كتاب عربي 21

هل أتاك حديث المولولين؟!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
اللهم لا شماتة، وللدقة اللهم شماتة!

أقول قولي هذا، وأنا أستمع مستمتعا لمن يولولون الآن، كالنساء في المآتم، وكالمعددات، من العديد، في الجنازات، بعد عودة الحزب الوطني، في الانتخابات التي يجريها الانقلاب العسكري في مصر، لاختيار برلمانه، وقد خرج المولولون، من الولولة، من المولد بلا حمص، كشأن المغفلين على مر التاريخ!.

أقولها وقد صار المطلوب منا، أن نتعامل معهم تعامل "بلدياتي" مع الخواجة، الذي أمن على حرف، ولا يراد له أن يسمع صوت الشيخ "عبد الرؤوف عطعوط"، حتى لا يكفر، وصار دورنا أن نأخذ المولولين على "كفوف الراحة" ونعاملهم بالحسنى، بحثا عن "وهم الاصطفاف الثوري"، حتى وإن كنت لست معنيا بهذا الاصطفاف، وحتى وإن كانت الشماتة في هؤلاء مقدمة عندي على عودتهم للصف الثوري، لإيماني أنهم لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا.

الأجيال الجديدة، من أبناء "جهينة" بمحافظة سوهاج، لا تعرف الشيخ "عبد الرؤوف عطعوط"، الذي كان قارئ القرآن الوحيد في المآتم، وكنت في الصف الثالث الإعدادي عندما أطلق مدرس اللغة العربية الأستاذ "يوسف الرمكي"، نكتة مفادها أن "خواجة" كان يمتطي حمارا خلف أحد أبناء بلدتنا، قبل وصول "التوك توك" بطبيعة الحال، وقد سمع الخواجة لصوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، يأتي من أحد المتاجر، فسأل من هذا؟.. فأخبره مرافقه بأن قرآن المسلمين، ولحلاوة صوت الشيخ دخل الخواجة في الإسلام. وقد مرا من أمام مكان للعزاء ينبعث منه صوت الشيخ "عبد الرؤوف عطعوط" الأجش، فحرض "بلدياتنا" حماره على الإسراع حتى لا يكفر الخواجة!.

وكذلك يفعل من يعتبرون أن إخراج القوى السياسية الفاشلة من المشهد الانقلابي، بإرادة قائد الانقلاب، هي فرصة لإعادتهم للصف الثوري، بعد أن مثلوا غطاء ثوريا للثورة المضادة، وغطاء مدنيا للانقلاب العسكري، ولهذا ينبغي أن نتعامل معهم على قدر الجراح التي أصابتهم فلا ندفع بهم إلى أن يذهبوا بعيدا !.

وعن نفسي، لا أرى أن هؤلاء يمثلون قوة تُذكر تدفع لأن نتجاوز عن استخلاص العبر في ما جرى لهم، ونمارس حقنا في الشماتة فيهم، وهو وإن لم يكن من الحقوق الدستورية، فإنه من الحقوق اللصيقة بالإنسان: حقك في أن تشمت في المغفل!

"الجنين في بطن أمه"، كان يعلم أن عبد الفتاح السيسي هو الامتداد الطبيعي لحسني مبارك، وأنه ليس منحازا للثورة ولكن انحيازه هو للدولة التي ترقى فيها بقرار من المخلوع حتى صار مديرا للمخابرات الحربية، ومن خارج الجهاز!.

وقد أرهقنا وجود رفاق الميدان مع السيسي، ونحن نتكلم في بديهيات، بأن النظم الديمقراطية لا تعرف خلع رئيس منتخب، وأن ما يحدث هو انقلاب عسكري مكتمل الأركان، وكانوا هم يقفون في مواجهتنا، ولم يكن يواجهنا رجال مبارك، فلو كانوا هم من يشاركون في مناظرتنا لكسبنا الجولة قبل أن نتكلم!.

لقد استدعوا كل تاريخ الانبطاح في الحركات المهزومة وأعادوا إنتاجه ليصنعوا شرعية وشعبية للسيسي، فمن يصفه بأنه عبد الناصر، ومن يقول بأنه أعظم قائد عسكري بعد أيزنهاور!.

كانوا يكذبون ويتحرون الكذب، وصار ما كان يقوله "رفعت السعيد" لتبرير خدمته في بلاط مبارك، معتمدا لديهم ويروجونه هم لتبرير تحولهم إلى خدم في بلاط السيسي، من القول بأنه يواجه الإرهاب المتأسلم، وكانوا من قبل يصفون "السعيد" بأنه الذراع السياسية للأمن المركزي، ليتبين أن هجومهم عليه كان حقدا ولأنهم لم ينالوا فرصته بجانب السيد الرئيس، وتلاشت الحدود بين خطاب "رفعت السعيد" في زمن مبارك، وخطاب "عبد الحليم قنديل" في عهد السيسي، وصار خطاب حزب التجمع الوطني الوحدوي برئاسة خالد محيي الدين، هو الخالق الناطق خطاب حزب التحالف الاشتراكي برئاسة أحمد بهاء الدين شعبان ومن قبله عبد الغفار شكر!.

ليتبين أن الخلاف القديم بين اليسار المنبطح واليسار المناضل هو "الفرصة"، وإذ ظنوا أنها جاءت لهم ودنت منهم حتى صارت سانحة، فقد وجدوا المبرر ليعيدوا إنتاج خطاب الانبطاح مع المرحلة الجديدة التي ظنوا أنها تتسع لهم، لكن السيسي كان يريدهم "لمسافة السكة"!.

لا نصدق أنهم خدعوا، أو أنهم ظنوا في البداية أن قائد الجيش هو خيار الثورة، ذلك بأنهم لم يطالبوه بأي مطلب ثوري، ومن محاكمة قتلة الثوار، إلى تحقيق العدالة الاجتماعية ولو في حدها الأدنى، من خلال تطبيق الحد الأدنى والأقصى للأجور، بل لم يزعجهم براءات نظام مبارك، لأنهم يعلمون حقا أن السيسي هو مبارك، فما كان يعينهم هو "الفرصة"، وقد ظنوا أنها صارت سانحة، ولم يكونوا يشعرون بالغربة في تقدم الحزب الوطني ليتصدر المشهد، فقد كان هذا الحزب حاضرا بجانبهم في يوم 30 يونيو، يوم المؤامرة على الثورة وشعاراتها ومبادئها، ويوم الثورة المضادة!.

غاية ما في الأمر أننا قلنا لهم أنتم "ضيوف"، وهم ظنوا أنهم صاروا "ملاكا"، وأنها "الفرصة السانحة"، وسوف يصبحوا بمقتضاها حكاما، وها هم أربعة منهم يتخطون الرقاب، فحازم الببلاوي أصبح رئيسا للحكومة، وزياد بهاء الدين نائبا، وحسام عيسى وزيرا للتعليم، وحتى كمال أبو عيطة صار وزيرا، وتشكل المجلس الأعلى للصحافة، ومجلس حقوق الإنسان منهم، فزينوا للسيسي سوء عمله ليراه حسنا، وبرروا قمعه واستبداده، وتحمس وزير التعليم لمهمة ليست من اختصاصه بإعلان قرار وضع جماعة الإخوان على قوائم الإرهاب!.

فلما قضى قائد الانقلاب منهم وطرا أطاح بأربعتهم خارج الحكومة، وجاء بعضو لجنة السياسات هو إبراهيم محلب رئيسا للحكومة الجديدة، ولم يعن هذا بالنسبة لهم شيئا، فهم لا يجدون خطرا من الحزب الوطني الذي أسقطته الثورة، ما دام حضوره سيمكنهم من الوجود وسيجعل "الفرصة سانحة" لهم ليتمكنوا بقوة الدبابة مما لم تمنحه لهم الجماهير عبر صناديق الانتخاب.

لقد حلموا ببرلمان يسيطرون عليه، ودفعوا في اتجاه إجراء الانتخابات البرلمانية، وبدأت الرسائل تأتي من المجهول مدغدغة العواطف الجياشة، بأن الدكتور عبد الجليل مصطفى هو رئيس البرلمان القادم، ولأن السيسي كان يبدو خائفا من برلمان له صلاحيات في الدستور، فقد بالغوا في طمأنته، وجمال زهران، "عبدو مشتاق المرحلة الجديدة"، لم يجد ما يمنع من تعديل الدستور بما يمنح الرئيس صلاحيات أكثر!.

كان "رفعت السعيد" ينام ويستيقظ على الإخوان، فهم مبرر تعيينه عضوا في البرلمان بقرار من مبارك، بينما كانوا هم حلفاء الجماعة، ولم يقتنعوا بتهويمات السعيد، إلا باعتبارها وسيلة لقبول عطايا مبارك ومنحه، الآن صار كل انتهاك لحقوق الإنسان مبررا، وكل خيانة للثورة مقبولة، فالسيسي يواجه خصما مشتركا هم الإخوان، وحتى "محمد الأشقر" منسق حركة "كفاية" الذي كان يمثل الاستقامة السياسية، حلم بعضوية البرلمان، بعد أن جلس مع السيسي ضمن آخرين، بواسطة مقاول الأنفار الثوريين عبد الحليم قنديل، وعندما سئل إن كانوا سيسكتون على اعتقال علاء عبد الفتاح ودومة وغيرهما؟.. قال: إنهم عيال تحتاج إلى تربية. وبُهت السائل عندما استمع للإجابة!.

كانوا يظنون أنهم مقبلون على مرحلة جديدة، يتخطون فيها الرقاب ليصبحوا حكاما، وأن المسألة مرتبطة بإجراء الانتخابات البرلمانية!.

دفعوا السيسي ليتخذ هذه الخطوة، وقد فعلها، لكن الانتخابات لها رجالها، ومن أجادوها كانوا من ينتمون لدولة مبارك والإخوان، فلما كان الشارع يتكلم ثورة، طوى ملف الحزب الوطني، وظهر لاعبين جدد بجانب الإسلاميين، كانوا يدعون وصلا بالثورة، مثل الوفد وأحزاب الكتلة، ولم تكن النسبة التي حصلوا عليها قليلة، وكان يمكن البناء عليها، لكن غلبت عليهم شقاوتهم!.

اليسار كان في كل المراحل خارج حلبة المنافسة السياسية، لذا فإن اليسار العربي صار جزءا من الثورات المضادة، حتى من شارك منه في الربيع العربي، وانظر إلى الحالة التونسية لتقف على دور اليسار التونسي في التآمر على الثورة وخياراتها هناك.

لقد جاء موعد الانتخابات البرلمانية، وكان القوم يظنون أنهم كما "ريا وسكينة" عندما تزوجت الأولى من الشاويس عبد العال فهتفن: "ناسبنا الحكومة وبقينا حبايب"، لكن الدولة القديمة عادت، والثورة قاطعت الانتخابات، فتراجعت قائمة "عبد الجليل مصطفى" عن الترشح، واستقال الدكتور محمد أبو الغار من رئاسة حزبه وكان ضمن حسابات الانقلاب العسكري، لكن مهمته انتهت، ولم يترشح الذين لم يشاركوا في الثورتين: ثورة يناير والثورة المضادة!.

وكان الصراخ الذي ملأ الجو، لقد عاد الحزب الوطني! وكأن عودته كانت مفاجأة، في حين أن الحزب الوطني عائد منذ 30 يونيو، وهل كانوا يظنون أن من جاءوا إلى ميدان التحرير هم كلهم أنصار حمدين صباحي؟!

بيد أن المشكلة في أنهم تصوروا أنهم يمكن أن يستخدموا الحزب الوطني وأنصاره وقواعده في الوصول للسلطة، وهو الغباء منقطع النظير!.

لقد تحولت ثورة يناير التي شاركوا فيها إلى مؤامرة، ولم يعودوا نجوم فضائيات الثورة المضادة، التي أنهت المرحلة السابقة بتشويه الثورة والإعلان عن أن الثورة الوحيدة التي شهدتها مصر هي ثورة 30 يونيو المجيدة، التي قضت على ثورة يناير وأعادت مرحلة ما قبل 25 يناير للحكم من جديد!.

إنني أتفهم بواعث الذين شاركوا في 30 يونيو، بحسن نية، حتى وإن كانوا يريدون انتخابات رئاسية مبكرة، مع أني كنت ولا زلت مع أن يستكمل الرئيس دورته، فهؤلاء الذين فعلوا السوء بجهالة عندهم مبرراتهم التي يؤخذ منها ويرد، ويعد موقفا محترما من تعاملوا على أن 30 يونيو ثورة و3 يوليو انقلابا، ومنهم من أعلن موقفه الواضح مبكرا أنه ضد هذا الانقلاب!.

لكن لا عذر، لمن أيدوا الانقلاب وحكم العسكر، وفوضوه على الدم، ومن دافعوا عن القتل والاعتقالات، وإن بدا بعضهم الآن ينفض يده من السيسي، الذي نفض يده منهم مبكرا لكن أذل الحرص أعناق الرجال!.

لست معنيا بعودتهم للصف الثوري، لقد أنهى عليهم السيسي، فلماذا نعمل على إحياء الموتى، وإسماع من في القبور؟!

تريدون الحق أم ابن عمه؟! الحق، أن تعبيري عن الشماتة مقدم عندي على عودة ثورة يناير ذاتها.

فاللهم اشهد أنها شماتة!
التعليقات (27)
شريف منير
الأحد، 25-10-2015 01:52 م
اسمح لى يا أستاذ / سليم .. أن أتحفظ وأختلف و أرفض عنوان المقال لما فيه من سوء استخدام آيات القرآن وان كان ذلك من باب التعريض و التحريف .. وأسأل الله أن يجعلنى واياك من الرجاعين الى الحق الوقافين عند حدود الله المعظمين لكتابه .. أما عن موضوع المقال فقد أحسنت فيه أيما احسن فجزاك الله خيرا .
طارق عوض
الأحد، 25-10-2015 12:20 م
لماذا انت حريص على ان تنسب اعضاء ومتحدثي حزب الزور الى ثورة يناير رغم اعلانهم لرفض فكرة الخروج على الحاكم .هم العدو فاحذرهم
أبوعبدالله
الأحد، 25-10-2015 08:36 ص
والله يا أستاذ عزوز أنا سبقتك في هذا التعبير الجميل "اللهم شماتة" وهذا أفتخر به أن يأتي على لساني ما أتي على لسان انسان محترم ومنصف مثلك .سدد الله رميتك وهدانا واياك الى الحق.
يوسف الحداد
الأحد، 25-10-2015 03:38 ص
ايوة كدة ياابوالصعيدة
د اليماني الفخراني
السبت، 24-10-2015 10:06 م
سلمت يداك أستاذ سليم فكلمة الحق أصبحت عزيزة في هذا الزمان والنفاق أصبح سيد الأخلاق حفظك الله وسدد قلمك