قضايا وآراء

السفارة الأمريكية في عمّان بين احتلالين

حازم عياد
أمريكا خسرت قيمها كما خسرت نفوذها في الآن ذاته؛ فلا هي نجحت في الحفاظ على قيمها ولا هي حافظت على نفوذها في المنطقة- صورة أرشيفية
أمريكا خسرت قيمها كما خسرت نفوذها في الآن ذاته؛ فلا هي نجحت في الحفاظ على قيمها ولا هي حافظت على نفوذها في المنطقة- صورة أرشيفية
يصعب تجاهل توقيت ودلالة احتفاء السفارة الأمريكية في العاصمة الأردنية عمّان بالمقاومة الأوكرانية لما تسميه الاحتلال الروسي.

فالسفارة الأمريكية وبحضور السفير هنري وستر وإلى جانبه السفيرة الأوكرانية في العاصمة عمّان ميروسلافا شيرباتيوك، عقدت الإثنين الموافق الخامس من حزيران/ يونيو الحالي لقاء مع عدد من السياسيين والصحفين والكتاب أعقب عرض (فيلم وثائقي) عن الحرب الأوكرانية كان بطله الرئيس الأوكراني والممثل الكوميدي السابق فلاديمير زيلنسكي.

تفاجأ الجمهور وكاتب المقال؛ بفيلم طويل مشحون بالعواطف عرض في قاعة تتبع لأحد الفنادق الفاخرة في عمّان الحائزة على خمس نجوم بسبب خدمتها المميزة .

الفيلم الذي عرض على شاشة عملاقة في قاعة تمتاز بالضخامة كان مشحونا عاطفيا إذ كاد الرئيس الأوكراني أن يبكي في حين انهمرت دموع الصحفي معد التقرير أكثر من مرة؛ فهو عبارة عن شحنة عاطفية؛ وصفها أحد الحضور لاحقا بأنها محاولة لغسل أدمغة الحضور وإعادة برمجتها بعيدا عن معاناة الفلسطينيين والاحتلال المميت والممتد عقودا من اللجوء والقمع والانتهاكات لمقدساتهم .

السفير الأمريكي واجه أسئلة صعبة من الجمهور؛ أزعم أن أكثرها إرباكا ذلك الذي تناول ازدواجية المعايير الأمريكية في التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية؛ فالمشكلة قد لا تكون في الرواية الأوكرانية، بل في الراوي وحقيقة دوافعه وأهدافه من العرض ومن الحرب القائمة أيضا.

ازدواجية المعايير تقوض مصداقية الموقف والرواية الأمريكية حول الحرب الأوكرانية؛ فأمريكا تجاهلت الاحتلال الإسرائيلي وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن في ما يتعلق بالاحتلال واللاجئين لأكثر من 70 عاما؛ بل قدمت الدعم للمحتل عبر الفيتو في مجلس الأمن وعبر الدعم الاقتصادي وعبر التسليح ونقلت سفارتها إلى القدس المدينة المحتلة بموجب قرارات أممية؛ لم تكتف بذلك بل حاصرت وضيقت الخناق اقتصاديا وماليا على وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا ـ UNRWA) لإجبارها وإكراهها على تغيير الرواية الرسمية في الكتب والوسائل التعليمية لتتناسب مع الرواية الإسرائيلية نافية أي حقوق للشعب الفلسطيني في أرضه.

مقابل الجهود الأمريكية لطمس الرواية الفلسطينية وتجريم مقاومتها، تعرض للعرب في يوم نكستهم فيلما عن الحرب في أوكرانيا؛ وكانت قبل ذلك قد استنفرت دبلوماسيتها وكامل طاقتها الكامنة لفرض عقوبات على روسيا وتوفير الدعم بالسلاح والعتاد لأوكرانيا بحجة مواجهة ما أسمته الاحتلال الروسي لأوكرانيا؛ علما بأنها حرب جاءت عقب التراجع عن تعهدات متبادلة بين واشنطن وموسكو تبعت انتهاء الحرب الباردة وانهيار جدار برلين في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 1989.

إجابة السفير الأمريكي (وستر) في عمّان على سؤال كاتب المقال حول ازدواجية المعاير كانت مقتضبة وغير مرضية؛ إذ قال في إجابته: "أتفهم العواطف المرتبطة بالضفة الغربية والفلسطينيين وأفهم المشاعر"؛ مضيفا القول: "الدول كائنات جامدة تتابع مصالحها".. وبخصوص كلمة ازدواجية المعايير "فإن احتمال وقوع حرب داخل أوروبا أمر أشد خوفا ووطأة بالنسبة للولايات المتحدة مما يجري بالشرق الأوسط".

مخاوف السفير وستر من اندلاع صراع وحرب كبرى في القارة الأوروبية جاء كمحاولة لتضخيم الحدث الأوروبي باعتباره حدثا عالميا يجب أن يشغل زوايا العالم الأربع ويقلقها؛ علما أن احتلال فلسطين مثل نزيفا للمنطقة دام أكثر من سبعين عاما وأنتج حروبا وصراعات لازالت المنطقة تعاني منها؛ تجاهلها السفير وكأنها لم تكن.
لم يكن السؤال الذي طرحة كاتب المقال عاطفيا؛ إذ تساءل عن الأسباب التي تمنع أمريكا من فرض عقوبات على الاحتلال الإسرائيلي؛ وإن كانت الحرب في أوكرانيا ستدفع أمريكا للتخلي عن ازدواجية المعايير باعتبارها سببا لغياب التعاطف والمصداقية للرواية الأمريكية والأوكرانية في الشارع العربي؛ شارع ورأي عام سعى السفير وستر للتأثير فيه بجمع السياسيين والكتاب في قاعة فخمة وأمام شاشة كبيرة في العاصمة عمّان منكرا على الدول العربية ككائنات جامدة حقها في أن تتابع (مصالحها) باتخاذ مواقف مغايرة للموقف الأمريكي في الآن ذاته.

مخاوف السفير وستر من اندلاع صراع وحرب كبرى في القارة الأوروبية جاء كمحاولة لتضخيم الحدث الأوروبي باعتباره حدثا عالميا يجب أن يشغل زوايا العالم الأربع ويقلقها؛ علما بأن احتلال فلسطين مثل نزيفا للمنطقة دام أكثر من سبعين عاما وأنتج حروبا وصراعات ما زالت المنطقة تعاني منها؛ تجاهلها السفير وكأنها لم تكن.

الشارع العربي والأردني يرفض تبني الرواية الأمريكية؛ أو يتجاهلها؛ ويدعو حكومات بلاده إلى عدم التعاطي معها؛ والتورط في صراع لا ناقة ولا جمل للعرب فيه؛ فالعالم العربي مليء بالصراعات؛ آخرها الصراع في السودان؛ فالعرب لديهم قضاياهم إلى جانب فائض إنتاج من الصراعات والحروب الأهلية والبينية ولديهم قدرة كبيرة على تصديرها؛ وآخر ما يرغبون فيه استيراد إحداها من الخارج.

الحرب الأوكرانية كشفت مجددا ازواجية المعايير الأمريكية وقدمت جرعة مركزة؛ أفقدت أمريكا مصداقيتها ونفوذها الناعم في المنطقة العربية والعالم الإسلامي؛ وأسهمت في تسريع تآكل نفوذها المادي وقوتها الصلبة في المنطقة لحساب الصين وروسيا التي باتت فاعلا مهما عبر اتفاق (أوبك بلس) أو عبر النشاط المفرط لروسيا اقتصاديا وأمنيا في المنطقة والقارة الإفريقية؛ إلى جانب تنامي النفوذ الصيني الاقتصادي والسياسي الذي كان أحد تجلياته رعاية المصالحة السعودية الإيرانية في بكين؛ وانعقاد مؤتمر الأعمال العربي الصيني العاشر  في الرياض مؤخرا  بحضور  4500 مشارك من 26 دولة.

في المحصلة النهائية؛ فإن أمريكا خسرت قيمها كما خسرت نفوذها في الآن ذاته؛ فلا هي نجحت في الحفاظ على  قيمها؛ ولا هي حافظت على نفوذها في المنطقة؛ العبارة ذاتها التي فسر فيها الاستراتيجي البريطاني الشهير ليدل هارت انهيار وتراجع الإمبراطورية البريطانية قبل أكثر من 6 عقود من الآن؛ فأمريكا خسرت ثلث العالم بخسارة العرب والمسلمين المقدر تعدادهم بمليار و700 مليون في 55 دولة؛ كما أنها خسرت الصينيين وتعدادهم مليار و200 مليون.. في حين تجاهلها الهنود وتعدادهم مليار ونصف فمن بقي لأوروبا وأوكرانيا وقضيتها التي باتت خاسرة عالميا.

أخيرا..

قد لا تكون المشكلة في الرواية الأوكرانية وتفاصيلها، ولكن المشكلة في الراوي الأمريكي الفاقد للمصداقية وفي دوافعه الحقيقية من سردية الحرب والصراع في أوكرانيا التي أرادت تجريم روسيا وطمس رواية النكسة والنكبة والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين في الآن ذاته.

https://twitter.com/hma36
التعليقات (1)
أبو فهمي
الخميس، 15-06-2023 05:10 م
لانقاش حول مصداقية أمريكا والصليبيين بشكل """" كلي """" ولكن عرض الفيلم بكل وقاحة من السفارة والسفير الأمريكي عن أوكرانيا وفي """ عمان """ بالذات هو """"""" استضراط """""""" مطلق وليس " ازدواجية معايير " فهي معروفة والجميع """""""" مطوبز """""""" لها.