صحافة تركية

كيف نجعل سلاح المقاطعة لدولة الاحتلال فعالا وناجحا؟

المقاطعة المجدية أكثر هي التي تركز على مجموعات منتجات معينة- عربي21
المقاطعة المجدية أكثر هي التي تركز على مجموعات منتجات معينة- عربي21
نشر موقع "فكر تورو" التركي مقال رأي للكاتبة إليف نور أوغلو تناولت فيه مفهوم المقاطعة والفوائد المحتملة التي يمكن أن تجلبها.

وقالت الكاتبة، في مقالها التي ترجمه "عربي21"، إن احتلال الأراضي الفلسطينية المستمر منذ نحو 75 عامًا، واضطهاد الفلسطينيين من قبل " إسرائيل" التي قامت بقرار من الأمم المتحدة، أصبح مرفوضًا على المستوى الشعبي في أجزاء كثيرة من العالم.

وأوضحت الكاتبة أن المواطنين حول العالم يرون "إسرائيل" ككيان ظالم ويرون أفعالها غير قانونية، ويعبرون عن احتجاجاتهم أمام السلطات المختلفة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام والتظاهرات.

بالمقابل؛ يحاول المستهلكون السياسيون تطبيق عقوبات اقتصادية على الدول التي تساند "إسرائيل" على الأقل من خلال حملات المقاطعة المدروسة والفعالة.

المستهلك السياسي
وذكرت الكاتبة أنه بفضل وسائل الاتصال المتقدمة في عصرنا الحالي، يمكن للمستهلكين الحصول على الأخبار على الفور بشكل عالمي حول الأحداث التي تحدث في أماكن متعددة من العالم. في هذا العصر لم يعد لوسائل الإعلام القدرة على التلاعب بالجماهير بنفس الطريقة التي كانت تفعلها في الماضي من خلال تقديم الأخبار التي يريدونها فقط.

وأضافت الكاتبة أنه يمكن للأفراد الوصول بسرعة كبيرة إلى المعلومات، مما يمكنهم من التعبير عن رغباتهم ومطالبهم كمواطنين على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وذلك من خلال السبل العادية للمشاركة السياسية ومن خلال تبني دور المستهلك.

اظهار أخبار متعلقة


المقاطعات التي غيرت مجرى التاريخ
وأفادت الكاتبة أن مفهوم المقاطعة هو مفهوم قديم جدًّا في تاريخ البشريّة، فقد كانت هناك مقاطعات قبل استخدام مصطلح "مقاطعة". على مر التاريخ؛ استخدمت الدول والأفراد التجارة كشكل من أشكال الاحتجاج على حدث أو موقف معين، وقطعوا أحيانًا الشراء. في الواقع؛ تم الوصول إلى المعايير الحالية في العديد من القضايا، مثل مكانة الأقليات في المجتمع، وحقوق المرأة والعمال، وسياسة الأجور المتساوية، من خلال أعمال مثل الإضرابات والمقاطعات.

أما استخدام كلمة "مقاطعة" فقد بدأ منذ وقت قريب نسبيًا. ففي القرن التاسع عشر، في أيرلندا، رفض الكابتن البريطاني تشارلز بايكوت (1832-1897) تخفيض الإيجارات بالطريقة التي أرادها السكان.

وردًّا على ذلك، مارس سكان المنطقة ضغوطًا اجتماعية عليه، وقاطعوه تجاريًا، ولم يتم بيع أي شيء له، ولم يتم تسليم بريده، حتى أن الناس الذين يروه أصبحوا يغيرون مسارهم، وأطلق على هذه الحركة التي حقق بها المستأجرون ما يريدونه فيما بعد اسم "بايكوت"، وهو اسم العائلة المشتق من اسم الشخص الذي تم مقاطعته. ومنذ ذلك الحين، يستخدم هذا المصطلح في جميع أنحاء العالم.

وبينت الكاتبة أنه في الولايات المتحدة، كان السود والبيض يجلسون في أماكن منفصلة في الحافلات حتى عام 1955، وإذا كانت الحافلة ممتلئة، كان على السود أن يتنازلوا عن مقاعدهم للبيض.

ذات يوم، رفضت روزا باركس، وهي امرأة سوداء، التنازل عن مقعدها في الحافلة لرجل أبيض بعد أن كانت تعمل طوال اليوم وكانت متعبة للغاية؛ حيث تم القبض عليها وسجنها، ولكن نتيجة للحركة التي بدأتها روزا باركس والاحتجاجات التي وقعت في جميع أنحاء البلاد بعد ذلك، تم تغيير قوانين التفرقة العنصرية في الولايات المتحدة.

المقاطعات ضد اليهود
وأشارت الكاتبة إلى أن اليهود تعرضوا أيضًا للمقاطعة طوال التاريخ، سواء كانوا هم من يبادرون بها أو المستهدفين منها. ففي ألمانيا النازية، على سبيل المثال، أغلقت العديد من المتاجر اليهودية بعد أن قامت فرق خاصة بتعليق أعلام الصليب المعقوف على أبوابها ونوافذها. بالإضافة إلى ذلك؛ وضع النازيون مراقبين أمام المحلات التجارية اليهودية وحثوا المارة على الشراء من المتاجر الألمانية.

بالمقابل، استجابةً للمقاطعة التي قام بها النازيون ضد اليهود ومحلات الأعمال اليهودية في ألمانيا، تم تنظيم مقاطعة ضد منتجات ألمانيا في المملكة المتحدة والولايات المتحدة. وقد قامت بعض البلدان بمقاطعة المنتجات الألمانية، بما في ذلك المملكة المتحدة وفرنسا ورومانيا واليونان ولاتفيا ويوغوسلافيا ومصر وفلسطين والمغرب وبعض دول جنوب أمريكا، كانت مشاركة المملكة المتحدة في هذه المقاطعة نشطة للغاية، مما أدى إلى تقريبًا إيقاف تجارة الفراء بين المملكة المتحدة وألمانيا.

اظهار أخبار متعلقة


كيف يمكن تنفيذ مقاطعة مستدامة ومخطط لها؟
من الشائع أن تتفاعل الشعوب بشكل كبير في البداية مع الأحداث التي تحدث، ثم ينخفض رد فعلهم وحساسيتهم تجاه الموضوع بمرور الوقت.

وأوضحت الكاتبة انه كلما طالت مدة المقاطعة، أصبح من الصعب استمرارها. فمثلًا قد يشعر الفرد أحيانًا بالحرمان، وأحيانًا قد تنخفض معاييره. لذلك، من أجل أن تكون تأثير المقاطعة طويل الأمد وعميقًا، يجب أن تكون مخططة، وأن يتم مراجعة جميع النتائج المحتملة في البداية، وأن يتم وضع خطط A و B و C مسبقًا.

على سبيل المثال؛ المقاطعات التي تُجرى في تركيا ضد الشركات الداعمة لإسرائيل، والتي تنتشر يومًا بعد يوم، ليست متفرقًة ولا عشوائية، بل تركز على مجموعات منتجات معينة.

وبيّنت الكاتبة أنه عند بدء المقاطعة، يجب تحديد البدائل من المنتجات والشركات ومشاركتها مع الجماعات التي ستقوم بالمقاطعة. قد يكون توجيه جهود المقاطعة نحو قطاعات وشركات معينة أفضل من مقاطعة العديد من الشركات بشكل عشوائي وغير منظم. مثلًا، في الأيام الأخيرة بدأت حملة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي ضد قطاع الطعام وشركات النظافة التي تدعم إسرائيل بشكل صريح في تركيا.

وتم ملاحظة أن إحدى هذه الشركات تقدم خدمات ضمن هيكل السكك الحديدية لجمهورية تركيا وقام المواطنون بشكل كبير بتقديم شكاوى لشركة السكك الحديدية في تركيا بغية إيقاف نشاط هذه الشركة ضمن هيكل السكك الحديدية. وبشكل مماثل، تم ملاحظة أن هذه الشركة تقدم بعض خدماتها في بعض المستشفيات العامة في بعض المدن، وقام المستهلكون بتركيز جهودهم على ممارسة الضغط على هذه المستشفيات.

ولفتت الكاتبة إلى أنه من الأمور المهمة الأخرى في المقاطعات، بالإضافة إلى قرار عدم الشراء، هو تشويه سمعة الشركة، ويمكن أن يتم تشويه سمعة الشركة بسرعة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، ويمكن أن يكون له نتائج أكثر ديمومة من قرار عدم الشراء وحده.

وأكدت الكاتبة على أن المقاطعات تؤدي إلى انخفاض مبيعات الشركات من جهة، كما تؤثر على أسعار أسهمها من جهة أخرى؛ حيث يُعد انخفاض أسعار الأسهم نتيجة بارزة لخسارة الشركة لسمعتها.

واختتمت الكاتبة تقريرها بأن عدد الأشخاص الذين خرجوا إلى الشوارع في أوروبا والولايات المتحدة بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، على الرغم من دعم الحكومات لإسرائيل، كان كبيرًا للغاية. فإذا استمرت المقاطعة الإسرائيلية، التي تركز على الرأي العام وتستمر لفترة طويلة، على عدد قليل من القطاعات، مثل قطاعي الأغذية والمشروبات ومنتجات التنظيف، فمن المحتم أن تتكبد الشركات التي تتعرض للمقاطعة خسائر كبيرة.
التعليقات (0)