ملفات وتقارير

"إسلام السوق".. أنماط تديّن جديدة تتهاوى

 مفهوم "إسلام السوق" والذي يشكل عمرو خالد مثال عليها تراجع بشكل واضح بعد الربيع العربي - أ ف ب
مفهوم "إسلام السوق" والذي يشكل عمرو خالد مثال عليها تراجع بشكل واضح بعد الربيع العربي - أ ف ب
تتأثر الأمم في حال انفتاحها على الثقافات وأنماط الحياة الأخرى، بما يداهمها من مفاهيم وتصورات وسلوكيات جديدة ليست مألوفة ولا معروفة في مجالها التداولي، ما ينشأ عنه في غالب الأحيان ما تواضع الباحثون على تسميته بـ"الصدمة الحضارية".

في هذا السياق، يقع كتاب "إسلام السوق" للباحث السويسري المتخصص في الحركات الإسلامية، باتريك هايني، والذي خصصة لرصد أنماط التديّن الجديدة في العالم الإسلامي وخارجه المتأثرة بنسق الحياة الغربية في جوانبها المختلفة.  

قدم هايني تعريفا للمصطلح بأنه "مصطلح تحليلي يستند أساسا إلى فكرة الربط بين أنماط معينة من التدين الإسلامي والأسس الفلسفية للسوق مثل النزعة الفردانية، والانفتاح، وأولوية الشأن الخاص على العام المرتبط بالدولة.. والتخلي عن السرديات الأيديولوجية الكبرى.. فالكتاب لا يتحدث عن الدين بل عن أنماط جديدة من التدين".

ووفقا لهايني في كتابه، فإن "إسلام السوق" يعني "مزيجا من النزعة الفردانية المتعولمة، ونزع القداسة عن الالتزام التنظيمي، بما يتضمنه من الشعارات الكبرى التي تتمحور حول شعار (الإسلام هو الحل)، وإعادة النظر في فكرة شمولية الإسلام لكل مناحي الحياة، والتديّن الورع الذي لا يولي مسألة الدولة والثقافة المرتبطة بالطبقة الاجتماعية اهتمامه".

ويشير هايني إلى أن "إسلام السوق" يتدعم عالميا وينافس النموذج "الإسلاموي" الذي يربط بين الهوية والسياسة والدين"، ما يعني أنه ليس رافعة للتعبئة الهوياتية بقدر ما هو حافز للانفتاح على العالم، وهو يشارك بذلك في اللحظة النيوليبرالية التي تعكس التخلي عن البنى السياسية الكبرى، سواء كانت دولا ما بعد كولونيالية أم حركات اجتماعية شمولية الطابع.

أشكال ومظاهر تأثر أنماط التدين الجديدة

في عرضه ونقده لمضمون الكتاب وأفكاره المطروحة، قدم الباحث الشرعي المصري، أحمد سالم توصيفا عاما لفكرة الكتاب المركزية التي تقوم على دعوى تراجع التيارات "الإسلاموية" عن حضورها الفاعل في الواقع، بسبب نشوء تيارات واتجاهات إسلامية أخرى على تخومها تخلت عن رؤى الأولى وأفكارها المؤسسة.

ووفقا لسالم في مشاركته في ندوة خصصت لمناقشة الكتاب، فإن الباحث السويسري أراد بالتيارات "الإسلاموية" تلك الاتجاهات والحركات الإسلامية، التي نشأت بعد سقوط الخلافة العثمانية، والحاملة لمنظومة "السرديات الكبرى" كأسلمة الدولة والمجتمع واستعادة الخلافة.

تعددت التوصيفات والتعريفات لظاهرة "الدعاة الجدد"، فإحدى الندوات الدارسة للحالة في وقت سابق أدرجت الداعية المصري حازم أبو إسماعيل في قائمة أولئك الدعاة، لكن الباحث أحمد سالم انتقد هذا التوصيف، متسائلا: "كيف نضع عمرو خالد والشيخ حازم في إطار واحد مع ما بينهما من فوارق جوهرية في الرؤى والأفكار والمواقف؟".

أما أدق معيار يمكن إعماله لتوصيف وتحديد المقصود بالدعاة الجدد، فهو طبقا لسالم يتمثل بما طرحه باتريك هايني في كتابه "إسلام السوق": "تخلي أولئك الدعاة وتلك التيارات عن سردية أسلمة المجتمع والدولة واستعادة الخلافة".

من جانبه رأى الباحث المصري المتخصص في الحركات الإسلامية، الدكتور هاني نسيرة ضرورة "التفريق بين الدين والتديّن، فالتديّن جزء منه بشري، ومتعلق بطريق إيمان الإنسان وسلوكه الديني، ومن الطبيعي أن يتأثر في ذلك كله بالسياقات الزمنية والآراء والرؤى السائدة في أيامه". 

وفي جوابه عن سؤال "عربي 21" حول مظاهر تأثر أنماط التدين الجديدة بنسق الحياة الغربي، أوضح نسيرة أن مظاهر التأثر تتضح في ميل كثير من الدعاة لعلوم الإدارة، ومهارات تنمية الذات، والاهتمام بالوقت والسلوك الإنساني، ونشاطات المسلمين المتصاعدة على مواقع التواصل الاجتماعي بما فيهم دعاة وجماعات إسلامية.. فالكل صار متأثرا بروح العصر وطبيعته، وأي تدين في أي عصر يحدث معه ذلك، يؤثر ويتأثر، بحسب نسيرة.

وأشار نسيرة إلى أن حالة "صعود العنف الإرهابي، ومشاهد القتل والتوحش المتكاثرة، دفعت كثيرا من المسلمين للتركيز على مفهوم الخلاص والطهورية المعظمة للتدين القلبي، ذي النزعة الفردية بعيدا عن السياسة واحتكار السلطة باسم الدين التي شوهت الدين وضيقت صدر المتدينين فضلا عن كثير من غيرهم".

استنساخ روح التديّن البروتستانتي

في السياق ذاته، أرجع الباحث في الفكر الإسلامي، الدكتور سهل البطاينة نشوء حالة "الدعاة الجدد" بأنماط تدينها الجديدة إلى محاولة مجموعة من الدعاة الشباب "تقديم خطاب هادئ يلامس احتياجات الشباب والسلطات في آن واحد"، إثر حالة الفوضى والارتباك التي تلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

وأوضح البطاينة في حديثه لـ"عربي 21" أن حالة الانسداد السياسي ما بين الحركات الإسلامية الإصلاحية وبين الدول العربية ذات النمط الشمولي في دول "ما قبل الربيع العربي" ترك حالة من اللامبالاة في أوساط كثير من الشباب، وكذلك حالة من النفور من الخطاب الديني التقليدي.

ما سبق، فتح المجال لظهور نمط التدين الجديد الذي "حاول الدعاة الجدد التبشير به والدعوة إليه، وهو في حقيقته ما هو إلا محاولة لاستنساخ روح التدين البروتستانتي التي سادت في أمريكا أواخر القرن الماضي عبر مجموعة من رجال الدين، هم الدعاة الإنجيليون الجدد"، وفقا للبطاينة. 

أما تداعيات تأثر نمط التدين الإسلامي الجديد بنمط التدين الغربي في طبعته البروتستانية، فتتجلى بحسب تحليل البطاينة في أن "الدعاة الجدد" حاولوا التخلص شيئا فشيئا من المكونات الصلبة للدين، والحقائق الصادمة للفرد الذي يريد أن يمارس اللذة بدون ضوابط وتحويله من دين يعدّ منهجا شاملا للحياة إلى دين يتوافق مع قيم الفرد "المتديّن" الجديد الذي يريد الاستمتاع بالحياة كقيمة نهائية. 

خطورة هذا التوجه كما يراها البطاينة، تكمن في حضور قيم السوق في أخلاق هذا النمط الجديد، فالتدين أو حتى الدين في ذاته أصبح عبارة عن قيمة رأسمالية همها الأساسي هو إرضاء المستهلك، وهو هنا "المتديّن".

يتابع البطاينه شرح رؤيته قائلا: "فالدين بدل أن يصبح هو المسيطر في توجيه رغبات الفرد المؤمن، أصبح الفرد هو المسيطر، وكل هذا أوجد مجموعة من الشركات والمصالح المتداخلة في السوق مهمتها تقديم المادة أو السلعة، وهي هنا قيمة دينية، إن كان على مستوى الشكل أم المضمون"،
وهي تبدأ وفقا للبطاينة بشكل "ستايل" الدعاة الجدد وانتهاء بمخرجات دينية كالأنشودة الدينية، التي أصبحت – على سبيل المثال – مثالا صارخا على قيم الرأسمالية النيوليبرالية، سواء في مشاهد الكليبات أم في الكلمات، أم حتى في الإخراج. 

وأجمل البطاينة ما يسعى إليه نمط التدين الجديد، "بممارسة جميع ما يمارسه غير المتدين في تصرفاته وسلوكه وملذاته، ولكنه في الوقت ذاته يسعى للحصول على ورقة البراءة على "تدينه" وهذا ما يقدمه له "الدعاة الجدد" عبر إعطائه صك غفران، لكنه صك غفران ديجيتال هذه المرة.

امتحان مقولة "إسلام السوق" في الواقع

لئن كانت مقولة "إسلام السوق" قد راجت في مرحلة ما قبل "الربيع العربي"، فهل بقي لها ذلك الحضور بعد الثورات العربية بتداعياتها الخطيرة، والتي من أبرز تجلياتها ظهور الحركات والجماعات الإسلامية الأكثر تشددا وغلوا وتطرفا والمتشبثة بشدة بالسرديات الكبرى (أسلمة الدولة والمجتمع واستعادة الخلافة)؟

رأى الباحث السياسي السعودي، وليد الخضري في حديثه لـ"عربي 21" أن مفهوم "إسلام السوق" تراجع بشكل واضح بعد الربيع العربي بثوراته السلمية التي أجبر بعضها على دخول طور العسكرة لاحقا، لصالح التنظيمات والحركات الإسلامية المتشددة، التي يأتي في مقدمتها تنظيم الدولة.

وأشار الخضري إلى أن هذه التنظيمات كلها تحمل تلك السرديات الكبرى، وتسعى إلى تطبيقها، بل تقوم بتطبيقها على أرض الواقع، خاصة تنظيم الدولة الإسلامية، متسائلا: أين مقولة "إسلام السوق"؟ وأين هم "الدعاة الجدد" أمام هذا الواقع الجديد الذي بات يفرض نفسه على الجميع؟   

وفي سياق مقارب، تحدث الداعية السعودي، الدكتور سلمان العودة عبر مشاركة له في قناة "الجزيرة مباشر" عن دور الثورات المضادة في إحياء التطرف والعنف، وتوسيع دوائرهما، مشيرا إلى أن "تنظيم القاعدة" بعد تغير رؤيته في بعض الأمور، وبدئه بالتنازل شيئا فشيئا "فإن الانقلاب في مصر، وما خلفه من حمامات دم، بالإضافة للثورات المضادة الأخرى في ليبيا واليمن، كانت بمثابة الإبرة الضخمة التي حُقن بها العنف والقتل والتكفير".
التعليقات (5)
احمد أمين
الخميس، 02-07-2015 05:02 م
بسم الله الواحد الأحد اسلام السوق هو من قديم الزمان وتم اضهاره وإبرازه في هذه الفترة بالذات هي عملية ممنهجة ومقصودة ومدووسة وهي حالة سوسيولوجية وسيكولوجية كلما ركزت العدسات والأقلام على المشهد المضاد اي اسلام الساحة والفاعل ( نجاح التجربة التركية. نجاح التجربة التونسية. ثبات التجربة المغربية. نمو وازدهار التجربة الماليزية......) كلما الغرب وتجار سوق الاسلام عرضوا لنا بضاعتهم او جديدهم من البضاعة وسلطوا عليها عشاق الكلام وهوات التصوير ومخرجين خياليين (طالبان. اكمي. القاعدة. داعش....) وهنا يكثر اللغط والخرج والمرج ويختلط الحابل بالتابل ولا يسلم منها حليما ولا شيخا حينها يظهر بعض وجوه العمائم والمشايخ والخطباء الذين تحركهم الحاجة والرغبة وما تخفي صورهم ويخرجوا علينا بألفاظ ومصطلحات وعبارات جديدة ومدخلا بها السوق. سوق الاسلام وتزداد البضائع ويزداد رواده وقريبا يعرضوا لنا سلعة جديدة.
خدعوك فقالوا
الأربعاء، 01-07-2015 02:08 ص
من كان في أساس عقيدته شيء من الباطل ولو شيئاً قليلاً ظهر هذا في دينه , فكم سقط رموز وتجار دين وأصحاب بدع وهوى عند أول امتحان لمصداقيتهم وفي المقابل كم ثبت من الصادقين من لم يبدلوا دينهم حسب ما يرضي الجماهير أو الطغاة , ( لا نقول إلا ولينصرن الله من ينصره )
ابو ياسر
الثلاثاء، 30-06-2015 10:23 م
هذا الكتاب نزل للسوق سنة 2005 ليس فيه من الجديد إلا عنوانه
مسلم
الثلاثاء، 30-06-2015 04:46 م
تحليل سييء لكاتب نصراني حاقد جاهل، وعرض سييء لصحفي غبي
عبد الله
الثلاثاء، 30-06-2015 04:29 م
مقال رائع