مقابلات

منوشهر متكي لـ"عربي21": لا خلاف في إيران حول دعم فلسطين والمقاومة

بالنسبة لإيران ليس هناك خلاف جوهري بين غالبية السياسيين والرؤساء والتيارات التي توصف بكونها "إصلاحية" أو"محافظة" أو "محافظة براغماتية"، في ما يتعلق بواجب تحرير فلسطين- عربي21
بالنسبة لإيران ليس هناك خلاف جوهري بين غالبية السياسيين والرؤساء والتيارات التي توصف بكونها "إصلاحية" أو"محافظة" أو "محافظة براغماتية"، في ما يتعلق بواجب تحرير فلسطين- عربي21
يتابع وزير الخارجية الإيراني الأسبق منوشهر متكي تحركاته عربيا ودوليا دعما للمقاومة الوطنية الفلسطينية واللبنانية، مستفيدا من شبكة العلاقات التي كسبها عندما كان طالبا وباحثا في الهند وسفيرا لبلاده في اليابان في عهد الرئيس "الإصلاحي" والمثقف محمد خاتمي ثم وزيرا للخارجية ما بين 2005 و2010 في عهد الرئيس المحافظ أحمدي نجاد بعد أن ترأس الحملة الانتخابية لمنافسه رئيس البرلمان "المحافظ البراغماتي" علي لاريجاني.

على هامش زيارة منوشهر متكي مؤخرا إلى تونس حيث شارك في  تظاهرات ثقافية وإعلامية داعمة للمقاومة الفلسطينية واللبنانية التقاه الإعلامي والأكاديمي كمال بن يونس وأجرى معه الحوار التالي لـ"عربي21":



س ـ أولا كيف ينظر الدبلوماسي والسياسي المخضرم منوشهر متكي إلى التعقيدات الحالية التي بدأت في فلسطين المحتلة وتوسعت لتشمل لبنان والعراق وسوريا واليمن وإيران والباكستان وكامل المنطقة، وانخرطت فيها واشنطن ودول من الحلف الأطلسي؟ هل تسير الأوضاع نحو تصعيد أخطر وحرب واسعة بين "إسرائيل" والولايات المتحدة وحلفائهما من جهة وبين المقاومة الوطنية الفلسطينية واللبنانية وإيران وكل حلفائها من جهة ثانية؟

 ـ الصراع بين قوات الاحتلال وحركات المقاومة لم يبدأ مع حراك "طوفان الأقصى" يوم 7 أكتوبر2023، ولكن قبل عشرات السنين.

 الأسباب العميقة للحرب الحالية في فلسطين ومحيطها تناقض المواقف والأهداف والأولويات بين مشروع احتلال وإرادة شعوب تكافح من أجل التحرر الوطني والاستقلال .

تلقى سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ عقود دعما ماليا وعسكريا ضخما من أمريكا وحلفائها. وكانت منذ عشرات السنين تتهم المقاومة الوطنية بـ "العنف والإرهاب" عندما كانت منظمات الكفاح الوطني يسارية وعلمانية وليبيرالية وقومية. وتجدد إطلاق نفس الاتهامات عندما أصبحت ابرز قوى المقاومة وطنية إسلامية وتقدمية تتزعمها قيادات حركات حماس والجهاد وحزب الله ..

وبالنسبة لإيران فالموقف كان دوما واضحا، منذ انتصار ثورتها الشعبية الإسلامية في 1979 عندما قررت قيادتها بزعامة آية الله الخميني غلق "السفارة الإسرائيلية" الضخمة في طهران وتسليم نفس المقر لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية وزعيمها ياسر عرفات ورفاقه.

ومنذ ذلك التاريخ انفتحت إيران على كل قوى المقاومة الوطنية الفلسطينية واللبنانية بصرف النظر عن مواقفها الفكرية اليسارية والقومية والإسلامية.. وسواء كانت سنية أو شيعية أو علمانية أو ليبرالية..

حروب بالوكالة؟

س ـ هناك من يعتبر أن إيران تدعم الحوثيين و"حماس" و"الجهاد" وحزب الله وفصائل عراقية وسورية لتخوض "حربا بالوكالة" نيابة عنها مع "إسرائيل" وأمريكا وحلفائهما.. ما صوابية ذلك؟

 ـ إيران الثورة قررت منذ عهد الإمام الخميني رحمه الله أن لا تعوض حركات المقاومة للاحتلال في مهمتها وأن لا ترسل قوات إيرانية.. وأن لا تتدخل في شؤون حركات المقاومة ..

والجميع يعلم أن قيادات طهران وحزب الله لم تكن طرفا مباشرا في تفجير "طوفان الأقصى" بل كان القرار فلسطينيا وداخل قطاع غزة المحتل ..

 طهران تكتفي بتقديم دعم سياسي وإعلامي ومادي لقوى المقاومة، مثل المشاركة في تدريب بعض قادتها ومجاهديها الذين يطلبون ذلك حتى يخوضوا مباشرة مع شعبهم معركتهم الوطنية من أجل التحرر والاستقلال .

وقد لاحظ العالم كيف نجحت المقاومة الفلسطينية المحاصرة ونظيرتها اللبنانية في التحكم في التكنولوجيا وفي صنع أسلحة وطنية محلية وفي تطوير أسلحة تقليدية مثلما كسبت ورقت تدريب آلاف المقاتلين والمجاهدين ضمن أجندتها وحسب خصوصياتها .

إيران قد تقدم الخبرة والدعم السياسي لبعض رموز المقاومة الوطنية الفلسطينية واللبنانية ولكنها لا تخوض الحرب نيابة عنهم.

إذن فإن المعركة ليست مع إيران ولكن مع شعب فلسطين الذي يكافح منذ عشرات السنين من أجل إنهاء الاحتلال وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس. وهي كذلك مع شعب لبنان وكل شعوب المنطقة التي تكافح من أجل التحرر الوطني والاستقلال .

صمود المقاومة سيدوم أعواما

س ـ وهل يمكن لحركات "حماس" و"الجهاد" وحزب الله أن تصمد طويلا في صورة تمسك القيادات الإسرائيلية والأمريكية بتمديد الحرب وتوسيعها ومتابعة قصف ملايين المدنيين جوا وبرا وبحرا؟

 ـ حسب معلوماتي وتحليلي سوف تصمد المقاومة الوطنية الإسلامية في فلسطين ولبنان لمدة أعوام. ومهما كانت شراسة الحرب وحجم التدمير للمدن والمساكن والمدارس والمستشفيات وموارد رزق الملايين من المدنيين فإن المقاومة مرشحة لأن تصمد على الأقل عاما آخر .

لكن يبدو أن قيادات فلسطينية وعواصم عربية وإسلامية في المنطقة أعطت الضوء الأخضر لواشنطن وتل أبيب لأنها تريد بدورها القضاء على حركات حماس والجهاد وحزب الله وحلفائها في اليمن والعراق وإيران ..

س ـ هذا ليس جديدا..

 ـ عايشت هذا عن قرب عندما كنت وزيرا للخارجية.. واكبته خلال حرب تموز / يوليو 2006 خلال لقاءاتي في القاهرة مع الرئيس المصري محمد حسني مبارك وفي بيروت مع مسؤولين لبنانيين ووزير خارجية فرنسا ثم في عواصم دولية وعربية أخرى..

قال لي مبارك ورئيس حكومة لبنان ومسؤولون أجانب إن بعض الحكومات العربية والغربية وافقت على الحرب وتريد "القضاء على حزب الله" وحلفائه ..

وسمعت كلاما مماثلا بعد اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة أواخر 2008 ومطلع 2009 عندما كان الشعار "القضاء على حماس والجهاد" وحلفائهما ..

ولكني أجبت مخاطبي دوما: لا يمكن القضاء على شعب يقاوم الاحتلال وعلى فكرة التحرر الوطني ..

وكانت النتيجة أن غيرت الأطراف التي دعمت الحرب والعدوان والمجازر موقفها وانتصرت المقاومة في لبنان 2006 وفي فلسطين في 2009 ثم في المواجهات التي وقعت بعدها.. رغم حجم الخسائر وارتفاع عدد الشهداء والجرحى.. والجميع يعلم أن سقوط شهداء وجرحى "ثمن مطلوب" بالنسبة للقوى التي تقاوم الاحتلال في كل العصور وفي كل مكان ..

خلافات الإصلاحيين والمحافظين في إيران

س ـ كنت سفيرا مع الرئيس محمد خاتمي المفكر والسياسي الإصلاحي ثم وزير خارجية للرئيس أحمدي نجاد الذي يتهمه البعض بالتشدد وبكونه "محافظا".. هناك من يعتقد أن أمريكا قدمت تنازلات لإيران في الملف النووي وفي لبنان وفي كامل المنطقة في عهد "المحافظين" وليس في عهد الرؤساء "الإصلاحيين"، ما هو رأيك؟

 ـ أولا بالنسبة لإيران ليس هناك خلاف جوهري بين غالبية السياسيين والرؤساء والتيارات التي توصف بكونها "إصلاحية" أو"محافظة" أو "محافظة براغماتية"، فيما يتعلق بواجب تحرير فلسطين ودعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية وغيرها من قوى التحرر الوطني ..

ثانيا بالنسبة للملف النووي خاضت الديبلوماسية بنجاح مفاوضات جدية مباشر وغير مباشرة مع الدول العظمى والأمم المتحدة والهيئات الدولية.. وتوصلنا إلى تفاهمات مع الرئيس باراك أوباما وفريقه عندما كان مرشحا للانتخابات الرئاسية قبل 2008 وبعد أن أصبح رئيسا ..

واحترمت إيران والدول الأوروبية وروسيا تعهداتها، لكن واشنطن تراجعت في عهد الرئيس دونالد ترامب والرئيس الإيراني حسن روحاني ..

صحيح أن الرئيس الإصلاحي والمثقف محمد خاتمي فاجأ الغرب بإعلانه عن "تنازلات غير مسبوقة" فيما يتعلق بالملف النووي والتخصيب. لكن بعض قراراته وقع التراجع عنها في عهد الرئيس أحمدي نجاد بقرار رسمي دعمته مؤسسات الدولة الإيرانية. علما أن الديبلوماسية كانت تلعب دورا كبيرا في عهد أحمدي نجاد أيضا الذي سافر بدوره إلى نيويورك وأعلن في آخر عهده استعدادا لمزيد من المفاوضات والحوار .

وقد عرفت عن قرب عندما كنت سفيرا في اليابان الرئيس محمد خاتمي، الذي كان مفكرا ومثقفا منفتحا يؤمن بحوار الثقافات والحوارات. لكنه كان في نفس الوقت وطنيا يحترم سير مؤسسات الدولة وبينها مؤسسة المرشد ومواقف المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الذي يشرف على السياسات العامة للبلاد مع مؤسستي البرلمان، مجلس الشورى، ورئاسة الجمهورية .

س ـ ختاما.. لماذا يتواصل الحصار الأمريكي والغربي على إيران بعد 44 عاما على ثورتها رغم حضورها الدبلوماسي وتزايد دورها الاقتصادي والسياسي الإقليمي والدولي؟

 ـ هناك المزيد من تقاطع المصالح بين ايران وأغلب دول العالم والمنطقة.. ونحن نسعى لأن تكون علاقاتنا متطورة مع كل الدول الإسلامية والعربية وفي العالم من أمريكا اللاتينية إلى آسيا مرورا بإفريقيا وأوروبا..

لكن بعض العواصم تعادي إيران بسبب دعمها للمقاومة الفلسطينية ومعارضتها للتطبيع بين بعض الأطراف السياسية والمحتل الإسرائيلي.. كما يعادي البعض إيران منذ ثورة 1979 لأنها تبنت الإسلام وقامت بخطوات كبيرة لبناء اقتصاد وطني وللتحرر من مخلفات التبعية التي كانت سائدة في عهد الشاه..

يحاربون المرجعيات الثقافية الإسلامية لإيران ودول المنطقة ويتجاهلون دور الإسلام وحضارات الشرق العلمي والثقافي والسياسي السلمي عالميا منذ قرون..
التعليقات (0)