ملفات وتقارير

السيسي يواجه أصحاب "الهم" و"الغم" و"الدم"

السيسي - أرشيفية
السيسي - أرشيفية

بعد يوم حافل من فعاليات التنصيب، الأحد الماضي، يجد الجنرال عبد الفتاح السيسي، نفسه أمام أربع كتل كبيرة من الشعب المصري، يحتاج أن يتعامل معها جميعا بالتوازي، من أجل تحقيق الاستقرار المنشود.

وحمل الخطاب الأول للسيسي، عقب تنصيبه، والذي وصف بأنه "عقد اجتماعي"، إشارة إلى 3 كتل كبيرة نوعا في المجتمع، هم أصحاب "الهم" و"الغم" و"الدم"، بينما لم يتطرق لكتلة رابعة وهم "أصحاب الحبس وذووهم".

 أولا: أصحاب الهم:

هذه هي الكتلة الأولى التي يواجهها السيسي، وأصحابها هم الفقراء والعاطلون عن العمل وأصحاب المطالب الفئوية من العمال والذين يعانون من أزمة إسكان والخائفون من ارتفاع الأسعار ورفع دعم الطاقة.


 1- الفقراء


 من 25% إلى 26% من سكان مصر، الذين تجاوز عددهم 90 مليون نسمة، تحت مستوى خط الفقر، وفقا لمؤشرات محلية ودولية.

ووفقا لمقياس خط الفقر القومي، الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي)، فإن 26.3% من المصريين لا يستطيعون الحصول على السلع والخدمات الأساسية، وتلك النسبة حتى نهاية العام 2013.

وتعرّف مصر الفقير -وفقا لخط الفقر القومي- بأنه الفرد الذي يتقاضى أقل من 327 جنيها شهريا (أقل من 50 دولارا)، أو للأسرة المكونة من خمسة أفراد التي يصل دخلها شهريا إلى أقل من 1620جنيها (230 دولارا).

ويتركز الفقراء في جنوب مصر، المحروم منذ سنوات من الاهتمام والتنمية، ففي ريف الوجه القبلي الذي يعيش فيه 27% من سكان مصر، يصل عدد الفقراء إلى 49% وهم لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية.

 وفي خطابه عقب التنصيب وعد السيسي هذه الفئة بالحفاظ على حقوقها، فبينما كان يتحدث عن المشروعات الجديدة التي ينتوي تنفيذها قال واصفا هذه المشروعات بأنها "عزف جديد في تاريخ الدولة المصرية، يدعم اقتصادا عملاقا ومشروعات وطنية ضخمة للدولة والقطاع الخاص واستثمارات مباشرة، مع الحفاظ على حقوق الفقراء ومحدودي الدخل وتنمية المناطق المهمشة، يصون منظومتنا القيمية والأخلاقية، يعززها ويحميها، ويكفل للفنون والآداب حرية الفكر والإبداع، ويؤمن ويرحب بالانفتاح ويحافظ على الهوية المصرية وطبائعنا الثقافية".


2 - البطالة

3.7 مليون مصري عاطل عن العمل حتى نهاية مارس/ آذار الماضي بنسبة 13.4% من اجمالي القوة العاملة في البلاد والبالغة 27.6 مليون شخص.

وبحسب الإحصاءات الرسمية، الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن 69.7% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 إلى 29 سنة عاطلون عن العمل.

وأشار السيسي في خطابه أمس الأول إلى هذه المشكلة ضمن المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.

وقال بعد أن تحدث عن الفترة، التي سبقت 30 يونيو 2013، (الاحتجاجات التي سبقت عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي): "ويضاف إلى ذلك ظروف اقتصادية متردية، ديون داخلية وخارجية متراكمة، عجز ضخم في موازنة الدولة، وبطالة مستفشية بين أوساط الشباب".


 3- أزمة السكن   

تحتاج مصر من 400 إلى 600 ألف وحدة سكانية سنويا للوفاء باحتياجات السوق، لا ينفذ منها سوى 50%، من قبل القطاعين العام والخاص، ومما يزيد من حجم المشكلة أن غالبية الوحدات المنفذة من القطاعين العام والخاص، تأتي في قطاع الإسكان المتوسط وفوق المتوسط، وعدد قليل في قطاع الإسكان الاقتصادي، أي المخصص لمحدودي الدخل.

وسيواجه الرئيس السيسي أزمة الإسكان وارتفاع أسعار العقارات، وهي أزمة مستمرة ومتصاعدة، لكن سيخفف من حدتها ما أُعلن عنه الشهور الماضية عن قيام الجيش المصري، وقت تولي السيسي منصب وزير الدفاع، عن الاتفاق مع شركة إماراتية، لتنفيذ مليون وحدة سكانية لمحدودي الدخل، تُنفذ على 5 سنوات، على أن تقدم الأراضي بالمجان لهذا المشروع في 13 محافظة بالبلاد، وحسبما نشر فإن التكلفة الإجمالية للمشروع سوف تصل لنحو 280 مليار جنيه مصري (40 مليار دولار)، هذا بجانب مشروع المليون وحدة سكنية التي تتولى وزارة الإسكان إنشاءها.


 4- المطالب الفئوية

ممتدة من الأطباء إلى عمال النقل العام، وليست مقتصرة على العاملين بالحكومة بل يعاني منها أيضا القطاع الخاص.

وأقرت الحكومة السابقة، التي كان يرأسها حازم الببلاوي، الحد الأدنى للأجور وبدأ تطبيقه في يناير/ كانون الثاني الماضي، وجعلته مقتصرا على الموظفين بالجهاز الإداري للدولة، والأطباء والمعلمين، عند 1200 جنيه (نحو 180 دولار)، ولم تطبقه على شركات قطاع الأعمال العام والهيئات الاقتصادية، كما أن الحكومة المصرية لا تلزم القطاع الخاص بحد أدنى للأجور، وهو ما أدى إلى عودة الإضرابات العمالية في البلاد.

وبلغ عدد الاحتجاجات العمالية في مصر خلال 12 شهرا حتى أبريل/ نيسان، وفق احصاء لقيادي عمالي، نحو 1890 احتجاجا، في القطاعين العام والخاص.

ولم يرض العاملون بالدولة بالحد الأدنى للأجور، فشكى قطاع المهن الطبية من تطبيقه، لاستثناء بعض العاملين منه، وتطبيقه بنسب متفاوتة على البعض الآخر، ودخل العاملون في إضراب جزئي، ولكنهم أنهوا الإضراب بعد اتفاق مع الحكومة للاستجابة لمطالبهم.  

 5- الأسعار

9.1% معدل التضخم السنوي حتى نهاية شهر أبريل/ نيسان الماضي 2014، والارتفاع الرئيسي في مستويات التضخم هو زيادة أسعار السلع الغذائية الرئيسية مثل الخضروات واللحوم والأسماك.   

التخوف الأكبر الذي يؤرق المصريين هو ارتفاع مستويات الأسعار، وهو ما يزيد أعباء المصريين ويؤثر على مستوى مدخراتهم وعلى مستوى معيشتهم.

الأسعار المرتفعة لها العديد من الأسباب، التي يدركها الرئيس المصري الجديد، فتراجع سعر العملة المحلية أحد الأسباب الرئيسية في ارتفاع أسعار السلع في البلاد التي تستورد أكثر من نصف احتياجاته من الخارج، بجانب مستوى الرقابة الضعيف ما يؤدي إلى رفع الأسعار بطرق عشوائية، أو التحكم في الأسعار من قبل بعض التجار الكبار والوسطاء.

وقال السيسي إن له استراتيجية للسيطرة على الأسعار المرتفعة، من خلال التدخل في السوق، سواء عن طريق الدولة أو عبر طرح مشروعات صغيرة أمام الشباب لزيادة المعروض من السلع خاصة الغذائية.

 6- أزمة الطاقة

رفع أسعار الكهرباء بنسبة 30%، والبنزين والسولار بنسبة 30 إلى 50%، وفق تصريحات مسؤولين لوسائل الإعلام، من أكبر الهموم التي تؤرق المصريين.

وزيادة أسعار الطاقة الموجهة سواء للمواطنين أو المصانع أمر حتمي، فالموازنة التي أعدتها الحكومة السابقة التي جدد السيسي الثقة في رئيس وزرائها إبراهيم محلب، قلصت حجم دعم المواد البترولية في موازنة العام المالي المقبل 2014/ 2015 إلى 14.6 مليار دولار، مقابل 18.8 مليار دولار في العام المالي الحالي، وهو ما يعني زيادة في أسعار الوقود.

ويتخوف المصريون من زيادة الأسعار لأنها ستؤدي إلى زيادة أسعار السلع والخدمات، وهو ما يؤثر على مستوى مدخراتهم وإنفاقهم.


ثانيا: أصحاب "الغم"

الكتلة الثانية التي يواجهها السيسي هي "أصحاب الغم"، والمقصود بهم المحبطون من الشباب لأسباب مختلفة بعضها سياسي يرجع إلى شعورهم بعدم نجاح ثورة 25 يناير/ كانون الثاني في تحقيق أهدافها، والبعض الآخر اقتصادي بسبب مشكلة البطالة، وعدم حصولهم على فرصة عمل ملائمة.

وأثر الإحباط على تفاعل هذه الشريحة الأكبر في المجتمع المصري (يمثلون الربع وفق تعداد سكان مصر) مع الاستحقاقات الانتخابية، سواء في الاستفتاء على الدستور أو الانتخابات الرئاسية.

وشهدت الاستحقاقات الانتخابية في الاستفتاء على الدستور و الانتخابات الرئاسية عزوفا لهؤلاء عن المشاركة في العملية السياسية، بحسب مراقبين للعملية التصويتية.

وأعلنت أكثر من حركة شبابية وثورية مقاطعتها للعملية الانتخابية، وكسى الشعر الأبيض أغلب المشاركين في العملية الانتخابية، وغاب الشعر الأسود بشكل ملحوظ عن المشهد.

وانعكس غياب الشباب عن المشهد على نسبة المشاركة في العملية الانتخابية بالانتخابات الرئاسية، وبحسب إحصائيات اللجنة العليا للانتخابات فإن فئة الشباب (18-40 عاما) تشكل نسبة 58.9% من إجمالي المصوتين، وكبار السن (40 عام فأكثر) يمثلون 41.1%.

وأمام السيسي تحدٍ هو أن ينجح في إعادة هذه الفئة للمشهد بالانتخابات البرلمانية المقبلة (لم يتحدد موعدها بدقة لكنها متوقعة العام الجاري)، وحرص خلال خطابه على توجيه رسالة لها قائلا: "الوطن لا يزال بحاجة ماسة إلى عملكم وإخلاصكم لروحكم الممتلئة بالأمل والحياة، روح الاستمرار والتجديد، وأنتم مقبلون على مرحلة البناء والتمكين، ساهموا عبر القنوات الشرعية في إثراء الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لوطنكم".


 ثالثا: أصحاب الدم

وهي الكتلة التي سالت دماء ذويها منذ ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 (أنهت حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك) وحتى تنصيب السيسي، وتشمل أقارب القتلى والمصابين من ضحايا ثورة 25 يناير/ كانون الثاني، والأحداث التي تلتها، بالإضافة إلى أنصار مرسي من المصابين والقتلى، وكذلك الذين سقطوا من قوات الجيش والشرطة.

ويبلغ إجمالي عدد القتلى على مستوى محافظات مصر الـ 27، حوالي خمسة آلاف شخص من بينهم 475 من رجال الجيش والشرطة، فيما بلغ عدد المصابين 49 ألفا و277 مصابا، بينهم 48 ألفا و500 مدني و 777 من رجال الجيش والشرطة، بحسب تقديرات غير رسمية شككت فيها السلطات المصرية.

وبينما اهتمت مؤسستا الجيش والشرطة بمن سقطوا من ضحاياها قتلى أو مصابين، فإن أقارب من سقطوا من المدنيين "أولياء الدم" يحتاجون لأن ينظر لهم الرئيس الجديد بعين الاعتبار، بحثا عن إعادة الهدوء والاستقرار للمجتمع المصري، في ظل هذا العدد من القتلى والمصابين، الذي هو الأكبر في تاريخ مصر الحديث.

ويشعر معظم "أولياء الدم" برغبة في الثأر، غير أن الشرع أوجد مخرجا لذلك حتى لا تتفشى عادة الثأر وهي "دفع الدية".

وقبل وصول السيسي إلى المنصب، طالبه كثيرون بأن يعطي أهمية لهذا الملف، واصفين "التصالح مع أولياء الدم" بأنه أولى خطوات المصالحة المجتمعية.

وفي هذا الإطار طالبه المفكر الإسلامي ناجح إبراهيم بالنظر إلى "الدية" كحل شرعي يمكن من خلاله التصالح مع أولياء الدم.

وقال في تصريحات سابقة لوكالة الأناضول: "الإخوان والدولة بحاجة للتصالح، فلا الدولة يمكنها أن تعمل في ظل استمرار المظاهرات، ولا الإخوان المسلمون سيتحملون السجن مدى الحياة".

وسبق وطرح حزب النور السلفي، في أكثر من مناسبة، فكرة "الدية" كحل للأزمة، واقترح ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، بأن تكون قيمتها 500 ألف جنيه (نحو 70 ألف دولار) للقتيل.

وفي خطاب السيسي كانت هذه الفئة حاضرة، وحدد ما يعنيه بها قائلا: "شهداء ثورتينا وشهداء قواتنا المسلحة وجهاز الشرطة".

ووجه رسالة لذويهم قال فيها: "أعي تماما حجم المعاناة والألم النفسي الذي تعانونه.. إن أرواح الشهداء التي تنعم في الفردوس الأعلى ستظل تطالبنا بحب هذا الوطن والتضحية من أجله والعمل سويا لصياغة مستقبله".

وخارج الكلمة المكتوبة لخطابه قال، موجها كلامه للحاضرين: "دماؤهم هي التي أوصلتنا لهذا المكان".

ولم يتطرق السيسي، في خطابه، إلى كيفية تعامله مع هذه القضية، مكتفيا بقوله: "لن أتوانى يوما أن أضمد جراح أي مصري أو أن أساهم في تخفيف آلامه أو تبديد خوفه على أحد من أبنائه".


 رابعا : أصحاب الحبس وذووهم

الكتلة الرابعة هي من أصحاب الحبس وذويهم من السجناء منذ أحداث 30 يونيو/ حزيران من العام الماضي وحتى اليوم.

وتضاربت المعلومات حول تقدير أعدادهم، فبينما يقدرهم، جورج إسحق عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) بـ 8 آلاف، رجحت تقارير صحفية أجنبية في مارس/ آذار من العام الجاري وصول أعدادهم إلى  16 ألفا، وذهبت منظمة "هيومن رايتس مونيتور" الحقوقية، في تقرير لها، خلال شهر يونيو/ حزيران الجاري إلى أن عددهم وصل إلى نحو 41 ألف شخص.

وفي حال افتراض صحة تلك الأرقام، فهذا يعني وجود 8 آلاف عائلة أو 16 ألفا أو 41 ألفا تشعر بالإحباط والحزن، لأن أسوار السجن تحول بينهم وبين ذويهم.

ورسميا، لا تعترف الدولة بوجود معتقلين، وتعتبرهم محبوسين جنائيين، وقال نير عثمان وزير العدل المصري في مؤتمر صحفي عقده في مايو/ آيار من العام الجاري: " لا يوجد معتقل فى مصر. ويتم اتباع كل الإجراءات المنظمة للقوانين فى التعامل مع القضايا وفقا للمعايير المطبقة دوليا".

ولم يتطرق السيسي في خطابه لهذه الفئة، غير أن كثيرين طالبوه -قبل وبعد توليه المنصب- بالنظر بعين الاعتبار لتلك الفئة، فقبل توليه المنصب قال المفكر الاسلامي ناجح إبراهيم، إن الإفراج عن "المعتقلين"، لاسيما طلاب الجامعات، هو الخطوة الأولى في أي مصالحة يمكن أن تتم بين الدولة والتيار الإسلامي.

وقال إبراهيم: "على السيسي أن يبادر باتخاذ (الخطوة الأولى نحو المصالحة) بالإفراج عن الطلاب وكبار السن.. وفي المقابل يعترف التيار الاسلامي، وفي مقدمتهم جماعة الإخوان المسلمين،  بـ(شرعية الأمر الواقع)، وبما حدث عقب مظاهرات 30 يونيو من انقلاب عسكري".

وفي مقاله، الأحد، بجريدة "الشروق" (خاصة) طالب الكاتب فهمي هويدي، الرئيس المصري الجديد، بالنظر لهذا الملف الهام، مركزا في مقاله على ضرورة انقاذ المضربين عن الطعام منهم، وكذلك وقف التعذيب في السجون.

كما وجه عماد الدين حسين، رئيس تحرير الصحيفة نفسها، خطابا صريحا للسيسي طالبه فيه بإصدار قرار بالإفراج عن الشباب.

وقال: "الشباب الذين أقصدهم هنا هم أولئك الذين تظاهروا ضد الحكومة وسياساتها أو ضد 30 يونيو أو رفضوا قانون التظاهر، ومن كل التيارات بما فيهم المنتمون للإخوان ما داموا غير متورطين في أعمال عنف أو إرهاب أو تخريب".
التعليقات (0)