أخبار ثقافية

صدر حديثا: "الجراح تدلّ علينا" للقاص الفلسطيني زياد خدّاش

جاءت المجموعة في 116 صفحة من القطع الوسط
جاءت المجموعة في 116 صفحة من القطع الوسط
صدر حديثا عن "منشورات المتوسط" في إيطاليا، مجموعة قصصية جديدة للكاتب الفلسطيني زياد خداش بعنوان "الجراح تدلّ علينا".

جاء في كلمة الناشر: يبدو أنه من الصعب التمييز بين ما يكتبه خداش كسيرة شخصية، وما يكتبه كتخييل فنّي، إذ إنه في الكثير من قصصه، يكون اسمه، زياد، حاضرا في القصة وفي الحوار وفي الحدث. نوع من إيهام القارئ/ أو بالأحرى نوع من تأكيد زوال الحدود بين الواقع وما يمكن أن يفرزه من خيال وذُهانٍ ووساوس في الزمن الفلسطيني أولا، وفي زمن المنطقة المليء بالألغام والمتفجرات تاليا.

أكثر من ذلك، فإن سؤال الواقع والخيال هنا، في "الجراح تدلّ علينا"، يبدو أنه غير مطروح، أو أنه خطأ ينبغي عدم التفكير فيه. فليس أمرا شاذّا أن يفكر بالانتحار أو أن يُقتل من يرسل لصاحب عمله الجديد وردةً على سبيل المجاملة الاجتماعية، فيما يحسبها الآخرون، ويعتبرونها، نفاقا! (قصة "وردة الواتس أب"). فأي صرامة في القيم تجعل الناس يمشون في المجتمع كما لو أنهم يمشون على حد السيف، ويتوجب عليهم الحذر على طول الطريق؛ لأن أي اختلال في ميزان القيم سيتعبه السقوط على حد السيف ذاك! النفاق يعادل الخيانة، إنه شيء خيالي، لكنه واقعي إلى درجة الرعب.

يبدأ خداش مجموعته بقصة "رجال غرباء"، وكيف أن طفلة يهودية في فلسطين تسأل جدتها عن أولئك الرجال الذين يقفون أمام "بيتهم" ويصطحبون صورا فوتوغرافية وأطفالهم ويبكون، فتخبرها الجدة؛ إنهم لصوص يحاولون سرقة سيارة جدها طوال الوقت، فتنشأ الطفلة على هذا: غير اليهود، وهم الفلسطينيون أصحاب الأرض، ليسوا سوى لصوص يحاولون سرقة "اليهود"! عملية تزييف تاريخية وواقعية لدرجة الصفاقة وعلنية، استغرقت قرنا كاملا ولم تزل مستمرة حتى يومنا هذا.

قراءة يسيرة وسلسة تتيحها قصص المجموعة التي كُتبت برشاقة وبلغة خالية من أي نزوع أو ادعاء بلاغي، ثمة حدث وثمة أشخاص ومكان، يذهب الكاتب إليها مباشرة دون لف ولا دوران حول اللغة والمعنى، بلا أي فوقية يمارسها تجاه القارئ، بل بصداقة تؤهله لأن يكتب كما لو أنه يتحدث مع القارئ مباشرة ودون وساطات.

إظهار أخبار متعلقة


جاءت المجموعة في 116 صفحة من القطع الوسط، وصدر ضمن سلسلة "براءات"، التي تصدرها الدار وتنتصر فيها للشعر، والقصة القصيرة، والنصوص، احتفاء بهذه الأجناس الأدبية.

من الكتاب قصة بعنوان "لم يجدوا قربه بنتا حلوة":

لا أحد في المخيّم يعرف غيره، أن الطريق إلى حيفا من مخيّم الجلزون في السبعينيات كانت ممتعة وسهلة وسريعة.

ضخما وطويلا مثل شاحنته وبشارب أسود، كان سائق الشاحنة الذي نسيتُ اسمه.

كنتُ مع صديقي "م" في ذروة مراهقتنا وعطشنا، طالبَي صفّ إعدادي، نراقبه وهو يفتح الباب لبنت حلوة، تصعد قربه فرحة وضاحكة، فتصعد أرواحنا إلى الله، تاركة إيّانا جثّتين رخوتَين على قارعة الطريق.

كان ثقيلا علينا أن نتخيّل أشياء لذيذة تفعلها له البنت، بينما هو يسوق شاحنته الضخمة مغمضا نصف عينَيْه، الشاحنة التي لم تسجّل مخالفة مرور واحدة طيلة عشرين عاما من عمله.

الشاحنة التي أحضرت له جائزة أفضل سائق في الضفّة الغربية، تسلّمها من ضابط يهودي في حفل كبير، صفّقت فيه البنت الحلوة كثيرا، بينما أنا وصاحبي "م" نتصبّب عرقا.

كم كنّا نكرهه:
- "يا ربّ، تتدهور الشاحنة، يموت هو، بس البنت الحلوة ما تموت."
- "يا ربّ، تخطفه بنت من حيفا أحلى منها، وتتخلّى عنه حلوة المخيّم."

مازلتُ أتذكّر صرخة أبي في وجهي وهي تهزّ أزقّة المخيّم:
- ولك انجنّيت أنت؟ قال كيف الواحد بصير سائق شاحنة؟!

هذه كانت مقدّمة ضرورية لأتذكّر صديق عطشي "م" الذي مات دون جائزة في منتصف التسعينيات، محروقا في شاحنته الطويلة والضخمة التي تدهورت في منحدرات قرية "دورا" قرب المخيّم.

لم يجدوا قربه بنتا حلوة، وكانت حيفا بعيدة جدّا.

عن المؤلف:
زياد خداش: كاتب فلسطيني من مواليد القدس عام 1964، ولكنه في الأصل من قرية بيت نبالا-الرملة المهجرة، ويعيش كلاجئ في مخيم الجلزون في رام الله.

يعملُ أستاذا للكتابة الإبداعية في مدارس فلسطين، وصدر له حتى الآن اثنتا عشرة مجموعة قصصية.

حصل في عام 2015 على جائزة الدولة التقديرية عن مجموعته القصصية (خطأ النادل).
التعليقات (2)