كتاب عربي 21

ثلاثة أصوات لفوز السيسي برئاسية ثالثة

أحمد عمر
الصوت الأمريكي ضروري للفوز بالسلطة- الرئاسة المصرية
الصوت الأمريكي ضروري للفوز بالسلطة- الرئاسة المصرية
من سنن المُلك ونواميس الرياسة أنَّ أولياء العهد والرؤساء، عند توليهم مقاليد الحكم بغير السيف والفتكة، فيما نسميه التداول السلمي أو تجديد البيعة، يضطر ولي العهد إلى استرضاء العائلة المالكة أو الطبقة الحاكمة في الملكية، والرئيس إلى تزوير الانتخابات، والرئيس مضطرٌ إلى حفلة اصطلح عليها في الرئاسيات العربية بـ"العرس الانتخابي"، وهو يقع مرة واحدة في الملكيات، وهو عمل مندوبٌ إليه (بلغة الفقه) في ذكرى الجلوس على العرش، أمّا في الجمهوريات فالعرس الانتخابي واجب في كل دورة انتخابية. وقد مُددت الفترة الرئاسية في مصر من أربع سنوات إلى ستٍ؛ نفورا من مشاق العرس وتكاليف الصندوق السياسية وليس المالية وموجبات الحفل، وفيها خشية من مفاجآت تنغص العرس.

الرئيس مضطر أيضا إلى منافرة خطيب متقدم للعروس هو مرشح الرئاسة، والعروس هي البلاد التي ستنام في سرير الرئيس أو ينتعلها في قدميه أو يتدفأ بها في البرد، ويصدر الرئيس الموانع والحواجز والشروط لمنع تقدم الفحول للزواج من زوجته المطلقة أو التي لا تزال على ذمته، أما مطربو الحفلة فهم كثير، وكان أطربهم في مصر هو صاحب أغنية بشرة خير، ومن لطيف المقادير أنه لم يكن مصريا وإنما من بلاد الكفيل الأول وهي الإمارات، وكانت مصر هي التي تطرب العرب، فأمسى الخليج. والأغلب أنَّ المصريين لن يرقصوا عليها هذه المرة، فكل الذين رقصوا فيها يئنون من جراح الدبكة وآلام الرقص.

احتفلت مواقع عربية ومصرية احتفاء كبيرا ببسالة إعلاميين مصريين، هما معتز عبد الفتاح وعماد أديب، احتفيا بشجاعة الأول على فيديو بثّه من الإمارات، وبالثاني على مقال من لندن، حتى كاد بعضهم أن يقول إن النظام يترنح، بينما هو ينوس على عرش هزاز

والحفلة الكبيرة ضرورة من ضرورات العرس، فالعريس الجمهوري شغوف بالصور والزينة لتعويض بؤس الحال وسوء المآل، فالحفلة هي العباءة التي تغطي عورة الدولة المهلهلة.

ويحرص سيادة العريس الجمهوري العربي على فخامة حفلة العرس، وبهاء الصورة الظاهرة في وسائل الإعلام وبذخ التبرج، وعظمة الزخارف، وليس على نزاهة الانتخاب، فلا بد لابن عرس (بالسين) من مهرجان، إيهاما بالشرعية، لكن ليس من حلوى سوى أصوات الزمر والطبل.

يا معشر الراقصين من الألم:

احتفلت مواقع عربية ومصرية احتفاء كبيرا ببسالة إعلاميين مصريين، هما معتز عبد الفتاح وعماد أديب، احتفيا بشجاعة الأول على فيديو بثّه من الإمارات، وبالثاني على مقال من لندن، حتى كاد بعضهم أن يقول إن النظام يترنح، بينما هو ينوس على عرش هزاز. وليس لهذين البوقين من قوة سوى اللسان والقلم، واللسان عضلة، وهي أكثر أعضاء الإنسان أعصابا، أما القلم، فيتغير حبره ولفظه كل حين.

مائة مليون مصري ينتظرون الانتخاب، بل إنّ العرب جميعا البالغ عددهم نصف مليار ينتظرونها، علّ ثغرة تنفتح في السدّ، ليس على سد النيل إنما السدّ على أحلام الشعب المصري المنكوب ولسانه وحريته

وقد مدحا رئيسين، ولم يذمّا نظامهما إلا تلميحا، كل ما هناك أنَّ أحدهما مدح رئيسا أفريقيا تنحّى عن الحكم من غير تجديد لرئاسته بعد مظاهرات وقع فيها ضحايا، هو رئيس السنغال المنتهية ولايته، أما الثاني فأثنى على رئيس تركيا الذي فاز في الجولة الثانية، بعد ذمّ كثير وشتائم منكرة. وإن الإعلاميين محترفا تزوير ولاعبا أكروبات سياسية وإعلامية، وليسا جنرالين من قادة الجيش، ولا رئيسي حزبين، إنما هما إعلاميان، امّعتان، "دق ورول" بل إنَّ أحدهما ما إن عاد إلى مصر حتى نسي كل ما قاله من هراء (بالهاء)، لقد كان يهزر!

مائة مليون مصري ينتظرون الانتخاب، بل إنّ العرب جميعا البالغ عددهم نصف مليار ينتظرونها، علّ ثغرة تنفتح في السدّ، ليس على سد النيل إنما السدّ على أحلام الشعب المصري المنكوب ولسانه وحريته.

وقد فرح بعضهم بالمرشح أحمد طنطاوي الذي اعتقل أقاربه وأصدقاؤه وأُخذوا رهائن، ويحدوه طمع ليس بالفوز، لكن أن يطلق عليه لقب مرشح رئاسي سابق، وهو مرشح يلحق به المخبرون في حملاته الانتخابية في الصعيد خوفا من خروجه عن النص، ويشكو من اعتقال مناصريه ومضايقتهم، أما هو فناجٍ من الاعتقال حتى الآن.

ستكون الانتخابات عرضا مسرحيا ممتعا يجمع بين المأساة والملهاة، وسننتظر أن يخرج واحد من الجمهور، أو مرشح رئاسي، أو إعلامي دجّال، يرتجل كلاما فنفرح به أياما على وسائل التواصل، وينتظر آخرون اسم المرشح الغامض أو المرشح الجوكر، لا ليس الكوميديان مرتضى منصور الذي يقدّم للقضاء بين الحين والآخر على طرائفه، أو عدلي منصور الذي أدى مهمته الكبرى وتقاعد (وكلهم منصورون)، بل إنَّ الفرح بلغ بأحد أقطاب الحوار الوطني أن اعتبر الإفراج عن مصري من بين عشرات الألوف وراء القضبان بشرة خير، وكاد أن يرقص طربا من غير ألحان، وكان العريس (بالسين) قد أفرج عن معتقل آخر معروف معه ومعتقلين مغمورين، حتى لا يقال إن السبب هو طائفته، تمهيدا للعرس الانتخابي.

ثلاثة أصوات تكفي لفوز العريس، وهي الصوت الأمريكي وصوتي الكفيلين الخليجين؛ الإمارات والسعودية، وثمة أيضا شرط وهو: حفلة العرس، أن تكون حفلة مطربة وخالية من الأكدار والغش الظاهر

إلا أن الكفيلين الكبيرين العربيين متخاصمان، وهذا يبعث على الأمل، أما الكفيل الغربي، وهو الأمريكي الذي يجني من مصر مع ربيبته إسرائيل، محاصيل حبس عقولها وثمار غلالها وثرواتها وغازها وسمائها وأرضها، فيشعر بالقلق ليس خوفا على شعب مصر كما يرد في الأخبار، إنما مما لا يحمد عقباه، لشكه في عدم قدرة النجم الأوحد على البطولة المطلقة عشر سنين أُخر.

أجرت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني اتصالا هاتفيا بالسيسي، مساء الخميس الماضي، بحسب بيان لرئاسة الوزراء، تشكره على عفوه عن باتريك زكي المصري الذي يدرس في إيطاليا، مشيرة إلى أن مكرمته "لفتة ذات أهمية كبيرة نالت تقديرا عاليا في إيطاليا".

بدأت الدعاية الدولية الانتخابية من عاصمة أوروبية، وحصل اثنان في هذه الدعاية على مجد عالمي هما الرئيس الكريم والطالب المكرم، وهو من أقباط مصر. وكان من كرامة الرئيس أو كرامة الطلب أن شفع لمحام مصري وستة آخرين، فأنعم وأكرم به من شرف.

نعلم أنّ ثلاثة أصوات تكفي لفوز العريس، وهي الصوت الأمريكي وصوتي الكفيلين الخليجين؛ الإمارات والسعودية، وثمة أيضا شرط وهو: حفلة العرس، أن تكون حفلة مطربة وخالية من الأكدار والغش الظاهر.


twitter.com/OmarImaromar
التعليقات (0)