كتاب عربي 21

بقايا قوة العرب الناعمة

أحمد عمر
الرئاسة المصرية
الرئاسة المصرية
لم يبق من قوة العرب الناعمة إلا مقدار ظمأ الحمار، وهو ضعف خالص ووهن طامس، وليس لهم من قوة صافية، خشنة، إلا ما نعرفه من آثار على ظهورنا وفوق رقابنا، فالسلاح الذي يُشترى متهالك، وهو للادخار في المخازن، أو لمحاربة الشعب أو العدو الذي يرتضيه بائع السلاح، أما المدن التي تُبنى في الصحراء فستذروها الرياح، وهي مدن بُنيت لمحو الذاكرة والنسيان.

وكانت سوريا من دول الطوق، وهو طوق زينة، وقد باعت سلاحها الكيماوي وشرت به جرعة من الشرعية السياسية. أما رئيس مصر، فباع بوابة مصر البحرية، ونيلها، وهما في التصنيف الاستراتيجي أمن قومي، وما خطبة رئيس وزراء إثيوبيا الأخيرة إلى القاهرة وتطميناته إلا رشوة لجمهور السيسي من أجل الفوز بدورة رئاسية ثالثة، وهو فوز مؤكد، يحتاج إلى إخراج سينمائي وبعض المؤثرات التصويرية ومساحيق التجميل لزوم العرس الانتخابي والفيلم الكوميدي.

ولو نظر الأعمى إلى بلاد العرب لوجدها خصبة بالثروات، ما ظهر منها وما بطن، فهي تتوسط كوكب الأرض، وأوفرها بحارا، وأسطعها شمسا، وأطولها أنهارا، وأغناها ذهبا، وشعوبها من أغنى الشعوب بالتاريخ والمفاخر والأوابد والآثار والمواهب، حتى عُرف العربي أنه كائن تاريخي، من ذلك أن برنارد لويس ذكر في محاضرة شهيرة مدتها ثلاث ساعات أنَّ صدام حسين كان بارعا في مخاطبة العرب بالتاريخ، لكن المعاصرين يخاطبونهم بالتاريخ الوثني الآفل، مثل التاريخ الفرعوني أو التاريخ الفينيقي المندثر في سوريا، أو القرطاجي في ليبيا وتونس، أو الثمودي في الجزيرة العربية.

لم يكن للعرب من قوة ناعمة سوى دينهم وأعرافهم وأخلاقهم، وقد أوهنت أو خربت أو غُرّبت ونُفيت. والملوك العرب المعاصرون، في سوريا ومصر والجزيرة العربية والعراق، يجرفون التاريخ بالجرافات ذات الأنياب بذريعة توسيع الشوارع من أجل بناء مدنهم الملحية

ولم يكن للعرب من قوة ناعمة سوى دينهم وأعرافهم وأخلاقهم، وقد أوهنت أو خربت أو غُرّبت ونُفيت. والملوك العرب المعاصرون، في سوريا ومصر والجزيرة العربية والعراق، يجرفون التاريخ بالجرافات ذات الأنياب بذريعة توسيع الشوارع من أجل بناء مدنهم الملحية.

وفي الجزيرة العربية يجري العمل على تحرير المرأة من ثيابها لاستعباد الرجل بشهواته، وليس تحرير عقلها، فالسجون تعج بالنساء. فقوة العرب المعاصرين الناعمة الوحيدة الباقية هي المرأة، وهي تُسبى باسم الحرية، والمرأة المراد تحريرها وتصديرها قوة ناعمة استعطافا للغرب وتشبها به واتباعا له.

والمرأة في خطاب القوة الناعمة هي الحبيبة والصبية وليس الأخت أو الزوجة أو الأم أو الجدة، فهي مناط شهوة ورغبة، وليست مناط تقدير وتكريم. ومثالها المصري إلهام شاهين، وفي سوريا سلاف فواخرجي التي اختيرت واحدة من أجمل عشر نساء في العالم، وكانتا حسناوين، فهما تشيخان، وقد تخدع المراهم والدهون النظر حينا لن يطول، لكن ثمة حسناوات أخريات، مذيعات وممثلات ومطربات، يدافعن عن سمعة الوطن بصدورهن العارمة، وقد تكون القوة الناعمة الباقية ممثلين من ممثلي الملاهي مثل دريد لحام، أو عادل إمام، وقد شاخا أيضا، وبال الدهر على دمنتهما. والقوى المذكورة ناعمة محلية، فهي شخصيات لا تؤثر سوى في شعوبها.

وقد تكون القوة الباقية الناعمة رياضين من ملاعب كرة القدم أو غيرها من الحلبات، والرياضيون يهربون بأقدامهم وعضلاتهم إلى النوادي العالمية هربا من الظلم والجوع، كما سبقتها الأدمغة، وأثر هذه القوى الناعمة لا يتعدى الحدود العربية، وهي قوة ليست مثل القوى الأمريكية الناعمة قوة ونفوذا وانتشارا، ومثالها هوليوود.


وكان الدخان الأمريكي واحدا من الأدوات التي خلبت ألباب الناس وأوهمتهم بأنهم تنانين تنفث الدخان من أفواهها ومناخرها. وليست مثل قوة الهند الناعمة بوليوود، دار صناعة السينما بأغانيها الاستعراضية. أما الصين، فقد دخلت مجال القوة الناعمة بالتيك توك، فالمنتوجات الصناعية ليس لها ألسنة ناطقة مثل السينما، ووسائل التواصل هي أنفذ القوى الناعمة وأبلغها تأثيرا. وقد أصبح العرب من أكثر الشعوب استهلاكا لها بسبب حصار التعبير والبطالة في الجمهوريات، والبطر والترف في الملكيات.

يعزى مصطلح القوة الناعمة إلى الباحث جوزيف ناي، الذي ورد في كتابه الصادر عام 1990 بعنوان "مُقدرة للقيادة: الطبيعة المتغيرة للقوة الأمريكية". وجرى تطويره في كتابه الصادر عام 2004 بعنوان "القوة الناعمة: وسائل النجاح في السياسة الدولية"، ويتردد المصطلح على نطاق واسع في الشؤون الدولية من قبل المحللين والسياسيين.

وبالتعريف، هو القدرة على استمالة القلوب وفتحها من غير سلاح أو إكراه. برز المصطلح منذ عدة عقود للتأثير على الرأي الاجتماعي والعام وتغييره، من خلال البعثات التبشيرية ومنظمات حقوق الإنسان والفضائيات ووسائل التواصل، والضغط من خلال المنظمات السياسية وغير السياسية. قال جوزيف ناي إنه مع القوة الناعمة "أفضل الدعايات أقلها تأثيرا"، واعتبر "المصداقية أندر الموارد"، لشيوع التدليس والكذب.

مزج النبي سليمان عليه السلام القوتين العظيمة والرقيقة، عندما ألقى إلى بلقيس كتابا كريما، وأمرها بما أمرها، ثم أحضر عرشها في طرفة عين من غير خيل ولا ركاب. وأشار ابن خلدون إلى القوة الناعمة إشارة وهو يتحدث عن المُلك عامة، في مقدمته بقوله: "إن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصيغة دينية أو ولاية أو أثر عظيم من الدين بسبب خلق التوحش المتأصل فيهم. وهم أصعب الأمم انقيادا بعضهم لبعض، للغلظة والأنفة وبعد الهمة والمنافسة في الرئاسة فقلما تجتمع أهوائهم".

قد يلجأ النظام المصري إلى استعراض فرعوني مكلف دغدغةً لمشاعر المصريين وعظمة فراعنتهم وعلوهم في الأرض، أو قد يخطب رئيس تونس خطبة قوية الألفاظ جوفاء المعاني، أو يفتح الملك السعودي طريق "الحج" إلى مدائن صالح

وكانت عصبية العرب عصبية كريمة، حليمة، مصقولة بالأعراف والدين ولم يبق منها سوى ظمأ الحمار، وهي الكوميديا التي يؤديها رؤساء عرب نافسوا الكوميديين الكبار بعد أن شاخوا. وأجودهم صناعة كوميدية وأفلحهم وأبلحهم هو رئيس مصر، ويليه رئيس تونس الذي يخطب مثل رمضان مبروك أبو العلمين حمودة، والأسد الذي يمشي على سجادة حمراء وبلاده محتلة من نحو عشرة جيوس أجنبية وعشرات الكتائب. ولعل تلك الجرعة من الكوميديا قوة العرب الناعمة الأخيرة.

قد يلجأ النظام المصري إلى استعراض فرعوني مكلف دغدغةً لمشاعر المصريين وعظمة فراعنتهم وعلوهم في الأرض، أو قد يخطب رئيس تونس خطبة قوية الألفاظ جوفاء المعاني، أو يفتح الملك السعودي طريق "الحج" إلى مدائن صالح، ولو شاء لأكل بمكة المكرمة وأختها المدينة المنورة العجم والعرب نائم العين عن شواردها.

كأن لم يبق في بلاد العرب الغنية أثارة من قوة ناعمة، غير التوسل للحصول على جرعة ماء، ووعيد التهديد بإطلاق الشعوب الأسيرة نحو أوروبا الغنية والمذعورة، أما جمال الفنانات فلا يروي ظمأً ولا ينسل نسلا.

twitter.com/OmarImaromar
التعليقات (3)
نساء العرب
الثلاثاء، 18-07-2023 10:33 م
2- يحدثنا بن عمر بأنه: "في الجزيرة العربية يجري العمل على تحرير المرأة من ثيابها لاستعباد الرجل بشهواته، وهي تُسبى باسم الحرية"، ونساء بن عمر (ولخبثاء النوايا فالنساء المقصودات هنا، هن اللواتي تحدث عنهن في مقالته، ولسن بمعنى النساء ملك يمينه) فهن: "قوة العرب المعاصرين الناعمة الوحيدة الباقية"، لكن: "ثمة حسناوات أخريات، مذيعات وممثلات ومطربات، يدافعن عن سمعة الوطن بصدورهن العارمة"، وتذكرنا تلك النسوة بأن التليفزيون المصري منذ بداية إرساله في بداية الستينيات، سيطر على شاشاته حفنة من النسوة المذيعات، ذوات النسب والقرابة والحظوة لدى المسئولين في الإعلام، والغالبية منهن كانوا ينطقون حروف اللغة العربية كنطق الأعجميات، فلا تكاد تميز كلامهن، ويغطون على رطانتهن تلك بتصنع الدلال اللزج، حتى أفسدوا اللغة العربية على ألسنة المصريين، وارتد المصريون يرطنون كما كان يرطن أجدادهم يوم فتح العرب بلادهم، وبمرور السنين وكهولتهن، مع استمرارهن محتكرات وحدهن للظهور على الشاشات، كرؤساء بلادهم الذين احتكروا واستبدوا بالحكم لعقود طالت، وأزداد الأمر سوءاً، فأصبحن نساء حيزبونات لا يسعدن مستمع ولا مشاهد، مع استمرار التفاهة والضحالة في برامجهن وما يقدمونه، وعندما بدأت القنوات الفضائية العربية في الشيوع والانتشار، مدعومين بأموال النفط الخليجية، استقدموا للظهور على شاشاتها، كوكبة من الغيد الحسان، النازلات كالنجوم الزاهرة من جبل لبنان، بلسان قويم وفصاحة لغة، وثقافة عريضة ومظهر حسن، وعلم وموهبة وحضور، وعندما شاهدهم المصريون والخليجيون على الشاشات، أصيبوا بصدمة حضارية، وكأنهم لم يروا في حياتهم نساء مثقفات من قبل، وعندما شعرت المذيعات المصريات المحتكرات بدنو أجلهن على الشاشات، صرحت مقدمة منهن بقولها: "سيبونا عليهن"، أي اتركونا ننافسهن في مجالهن وبأسلحتهن، بالسماح لنا بأن نتعرى مثلهن ونتلوى بطريقتهن ونتهادى على نهجهن برشاقة خطاهن، ونظهر ما خفي منا، لإسعاد مشاهدينا، الذين لا نبخل عليهم، ونسيت تلك النسوة المذيعات الحيزبونات، بأن ما ينقصهن هو رجاحة العقل وثقافة الاطلاع وجاذبية الموضوع وحسن العرض وبلاغة اللغة، وتواضع وحياء الشخصية وبساطتها، وليس في جاذبية الوجه وليونة الجسد، وندعوا الله بأن يلهم رجالنا ونسائنا وشبابنا برجاحة العقل وحسن الطوية وخير العمل.
المستقبل لقوة العرب الناعمة رغم ادعاءات بن عمر
الثلاثاء، 18-07-2023 09:00 م
1- يقول الكاتب اللوذعي الجهبذ "احمد بن عمر"، وأعترف بعدم علمي بأصل ومعنى لوذعي وجهبذ تلك بدقة، كما أنني كسلت عن أن أرسل صديقي جوجل للغوص للبحث عن معانيهما في المعاجم والقواميس، فإنني هكذا سمعتهما، وأعجبت بوقعهما في الأذن منذ الصغر، وأظن بأنهما صفتين إيجابيتين، ولم أعلم أفضل منهما للإشادة ببلاغة كاتبنا الهمام، الذي يذكرنا بالبحتري في عزه، ومحاولاتي الحثيثة أن أنهج على منواله في استدعاء غريب الألفاظ ونكتها، ولكن ذلك ليس موضوعنا هنا، فكاتبنا أحمد عمر قد أخذته الحماسة كل مأخذ، فخطب فينا بصوت جهوري خطبة عصماء بقوله: "لم يكن للعرب من قوة ناعمة سوى دينهم وأعرافهم وأخلاقهم، وقد أوهنت أو خربت أو غُرّبت ونُفيت."، فمع اتفاقنا معه في صحة جملته الأولى، ونضيف إليها لغتهم وآدابهم وعلومهم، ولكننا نخالفه في مبالغته في جملته الثانية"، فقد درج الوعاظ فينا، بنية استنهاض الهمم، بتحريك غيرتنا على ديننا وأعرافنا وأخلاقنا، ومضاف إليهم حبنا للغتنا وتراثنا، بالقول والتشديد والتهويل والتضخيم، بأن كل ذلك قد ضاع منا في عصرنا، بعد أن سادت حضارتنا بين الأمم في قرون سابقة، وضللنا الطريق الآن بين الأمم، وأننا قد غزينا غزواً فكرياً كاسحاً في عقر دارنا، ولي وجهة نظر مخالفة، فالتأثير المتبادل بين الحضارات والأمم مستمر عبر الأجيال، ولم يتوقف منذ فجر الإسلام وما قبله وحتى اليوم، بين مد وجزر، ففي القرن الثاني الهجري، وفي ذروة بروز الدولة العباسية بين الأمم، وتأصيل الفقه والحديث والتفسير، ظهر "أبو النواس" أبرز شعراء العرب في عصره، وهو يتغزل في المردان والخمر واللهو والمجون، بعد أن كان عرب الجاهلية لا يتغزلون إلا في النساء، وقد قال في ذلك الدارسون بأنه من أثر اختلاطنا بالفرس والترك حينها، الذين شاعت فيهم هذه الفاحشة، والكاتب بن عمر السوري، مهاجر ومقيم في قلب بلاد الفرنجة، وفي المانيا بلاد العمة ميركل تحديداً، وإن نظر في أحوالها وما حولها من دول القارة العجوز، وما بعدها من دول العالم الجديد، وتتبع أحوال الجاليات العربية والإسلامية فيها، فسيجد أن تأثيرهم الإيجابي متزايد، فالإسلام هو أكثر الأديان في التوسع في تلك البلاد، بأنشطة المسلمين المهاجرين فيها، فتأثيرهم في غيرهم أكبر من تأثير غيرهم فيهم، ونزعم أن القرن القادم سيكون قرن العرب والمسلمين، باجتهاد وعمل أبنائهم، ولن يكون قرن الهند الهندوسية، ولا قرن الصين الكونفوشيوسية البوذية الشيوعية، ولا استمراراً للحضارة الأوروبية العلمانية، وليس ذلك أحلاماً وأوهاماً وتمنيات، فلنا على ذلك أدلة وقرائن واقعية يطول عرضها وشرحها، والله أعلم.
ابو حلموس
الثلاثاء، 18-07-2023 07:15 ص
اسمح لي بدون غضب ان > أُسَمِِّمَ الأشلاءَ بأسمائها< .. إنها "بغايا" فلم تعد هناك ادنى بقايا ولا حتى فتات .