاريخ أنه قبل 1952م كان الواقع السياسي المعقد في مصر يشير إلى أن النظام الملكي - شاء أم أبى - يتجه نحو الأخذ بالملكية الدستورية.. وكانت الأحزاب على ما بها من عيوب تتنافس على الانتخابات والحكم (تشكيل الوزارة).. وكان الحاضر دائما أفضل من الماضي، بما كان يشير إلى مستقبل أزهى سياسيا وحزبيا.. إلى أن دخل الجيش في السياسة من منتصف القرن الماضي - والتعبير للرئيس الأسبق أنور السادات في أحاديثه لأنيس منصور- وأصبحت الدولة والسلطة والوطن تحت إشرافه التام.

وآه يا جرحي العميق..
0
التعليقات (0)