حقوق وحريات

تقرير حقوقي: العطش يغزو مناطق مدينة غزة وشمالها

أدى تدمير ما لا يقل عن 12 بئرًا بفعل القصف الإسرائيلي إلى نقص حاد وغير مسبوق في المياه في مدينة غزة- (الأورومتوسطي)
أدى تدمير ما لا يقل عن 12 بئرًا بفعل القصف الإسرائيلي إلى نقص حاد وغير مسبوق في المياه في مدينة غزة- (الأورومتوسطي)
قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن مناطق مدينة غزة وشمال القطاع تواجه مأساة مروعة ناتجة عن الشح الكارثي في مصادر المياه الصالحة الشرب، ومنع وصولها، بما يمثل حكمًا بالإعدام الفعلي، ما يشكل جريمة حرب، بالإضافة إلى كونه شكلا من أشكال الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد على السكان المدنيين في القطاع منذ السابع من أكتوبر/ تشرين أول من العام الماضي.

وأبرز المرصد الأورومتوسطي في تقرير  له اليوم الاثنين، أرسل نسخة منه إلى "عربي21"، أن العطش يغزو مناطق مدينة غزة وشمالها بشكل صادم بسبب قطع إمدادات المياه عن قطاع غزة والقصف الإسرائيلي المنهجي والمتعمد لآبار ومصادر المياه، إلى جانب نقص الوقود اللازم لتشغيل محطات تحويل وتوزيع المياه.

وحذر الأورومتوسطي من أن نقص مياه الشرب في قطاع غزة بات مسألة حياة أو موت، في وقت يجبر فيه السكان على استخدام مياه غير نظيفة من الآبار، وهو ما ساهم في انتشار الأمراض المنقولة والمعدية، خاصة مع انقطاع الكهرباء الذي ساعد في نقص إمدادات المياه.

وكان قطاع غزة الذي يعتبر من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم يواجه في الأصل قبل الهجمات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة منذ مائة يوم، أزمة خانقة في توفر مياه آمنة للشرب فقدها أكثر من 90% من السكان الذين تجاوز عددهم الـ2.3 مليون نسمة، يعيشون بالحد الأدنى من الخدمات الأساسية في واقع اقتصادي متردٍّ.

ووثق فريق الأورومتوسطي نهاية الأسبوع الماضي دمارًا كليا لحق بخزاني "البلد" و"الرمال" الرئيسين في مدينة غزة، نتيجة تجريف الجيش الإسرائيلي لهما خلال عملياته البرية العسكرية في المنطقة.

وطال التجريف خزان "البلد" الذي يضم بئرًا للمياه ومستودعًا لقطع صيانة خطوط المياه في مدينة غزة، إلى جانب مكاتب إدارية لدائرة المياه، فيما جرى تجريف خزان "الرمال" على تقاطع شارعي "الجلاء" و"الوحدة"، والذي يضم مكاتب دائرة الصرف الصحي ومستودعًا لقطع صيانة شبكات الصرف الصحي.

وأدى تدمير ما لا يقل عن 12 بئرًا بفعل القصف الإسرائيلي إلى نقص حاد وغير مسبوق في المياه في مدينة غزة. فقبل بدء إسرائيل هجماتها العسكرية على القطاع في السابع من تشرين أول/ أكتوبر الماضي، كانت بلدية غزة تضخ شهريًا ما يقارب الثلاثة ملايين كوب من المياه،؛ حيث كان يتم توفير 700 ألف كوب يوميًا من خط "ماكروت" الإسرائيلي، بما يمثل 25%، فيما يتم توفير 10% من محطة التحلية، ونحو مليونين و200 ألف كوب من الآبار المحلية في المدينة، وقد باتت جميع تلك المصادر متوقفة تقريبًا.

وبحسب سلطة المياه الفلسطينية، فإن الهجمات العسكرية الإسرائيلية المستمرة دمرت البنية التحتية المائية في قطاع غزة، بما ما لا يقل عن 65% من آبار المياه في مدينة غزة وشمال القطاع.

وتتضاعف المحنة مع مواصلة السلطات الإسرائيلية فرض قيود مشددة على وصول الإمدادات الإنسانية إلى قطاع غزة، لا سيما مناطق مدينة غزة وشمال القطاع، بما في ذلك كميات الوقود اللازمة لتشغيل مرافق المياه والصرف الصحي.

ومنذ بدء هجماتها العسكرية غير المسبوقة على غزة، فقد فرضت إسرائيل إغلاقًا شاملًا على القطاع ومنعت إمدادات الغذاء والماء والوقود وغيرها من الاحتياجات الإنسانية الأساسية، ودمرت لاحقًا محطات وخزانات المياه بشكل منهجي ومتعمد.

وعلى وقع الضغوط الدولية، سمحت إسرائيل بدخول 100 شاحنة مساعدات يوميًّا إلى القطاع عبر معبر رفح البري، وهي معدلات لا تقارن مع متوسط حمولة 500 شاحنة كانت تدخل لتلبية الاحتياجات الإنسانية قبل السابع من تشرين أول/ أكتوبر الماضي.

وقال المرصد الأورومتوسطي إن معاناة انعدام مياه الشرب في شمال قطاع غزة أشد وأكثر كارثية، حيث لم يتذوق سكان مخيم جباليا للاجئين مياه الشرب النظيفة منذ بدء الهجمات العسكرية الإسرائيلية.

ونبه المرصد الأورومتوسطي إلى أن الإفراط في تناول الماء المالح غير الصالح للشرب، إلى جانب تسببه في أمراض المعدة والنزلات المعوية والقيء والإسهال المستمرين، يؤدي إلى زيادة ضغط الدم وأمراض الكلى واحتمال الإصابة بالسكتة الدماغية، ويؤدي ذلك في النهاية إلى الجفاف المفرط لأنسجة الجسم، خاصة المخ.

وتزداد المخاوف بشأن الأمراض المنقولة والمعدية عن طريق المياه مثل الكوليرا والإسهال المزمن بشكل خاص، نظرًا لنقص المياه الصالحة للشرب، خاصة بعد هطول الأمطار والفيضانات في ظل موسم الشتاء.

وفي كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أجرى المرصد الأورومتوسطي، دراسة تحليلية شملت عينة مكونة من 1200 شخص في غزة للوقوف على آثار الأزمة الإنسانية التي يعانيها سكان القطاع، أظهرت أن 66% من عينة الدراسة؜ يعانون أو عانوا من حالات الأمراض المعوية والإسهال بسبب عدم توفر مياه صالحة للشرب.

ورصدت الدراسة أن معدل الحصول على المياه، بما في ذلك مياه الشرب ومياه الاستحمام والتنظيف، يبلغ 1.5 لتر للشخص الواحد يوميًا في قطاع غزة، أي أقل بمقدار 15 لترًا من متطلبات المياه الأساسية لمستوى البقاء على قيد الحياة وفقا لمعايير "إسفير" الدولية.

وأعاد المرصد الأورومتوسطي التذكير بأن القانون الإنساني الدولي يحظر مهاجمة أو تدمير أو تعطيل الأعيان والمنشآت التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين، بما يشمل مرافق مياه الشرب وشبكاتها، كما أنه يحظر وبشكل صارم استخدام التجويع والتعطيش كوسيلة من وسائل الحرب، واعتبارها انتهاكا جسيما وعقابا جماعيا محظورا، ويشكل كذلك مخالفة للالتزامات المترتبة على عاتق إسرائيل، بصفتها السلطة القائمة بالاحتلال لقطاع غزة، وواجباتها وفقًا للقانون الإنساني الدولي بتوفير احتياجات سكان غزة وحمايتهم.

وينص نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أن تجويع المدنيين عمدًا من خلال حرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الإغاثية، يعتبر جريمة حرب.

ويذكر المرصد أن الحرمان الشديد والمتواصل للسكان المدنيين في قطاع غزة من المياه الصالحة للشرب وبالكميات الكافية، يعتبر شكلا من أشكال جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضدهم منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، كونه يلحق أضرارا جسيمة بالسكان المدنيين الفلسطينيين في القطاع، ويخضعهم لأحوال معيشية يقصد بها تدميرهم الفعلي، وذلك وفقا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والأحكام القضائية الدولية ذات الصلة.

ومنذ 7 أكتوبر 2023، يشن الجيش الإسرائيلي حربا مدمرة على غزة خلّفت حتى الأحد 23 ألفا و968 شهيدا، و60 ألفا و582 جريحا، معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقا لسلطات القطاع والأمم المتحدة.
التعليقات (0)