كتاب عربي 21

ضرورة تنظيف الطريق من النخب المزيفة

نور الدين العلوي
1300x600
1300x600
رثاء الأمل 

عبرنا إلى فرح غامر ذات صبح جميل ثم ما لبث الأمل أن تبخر تحت نار الفتن المدلهمة. كيف ندفع الصخرة التي تتدحرج بنا من جديد؟ أي الألمين أشد على القلب فجاجة الواقع أم حلاوة الوهم؟ هل نبيع لأطفالنا كذبة؟ تلك هي المعضلة التي تضعنا فيها حروب الشد إلى الوراء. الحزن الآن يجمع الدموع في مآق كثيرة يسوؤها حال  أمّة كلما عَبَرَت غَبَرَت. الشباب يبحثون عن أمل كاذب لدى كهول انحنوا قبل أوان الانحناء. فكيف نولد لهم أملا زائفا ونحن نجمع مفردات العقل في طريق موحشة لفهم الطريق التي تحملنا للخراب. أول الإرشاد أن نكف عن الإرشاد النخبوي الكاذب.

رهبة بث الأمل الزائف

مسؤولية جسيمة تربكنا فعلا وتمنعنا الآن من الكتابة. لقد قضينا سنوات نقول للشباب أن الأمل قائم حتى وجدنا أنفسنا معه في نقطة الصفر خائبين. ونقع الآن في لعبة إنقاذ ذواتنا من الخيبة بإلقاء المسؤولية على الامبريالية والمخابرات و كواليس السياسة الدولية. كأن عقولنا الدَّعِيَّة لم تعرف أبدا أن كيد الآخرين جزء من المشهد الذي يجب الإحاطة به قبل بدء التفكير والتخطيط. ورغم ذلك لا بد من تحميل المسؤولية لطرف  محدد دون جلد الذات المنقذ من ألم الخيبة.

عندما ادلهمت الفتن في صدر الإسلام بين طلاب القيمة وطلاب السلطة، وقف حِبْرُ الأمَّة عبد الله بن عمر الأعرف بالنص من غيره وقال "فتنة طهر الله منها قلوبنا فلنطهر منها ألسنتنا". وأنهى مشواره على ربوة الطهر لم يشارك في فتنة ولم يصلح في صراع. لكن الفتن استمرت ومال النص إلى الدولة وترك القيمة. وكلما عدنا إلى فتنة ذكرنا الاستقالة الطهورية. وتفرقنا بين حق البراءة وواجب المشاركة. ولم نعدل في مجرى الأحداث. ونحن اليوم هناك بين إغراء الربوة وواجب مد اليد للشباب الحائر من فتن مدلهمات كالليالي الطوال. نقول التاريخ يعيد نفسه في شكل مهزلة. ويقول علم الاجتماع تلك هي مسارات الفعل الاجتماعي. والحقيقة واحدة لقد ضاعت الثورة العربية الأخيرة في صراع لم يحكم الفاعلون أسبابه. ونتمنى أن يكون هذا استنتاجا  سابقا لأوانه.

النخب القصيرة النظر

أتهم النخب نعم فلا شيء كان يمنع هذه النخب من الالتزام بالثورة ودفعها إلى مداها. يخوض السفسطائيون في تعريف النخبة من هي النخب ومما تتكون وما مصالحها وما حيلها؟ والإجابات قريبة من متناول اليد ولكن التظاهر بجهلها جزء من عمل النخب العربية القائمة والقاعدة. ولذلك ضيعت ثورتها لتستقر في الموجود على قصوره في تحقيق المنشود. يقف الفاعل الاجتماعي دوما على باب مصلحته الخاصة يتظاهر بفهم قرامشي ويقول بضرورة قياد الجماهير إلى التغيير. ويدبّج في ضرورة التغيير نصوصه لكنه في لحظة التغيير يكشف الانهمام بالذات والوقوف على فرادنيته الفجّة. وهذا الذي حصل في الثورة العربية. وقف المثقف العربي (النخبة) في طريق الشارع الثائر وحرفه إلى مطلبية مادية تبتز الدولة وتقبض ما يحسن وضعه الشخصي في موقعه القديم الذي حازه ضمن الديكتاتورية أستاذ جامعي براتب عال وطبيب متخصص في مدينة كبيرة ونقابي ضليع في الاحتجاج أو إعلامي مرتزق.

استحوذ على بغيته وواصل الصراخ بضرورة التغيير متناسيا انه قطع الطريق على التغيير عندما حرم الفئات الأفقر منه من حقوق هي بها أولى لأنها أطلقت حركة الربيع قبل أن يفكر المثقف الخانع في تغيير حاله من الانتظارية الكسولة وخطاب تبرير العجز الذي كان يردده طاعنا في ثورية الجماهير الغبية.

 لقد ثارت الجماهير بدونه وألزمته بالمشاركة لكنه ارتد بها(إذ قفز إلى قيادها) إلى مصلحته القصيرة النظر.

الثورة العربية كانت ضد هذا المثقف كما كانت ضد السلطة لكنه لم يكن واضحا في المشهد كعدو ممكن بل كصديق محتمل فسلمت له العامة قيادها في لحظة التيه ما بعد لحظة الثورة  وهناك استعاد مكانته لا كمثقف عضوي بل كطالب رزق بالكلام الكبير(الديماغوجيا) ونال ما يريد من الثورة قبل أن تنتبه العامة إلى الخديعة فلما انتبهت كان كل شيء قد عاد إلى مكانه القديم. العامة الجاهلة والمثقف العضوي الذي يبرر للسلطة ويقبض منها ويلزم الجماهير بالصمت لأنها جاهلة لا تعرف قياد الثورات. فهل يحق له الآن مواصلة التظاهر بقياد الجماهير وهو الذي أثبت رجعيته بنفسه؟.

إن لحظة المسؤولية الأخلاقية تقتضي الوقوف مع الذات والقول بصوت جهير. المثقف العربي محافظ بالقوة ورجعي بالنتيجة وخائن بالمصير. وعلى الجماهير/ العامة أن تصنع قيادها الجديد من داخلها. وأول خطواتها أن تحسم في أمر هؤلاء المثقفين(النخب) الأدعياء بوضعهم ضمن حلقات النظام القديم واستهدافهم كعدو يجب إزاحته من الطريق. وعلى المثقف الذي يحترم نفسه أو به بقية من ضمير أن يبتعد عن طريق الناس ليفسح لهم معبرا نحو حقهم في الحياة.

العامة مضطرة إلى صناعة وعيها بدون طبقة المثقفين المزيفين.

هذا مسار ومصير. لا مكان في المستقبل للمثقف الذي مرت يد السلطة النخاسة في رأسه لقد شوهته وكان مستعدا للتشوه. السلطة صنعت مثقفا على قياسها ومثقف وجد سلطة على هواه. وكشف الربيع العربي هذه التركيبة الخيانية وقضى عليها أخلاقيا وأسقطها من جدول اهتمامه لكن البديل يطلب الحلول في الفراغ الذي انكشف. كيف تصنع الجماهير قياداتها الجديدة ؟  هذا حلم آخر لا يجب أن يتدخل فيه المثقف الرجعي القديم.

الضمير الوطني والقومي الكاذب

تحت مفهوم الوطنية والرابط المشترك والمصلحة الوطنية أو تحت مفهوم الأمة الواحدة ذات الرسالة الخالدة قامت بعض النخب بالاستعانة بعدو خارجي للانتصار في معركة اجتماعية داخلية مدارها توزيع الثورة وإقامة العدالة الاجتماعية. كما قامت تخب أخرى بالتحالف مع أنظمة تمحق شعوبها بالنار من أجل بناء أمة بلا شعب. لذلك فهذا الإطار من التفكير يشكل أحبولة خطيرة. لأنه يفتح باب الكلام من موقع توزيع شهادة في الوطنية والانتماء القومي. الوطن مفهوم رومانسي يجمع ما فوق الطبقة والمصلحة ويخفي التفاصيل المتعلقة بتناقض المصالح وكذا مفهوم الأمة الذي يموه الصراع القائم بين المكونات غير المتجانسة اجتماعيا بغلاف عرقي أو بغلاف ديني فالأمر سيان. والانجرار إلى هذا التأطير الخطابي يشكل أحبولة للجماهير توقعها في إعادة إنتاج فكر النخب القديمة التي عجزت دون الثورة ثم أفشلت الثورة.

تحتاج العامة إلى إعادة تشكيل خطابها خارج هذه الأطر الخادعة ودون الاستعانة بمخابر إنتاج هذا الخطاب (الديماغوجيا) لا وطن يجمعها مع باعة الأوطان في سياق تدبير مصالح خاصة عبر صفقات مريبة. لا شيء يجمعها مع طبيب يرفض علاجها ويضطرها إلى القدوم إليه محمولة على أسرة الموت لتدفع له من قوتها الأدنى فيبني قصره على البحر. أو مع أكاديمي يصر على تحقير وعيها بمصيرها وحاجاتها ويمن على أولاد العامة بمعرفته المنسوخة من كتب لم يفهمها.

لقد وصلت الثورة العربية إلى حقيقة كاشفة. الوطن كما كان لم يعد مكانا جامعا ولا مساحة مشتركة للفعل الاجتماعي. وهذا هو انتصارها البالغ. لقد عرفت أعداءها في الداخل وحددت مواقعهم ودوافعهم ورأت أنها ضحية لهم قبل أن تكون ضحية الإمبريالية. لقد أنهت الثورة رغم تراجع آمالها مهمة الكذبة الذين يحددون لها أعداءها في الخارج لتتيه عن أعداء الداخل. وأشارت الثورة دون النخب التزييف إلى الطريق... ضرورة  تنظيف الطريق من النخب.
2
التعليقات (2)
علي بن يوسف الحربي
الخميس، 09-01-2020 08:23 ص
المنستير في 5 جانفي 2020 الي كل المعنيين بهذا النداء وبغيره من الدعوات البناءة نخبنا الحقيقية ومواطنينا الراغبين في التغيير وانقاذ البلاد لقد بحت أصواتنا خلال السنوات الماضية منادين بضرورة بناء الجبهة السياسية الوطنية التقدمية الديمقراطية الموسعة كبديل لحالة التشرذم والانتظار وحاولنا واعدنا المحاولة مرارا وتكرارا واكدنا على ظرورة البناء التنظيمي والهيكلي القاعدي في المحليات و في الجهات لان الكارثة في المركز وفي البناء من أعلى وفي النخب المزيفة والمرتزقة والسماسرة والباحثين عن التموقع وسنواصل مع الشرفاء الحلم بغد افضل و َسنناضل ونقاوم الردة والرداءة حتى نصل إلى تجميع النخب الحقيقية في الجهات والمناضلات والمناضلين في مختلف ارجاء الوطن ولن يهدأ لنا بال حتى نحقق المبتغى وتصل أصواتنا الي كل المعنيين بالانقاذ خصوصا وان التونسيات والتونسيين بدؤوا يميزون بين ما ينفعهم وما يضرهم وبين أصدقا ئهم واعدائهم في الداخل والخارج لان السنوات الثقيلة الماضية كشفت لهم معادن من اوهموهم بالتغيير نحو الأفضل لكنهم زادوهم فقرا وارهابا ومن دجلوا عليهم بالشعارات الرنانة و الزائفة والكذابة لكن الواقع كشف عجزهم وطمعهم ومخاتلاتهم وها قد حان الوقت بعد مسرحية تشكيل الحكومة القادمة وما افرزته انتخابات 2019 وما سبقها في " الديمقراطية المدروسة على المقاس " وبعد أن احسوا بالاخطار المحدقة بهم وبجيرانهم وإخوانهم في ليبيا والجزائر والمنطقة عموما نتيجة انخراط الكثيرين افرادا واحزابا في مشاريع تخريب الأوطان والتفريط في السيادة وفي المقدرات لصالح قوي النهب العالمية ، فلنستعد لإيقاف النزيف الذي سيدمر ما تبقى من هذا الوطن ولنعمل على إنقاذ ما يمكن انقاذه عبر الانخراط الطوعي الإرادي الواعي في مشروع الإنقاذ الذي لا يمكن أن يكون الا جبهة سياسية وطنية تقدمية ديمقراطية واسعة تبنيها سواعدنا وعقولنا من القاعدة الى القمة في كل حي ومنطقة وفي كل جهة من جهات الوطن الجريح فالتاريخ اليوم يدعونا الى ان نومن بأننا أسياد أنفسنا ووطننا وحاضرنا ومستقبلنا وان الحرية تفتك ولا تهدى على بن يوسف الحربي
أحمد ودالسمر
الخميس، 09-04-2015 06:33 م
الله عليك يتأاستاذ كم هي النخب الزائفة في تاريخ هذه الأمة ؟؟وان الثورة كان قادتها هم هؤلاء اذا من الصعب صناعة ثورة حقيقية.!!