صحافة دولية

كيف فضحت حرب غزة مصداقية بايدن بشأن حقوق الإنسان؟

تصرفات بايدن خلال الحرب فضحت صورته الحقيقية بشأن سياسة بلاده الخارجية - جيتي
تصرفات بايدن خلال الحرب فضحت صورته الحقيقية بشأن سياسة بلاده الخارجية - جيتي
نشر موقع "هاف بوست" الأمريكي تقريرا تحدث فيه عن تأثير العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل على حقوق الإنسان في ظل الأحداث الأخيرة في غزة.

وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن الرئيس جو بايدن أثناء زيارته لوزارة الخارجية بعد 10 أيام من تنصيبه، صرّح بأن سياسته الخارجية ستعطي الأولوية لنهج دبلوماسي يحدده: "الدفاع عن الحرية وتشجيع الفرص ودعم الحقوق العالمية واحترام سيادة القانون ومعاملة كل شخص بكرامة". وبعد ما يقارب ثلاث سنوات، أدّى تعامل بايدن مع أكبر أزمة دولية خلال رئاسته - وهي هجوم حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر وحملة الانتقام الإسرائيلية المدمرة المدعومة من قبل الولايات المتحدة منذ ذلك الحين - إلى تحطيم أي مصداقية كان يتمتع بها.

اظهار أخبار متعلقة



وأوضح الموقع أن أجندة بايدن الرامية إلى مناصرة حقوق الإنسان على مستوى العالم فضِحت طوال فترة رئاسته. لكن مراقبي الشؤون الخارجية يقولون إن تصرفاته خلال الأشهر الثلاثة الماضية وجّهت ضربة قاضية لتلك الصورة – ولتعهّد بايدن بتمثيل الولايات المتحدة في العالم بطريقة أكثر إنسانية بشكل ملحوظ من سلفه ومنافسه المحتمل في الانتخابات الرئاسية لسنة 2024 دونالد ترامب.

ونقل الموقع عن يوسف منيّر، وهو زميل بارز في المركز العربي للأبحاث، أن "حجم الدمار الذي لحق بحياة الفلسطينيين، والقتل الجماعي، والقسوة التي نرى الولايات المتحدة تدعمها وتقف إلى جانبها، لا يشبه أي شيء رأيناه من قبل، وليس مثل أي شيء رأيناه خلال إدارة ترامب".

قال مسؤولو الصحة المحليّون إن الهجوم الإسرائيلي على غزة، حيث تتمركز حماس، أدى إلى مقتل أكثر من 20 ألف فلسطيني في غزة، غالبيتهم العظمى من النساء والأطفال، ونزوح ما يقارب مليوني شخص. وقد رفضت إدارة بايدن جميع الدعوات العالمية تقريبًا لإجبار إسرائيل على ضبط النفس. وأكد المسؤولون أنهم يشجعون إسرائيل على تجنب إيذاء المدنيين، لكنهم لاحظوا مرارًا وتكرارًا أن بايدن لا يضع أي خطوط حمراء لدعم حليف الولايات المتحدة الذي دافع عنه الرئيس منذ فترة طويلة، على الرغم من مخاوف مؤيدي إسرائيل الآخرين الذين ينظرون إلى استراتيجية الحرب الإسرائيلية على أنها هزيمة ذاتية.

وأشار الموقع إلى أن عزوف الولايات المتحدة عن كبح جماح إسرائيل دفع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى تفعيل مادة طارئة نادرًا ما تُستخدم في ميثاق الأمم المتحدة لأول مرة خلال فترة ولايته التي استمرت سبع سنوات، وأثار قلقا كبيرا بين الدول الحليفة للولايات المتحدة والمسؤولين الأمريكيين. كان التأثير الداخلي لآراء بايدن المتشددة بشأن إسرائيل وفلسطين واضحًا لجوش بول، المسؤول المخضرم في وزارة الخارجية الذي استقال بسبب سياسة غزة. وقد صرح لموقع هاف بوست في أول مقابلة له بعد استقالته: "لقد حصلت على نصيبي العادل من المناظرات والمناقشات. كان من الواضح أنه لا يمكن الجدال مع هذا الشخص".

اظهار أخبار متعلقة



يمتد الاستياء من بايدن بين صفوف المدافعين عن حقوق الإنسان وخبراء العلاقات الدولية إلى بقية أعضاء إدارة بايدن، ولا سيما المستشارين المثيرين للجدل مثل منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط بريت ماكغورك. لكن تأثير الرئيس على السياسة الخارجية يجعل سجل الحقوق في إدارة بايدن أكثر إثارة للقلق بالنسبة للعديد من المراقبين. وأشار منير إلى أنه "لا يوجد مدير في هذه الإدارة يتمتع بوزن ثقيل مماثل للرئيس نفسه عندما يتعلق الأمر بالخبرة أو السياسة الخارجية". وهو يتوقع أن يواجه بايدن رياحًا سياسية معاكسة في سنة 2024 نظرًا لمكانته البارزة في الشؤون العالمية وقدرته المحدودة على تسويق نفسه على أنه مختلف.

خيبة الأمل السريعة

في الأشهر الأولى من توليه منصبه، احتفل المدافعون عن حقوق الإنسان عندما اتخذ بايدن خطوات لمعالجة سياسة انطلقت مع الرئيس باراك أوباما وتوسعت في عهد ترامب، مما أدى في النهاية إلى خلق أسوأ أزمة إنسانية في العالم: دعم الولايات المتحدة لجانب واحد في الحرب الأهلية في اليمن. وقد حظر بايدن الأسلحة الهجومية الأمريكية على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهما شريكان مقربان للولايات المتحدة في الشرق الأوسط يشنان حربا على اليمن منذ سنة 2015 ويسلحان المقاتلين هناك لمحاربة ميليشيا الحوثيين المدعومة من قبل إيران. وقد عيّن مبعوثا خاصا لمحاولة إنهاء حرب اليمن. وقد تحرك للوفاء بوعد حملته الانتخابية بسياسة أقل تأييدًا للسعودية من سياسة ترامب من خلال رفع السريّة عن قرار المخابرات الأمريكية بأن الحاكم الفعلي للسعودية الأمير محمد بن سلمان أمر بقتل الصحفي جمال خاشقجي في سنة 2018.

ولكن سرعان ما أصبح من الواضح أن رئيس المدرسة القديمة لن يتخلى حقًا عن عادة السياسة الخارجية الأمريكية القديمة المتمثلة في التعامل مع حقوق الإنسان باعتبارها مسألة ثانويًة. في نيسان/أبريل 2021، نشر موقع هاف بوست خبرًا يفيد بأن بايدن أعطى الضوء الأخضر لأكبر صفقة أسلحة في عهد ترامب، وهي حزمة بقيمة 23 مليار دولار للإمارات العربية المتحدة، التي اعتبرها العديد من المشرعين وخبراء الأمن القومي مزعزعة للاستقرار، نظرًا لدورها في تأجيج الصراعات في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

أشار الموقع إلى أن منتقدي السعوديين استاءوا من بايدن بحلول خريف سنة 2021، قائلين إن رده الأولي الذي يسعى إلى تقدير سعودي أكبر للقيم العالمية قد تم تقويضه من خلال التحركات التي كانت بتوجيه من ماكغورك، مستشاره من عهد ترامب، للتقرب من المملكة القمعية. وبحلول صيف سنة 2022، سافر بايدن إلى المملكة العربية السعودية والتقى مع ابن سلمان في خطوة فُسّرت على نطاق واسع على أنها إشارة إلى الإفلات من العقاب على انتهاكات الأمير الماضية والمستقبلية.

طرح فريق بايدن لوائح جديدة وصفها مسؤولون أمريكيون وخبراء خارجيون بأنها أدوات قيّمة لمنع انتهاكات الحقوق على المستوى الدولي والسعي لتحقيق العدالة فيها. وهي تشمل خطة البنتاغون الجديدة للحد من الخسائر المدنية الناجمة عن العمليات العسكرية الأمريكية؛ سياسة جديدة تحكم صفقات الأسلحة التي تحظر عمليات نقل الأسلحة إذا قرر المسؤولون الأمريكيون أنه "من الأرجح" أن يتم استخدام هذه الأسلحة لانتهاك القانون الدولي؛ ونظام جديد لتتبع ما إذا كان الشركاء الأمريكيون يستخدمون المعدات الأمريكية لإصابة أو قتل المدنيين. كما أنهوا برنامج الطائرات بدون طيار الأمريكي إلى حد ما.

اظهار أخبار متعلقة



وأشار الموقع إلى أن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي زار في وقت سابق من هذه السنة البيت الأبيض دون ضمان أي التزام جدي من جانب الهند لمعالجة سياستها القمعية المتفاقمة لمجتمعات الأقليات، وخاصة المسلمين، والأصوات المناهضة لمودي. وكتب نوكس تيمز، وهو مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية في عهدي بايدن وترامب: "كان استقبال مودي على السجادة الحمراء بمثابة تأييد لحكمه، لم يحصل سوى عدد قليل من زعماء العالم على هذا التأييد".

منذ أن بدأت الحرب بين إسرائيل وحماس، فإن رفض الإدارة تحدي الإجراءات الإسرائيلية التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها جرائم حرب - بدءًا من العقاب الجماعي للسكان المدنيين في غزة إلى الهجمات على المدنيين - جعل من المستحيل على معظم الحقوقيين تصديق بايدن فيما يتعلق بحقوق الإنسان. وقد تحدثت آني شيل، مديرة المناصرة الأمريكية في مركز المدنيين في الصراعات، عن هذا التناقض في بيان صدر في 21 كانون الأول /ديسمبر ردًا على إعلان وزارة الدفاع عن سياسة لحماية المدنيين.

أوضحت شيل: "حتى تكون هذه السياسة ذات معنى، يجب تطبيقها باستمرار. واستجابة الوزارة للأضرار الكارثية التي لحقت بالمدنيين والدمار في غزة، بسبب العمليات الإسرائيلية المدعومة بشكل مباشر بالمساعدة الأمريكية، فشلت في الارتقاء إلى مستوى جهود حماية المدنيين الأمريكية مثل هذه السياسة وتقويضها بشكل فعال". وأضافت شيل: "أن الالتزام الحقيقي بحماية المدنيين يجب أن يتجاوز الخطابة وأن يكون مدعومًا بالأفعال والنفوذ - بما في ذلك الإرادة السياسية لتعليق المساعدات العسكرية التي تساهم بشكل مباشر في مقتل الآلاف من المدنيين".

الألم الساحق لغزة

ذكر الموقع أن العملية الإسرائيلية المدعومة من قبل الولايات المتحدة في غزة خلقت أزمة وصفها مسؤولو الأمم المتحدة وخبراء الشؤون الإنسانية بأنها مروعة ولم يسبق لها مثيل. وسط رفض بايدن الحد بشكل جدي من الدعم الأمريكي لإسرائيل ومحاولات حماية حليف الولايات المتحدة من المساءلة العالمية عن أعمال مثل قتل الصحفيين وتدمير عشرات الآلاف من المنازل واستهداف المرافق الطبية بشكل متكرر، استمر الهجوم الإسرائيلي في التوسع.

وحسب بعض المسؤولين الأمريكيين والمحللين الخارجيين فإن النتيجة هي معاناة مدنية عميقة غير ضرورية وتآكل أي قدرة أمريكية على تعزيز حقوق الإنسان على مستوى العالم، من أوروبا إلى آسيا. لاحظت توبيتا تشاو، المدير المؤسس لمجموعة المناصرة "العدالة عالمية"، سطحية الإدانات الأمريكية لحملة القمع المتزايدة التي تشنها الصين في هونغ كونغ.

وحذر أنطونيو دي لويرا بروست، وهو مساعد سابق لبلينكن، من نهج الإدارة في السعي للحصول على حزمة مساعدات جديدة لإسرائيل وأوكرانيا، التي تنطوي على قبول تدابير الحماية الأمريكية المخفضة للمهاجرين. ويجب أن يكون الدعم الأمريكي المقدم لأوكرانيا منتبهًا لوجهات نظر ومصالح الجنوب العالمي،  لا سيما على ضوء الفجوة التي يخلقها الصراع في غزة بالفعل بين الولايات المتحدة ودول أمريكا اللاتينية وأفريقيا والشرق الأوسط. وكتب في صحيفة واشنطن بوست أن "الصورة السلبية للمساعدات الأمريكية لأوكرانيا وإسرائيل التي تأتي على حساب أمريكا اللاتينية ستكون حتمية".

داخل الإدارة، يقول المسؤولون إن معاملة الرئيس لسياسة إسرائيل تتعارض مع ادعاءاته بتحسين السياسة الخارجية الأمريكية من خلال تعزيز التنوع بين موظفي الأمن القومي.

وتابع الموقع أنه لا تزال هناك بعض الثقة في بايدن بين المدافعين عن حقوق الإنسان حتى سنة 2024، لكنها قد تتبدد بسرعة. في هذا الصدد، أوضحت أماندا كلاسينغ، المديرة الوطنية للعلاقات الحكومية والمناصرة في منظمة العفو الدولية بالولايات المتحدة الأمريكية: "من الهند إلى إثيوبيا والمملكة العربية السعودية وخارجها، بدا أن الإدارة تضع شراكات في مجال حقوق الإنسان. ومن الصعب أن نتصور أن الكارثة التي تتكشف في غزة لن تحدد إرث بايدن، دون حدوث تحول كبير في السياسة".
التعليقات (0)