كتاب عربي 21

لوبي العودة إلى المفاوضات مع حزب العمال الكردستاني

إسماعيل ياشا
1300x600
1300x600
الحكومة التركية جلست على طاولة المفاوضات لمدة طويلة مع ممثلي حزب العمال الكردستاني في إطار عملية السلام الداخلي التي أطلقت من أجل إنهاء الصراع الدموي الذي يستنزف البلاد، والتزمت بما تم الاتفاق عليه في تلك المفاوضات، إلا أنها اكتشفت في نهاية المطاف أن المنظمة الإرهابية كانت تستغل الأجواء الهادئة لتخزين الأسلحة في المدن ويستعد لما بعد إنهاء وقف إطلاق النار.

رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان حين اكتشف النية المبيتة التي يخفيها حزب العمال الكردستاني ومحاولة تدويل القضية من خلال اقتراح تشكيل هيئة متابعة مستقلة تضم شخصيات من خارج تركيا، غيَّر موقفه من عملية السلام الداخلي وذكر أن اللقاء الذي جمع وزراء من الحكومة التركية مع ممثلي حزب الشعوب الديمقراطي في قصر دولما باهتشه كان خاطئا، مؤكدا أن الاستخبارات التركية تراقب سير الخطوات المتعلقة بعملية السلام الداخلي وبالتالي لا حاجة لهيئة متابعة مستقلة.

موقف أردوغان هذا من عملية السلام الداخلي قوبل آنذاك بانتقادات من أطراف مؤيدة لجهود المصالحة مع حزب العمال الكردستاني، إلا أن التطورات وعودة المنظمة الإرهابية إلى القتال ضد قوات الأمن التركية أثبتت أن رئيس الجمهورية كان محقا في تبني موقف حازم من محاولات استغلال المفاوضات لتعزيز نفوذ حزب العمال الكردستاني سياسيا وعسكريا.

رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، بعد زيارة قام بها يوم الجمعة الماضي لمدينة ديار بكر، أدلى بتصريحات قال فيها إن "الأوضاع إن عادت إلى ما كانت عليها في أيار/ مايو 2013 وسحب حزب العمال الكردستاني عناصره المسلحة إلى خارج الأراضي التركية يمكن الحديث حول كل شيء".

هذه التصريحات تم تفسيرها بشكل خاطئ يؤدي إلى الاعتقاد بأن الحكومة التركية مستعدة للجلوس مع حزب العمال الكردستاني مرة أخرى على طاولة المفاوضات في الظروف الراهنة، ما دفع داود أوغلو إلى التشديد في كلمته أمام أعضاء الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية، على مواصلة مكافحة الإرهاب وعدم العودة إلى المفاوضات مع المنظمة الإرهابية.

وبدوره، تعهد أردوغان، في كلمته التي ألقاها يوم الاثنين بالمؤتمر العام لجمعية الهلال الأحمر التركية، بمكافحة الإرهاب حتى يتم القضاء على الخطر الذي يهدد تركيا ومواطنيها، مستبعدا العودة إلى طاولة المفاوضات مع حزب العمال الكردستاني. وأشار إلى أن قادة المنظمة الإرهابية ومن يدور في فلكها يتحدثون بين الحين والآخر عن الحوار والعودة إلى المفاوضات، وقال: "ليست هناك مسألة يمكن التفاوض حولها"، مشيدا بالعمليات التي تقوم بها حاليا قوات الأمن التركية.

حزب الشعوب الديمقراطي برئاسة صلاح الدين دميرتاش يناشد الحكومة التركية منذ فترة إلى إحياء عملية السلام الداخلي والعودة إلى طاولة المفاوضات لإنهاء الاشتباكات الدائرة بين عناصر حزب العمال الكردستاني وقوات الأمن التركية، ولكن هذه المناشدات التي يطلقها حزب الشعوب الديمقراطي متجاهلا ما تقوم به المنظمة الإرهابية من هجمات، لا أحد يلتفت إليها من جانب الحكومة التركية التي تعتبرها مجرد مناورة لإنقاذ حزب العمال الكردستاني من المأزق الذي دخله بعد إنهاء وقف إطلاق النار.

نواب عن حزب الشعوب الديمقراطي تقدموا قبل يومين إلى رئاسة البرلمان التركي بمشروع قانون لاعتبار عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون في جزيرة إمرالي، "كبير المفاوضين" لحل المشكلة الكردية وتشكيل هيئة متابعة من عشرين شخصية للإشراف على عملية السلام الداخلي ومنح الحصانة لأوجلان وأعضاء هيئة المتابعة في مهامهم، إلا أن هذا المشروع الذي وصفه محللون بـ"النكتة" يستحيل قبوله ولن يؤيده أي من الأحزاب الثلاثة الأخرى المتمثلة في البرلمان التركي.

هناك لوبي في تركيا دفع الحكومة التركية إلى السكوت على تجاوزات حزب العمال الكردستاني لمدة طويلة بحجة الحفاظ على حالة وقف إطلاق النار وعدم تعكير الأجواء الهادئة التي خلقتها عملية السلام الداخلي. ويسعى اللوبي نفسه هذه الأيام إلى إقناع الحكومة التركية بضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات مع حزب العمال الكردستاني لإنهاء الاشتباكات، ولكن خطوة من هذا القبيل في ظل التأييد الشعبي الواسع لمكافحة الإرهاب ودون أن يعلن حزب العمال الكردستاني إلقاء السلاح وسحب عناصره من الأراضي التركية تعتبر طوق نجاة للمنظمة الإرهابية وفرصة ثمينة لتتنفس وتستعيد قوتها التي فقدتها خلال العمليات الأمنية الأخيرة وخيانة لدماء الشهداء. 
التعليقات (0)