كتاب عربي 21

جنرالان ينهشان لحم السودان

جعفر عباس
تحول البرهان وحميدتي من شريكين للسيطرة على الحكم إلى عدوين- الأناضول
تحول البرهان وحميدتي من شريكين للسيطرة على الحكم إلى عدوين- الأناضول
شهد السودان منذ نيله الاستقلال، ثلاثة انقلابات عسكرية انتهت باستيلاء العسكر على الحكم، إلى جانب نحو 17 محاولة انقلابية فاشلة، ولكن لم يحدث في سياق أي من الانقلابات، ناجحها وفاشلها، أن تحولت عاصمة البلاد إلى سوح قتال، كما هو حادث منذ فجر 15 نيسان/ إبريل الجاري، عندما أصدر عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة السوداني، أوامره للجيش باجتياح مقار قوات الدعم السريع وتدميرها، فنشب قتال ضار بين الطرفين، تُستخدم فيه جميع صنوف الأسلحة الخفيفة والمدرعات والطيران والمدفعية، ثم انتقلت الشرارة إلى مدن أخرى، وخلال اليومين الأولين من الاقتتال ظلت جثث العشرات من الضحايا ملقاة في الشوارع ويتعذر سترها ودفنها.

يقود قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي كان حتى بداية الألفية الثالثة يعمل في تجارة الدواب وقطع الطرق، بغرض سلب المركبات التجارية، وعند اتساع نطاق التمرد في إقليم دارفور الذي ينتمي حميدتي إلى جنوبه، أنشأت استخبارات الجيش القوات المسماة بالجنجويد، وأوكلت إليها قمع التمرد، مع منحها رخصة لممارسة الإبادة الجماعية والتهجير القسري لسكان المناطق التي تخضع للمتمردين.

كان أبرز الضباط المكلفين بإنشاء الجنجويد عبد الفتاح البرهان، الذي أشرف على تحويل القوات إلى "حرس الحدود" بقيادة الزعيم القبلي موسى هلال، وقاتل حميدتي تحت إمرة ابن عمه هلال، ولما اشتد ساعده رمى حميدتي هلال، وصار قائدا لحرس الحدود الذي اتخذ اسم "الدعم السريع"

وكان أبرز الضباط المكلفين بإنشاء الجنجويد عبد الفتاح البرهان، الذي أشرف على تحويل القوات إلى "حرس الحدود" بقيادة الزعيم القبلي موسى هلال، وقاتل حميدتي تحت إمرة ابن عمه هلال، ولما اشتد ساعده رمى حميدتي هلال، وصار قائدا لحرس الحدود الذي اتخذ اسم "الدعم السريع" في عام 2013، وسخرت له حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير المواد المالية الهائلة وعلى رأسها منطقة غنية بالذهب.

وفي أواخر عام 2017 زج حميدتي بهلال في السجن بتهم تقود إلى المشنقة، ولم يخرج هلال من السجن إلا في آذار/ مارس من عام 2021، وكان خروجه أيضا بأمر حميدتي الذي كان وقتها، وبعد سقوط حكومة عمر البشير، نائبا للبرهان على رئاسة مجلس السيادة، وكان ذلك لأن حميدتي كان يعمل على إنشاء تحالف لأهل منطقته في جنوب دافور يعزز به طموحاته لحكم السودان.

في عام 2017 أصدر الرئيس المخلوع عمر البشير مرسوما صارت قوات الدعم السريع بموجبه تتبع لرئاسة الجمهورية، مع اعتبارها جزءا من القوات المسلحة الرسمية، وبلغ من ثقة البشير بحميدتي أنه كان يسميه "حمايتي". ثم هبت ثورة شعبية ضد حكم البشير، ووجدها بعض جنرالات الجيش سانحة للحلول محله، وقادت أحداث متسارعة في نيسان/ أبريل من عام 2019 إلى أن يصبح البرهان رئيسا لمجلس عسكري عال يتولى مهام رئاسة الدولة، وأتى البرهان بحميدتي نائبا له في المجلس، ثم حدث توافق بينه وبين قوى مدنية أدى إلى تقاسم السلطة بين الطرفين، وصار البرهان رئيسا لمجلس السيادة واختار حميدتي نائبا له أيضا.

منحت حكومة البشير تاجر الدواب حميدتي رتبة عميد العسكرية، ثم قفزت به بالزانة إلى رتبة فريق، وحرصا على استمالة حميدتي رفَّعه البرهان إلى فريق أول، وسمح لقوات الدعم السريع بالتمدد في جميع أنحاء البلاد ومنحها مقرات في قلب وأطراف العاصمة المثلثة (الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان)، ثم وفي تموز/ يوليو من عام 2019 أصدر البرهان مرسوما ألغى به تبعية قوات الدعم السريع للقوات المسلحة، وكان ذلك لأن البرهان أراد الاستقواء بحميدتي، لأنه لم يكن يضمن جانب الجيش الذي يعج بالتيارات السياسية المتصارعة، ولا يخلو من ضباط يطمحون في الحكم.

وهكذا وجد حميدتي نفسه يشغل منصبا سياديا رفيعا، ورجل كان جل طموحه حتى بلغ الثلاثين أن يستبدل حماره بدراجة نارية أو سيارة، ثم يجد نفسه وهو في منتصف الأربعينات من العمر يختال في شوارع الخرطوم بسيارة فارهة تتقدمها دراجات نارية بروتوكولية، ويمشي على السجاد الأحمر كلما زار دول الجوار؛ بدهي أن تسكره خمر السلطة وأن يطمح في المزيد من الترقي والجاه والسلطان، وهكذا انطلق خاطبا وُد زعماء القبائل وشيوخ الطرق الصوفية بشراء ذممهم بالعطايا الجزلة.

طوال الأشهر الثلاثة الماضية ظل الرجلان يخططان للقضاء على بعضهما البعض، وهكذا تفجرت الأمور بينهما إلى المشهد الدموي الحالي، الذي صارت فيه مدن السودان الكبرى، ولأول مرة في تاريخ البلاد، مسارح لحرب شوارع، ولكن بتكتيك الحروب الميدانية المفتوحة، حيث يتم استخدام كافة أنواع الأسلحة

كان من المقرر بنص دستوري أن يخلي البرهان منصبه كرئيس لمجلس السيادة لأحد المدنيين بنهاية عام 2021، فما كان منه إلا أن انقلب على شركائه المدنيين في الحكم، واستولى على السلطة كاملة في تشرين الأول/ أكتوبر من ذلك العام بمباركة حميدتي، ولكنه وجد نفسه عاجزا حتى عن العثور على أراجوز يرضى بمنصب رئيس الحكومة التنفيذية. وتدهورت الأوضاع عموديا في البلاد في جميع النواحي، وأدرك الرجل عندها أن الدخول في الشبكات هيّن وأن التأمل في الخروج، فأعلن عن رغبة العسكر في الخروج من الحكم، ودخل في مفاوضات مع القوى المدنية انتهت باتفاق إطاري لنقل السلطة إلى المدنيين كاملة.

كان الأمر بالنسبة للبرهان مجرد تكتيك مرحلي يمتص به الغضب الشعبي على حكمه، وبموازاة ذلك اكتشف حميدتي بحكم وجوده في دهاليز السلطة أن البرهان يريد له أن يكون مجرد قُفّة/ تابع في الزفة، فاعتلى المنابر معلنا انحيازه لخيار نقل السلطة إلى المدنيين، ثم صار يغمز في قناة البرهان ملمحا إلى أنه (البرهان) قد يتنصل من الاتفاق الإطاري. وطوال الأشهر الثلاثة الماضية ظل الرجلان يخططان للقضاء على بعضهما البعض، وهكذا تفجرت الأمور بينهما إلى المشهد الدموي الحالي، الذي صارت فيه مدن السودان الكبرى، ولأول مرة في تاريخ البلاد، مسارح لحرب شوارع، ولكن بتكتيك الحروب الميدانية المفتوحة، حيث يتم استخدام كافة أنواع الأسلحة.

خلال ساعات قلائل كانت الخرطوم بكاملها قد تحولت إلى مسارح لمعارك ضارية، مما يؤكد أن الطرفين كانا على كامل الاستعداد للانقضاض على بعضهما البعض

في صبيحة يوم 15 من الشهر الجاري اقتحمت قوات من الجيش السوداني معسكرا لقوات الدعم السريع في جنوب الخرطوم، وخلال ساعات قلائل كانت الخرطوم بكاملها قد تحولت إلى مسارح لمعارك ضارية، مما يؤكد أن الطرفين كانا على كامل الاستعداد للانقضاض على بعضهما البعض، وكانت المفاجأة أن قوات الدعم السريع أعلنت الاستيلاء على مطار مروي على بعد مئات الكيلومترات إلى الشمال من الخرطوم، وهذا المطار هو الأحدث والأكبر في السودان، وهو جزء من قاعدة عسكرية استراتيجية. وكان بعض المراقبين الجويين السودانيين قد سربوا قبل شهور قليلة، أن المطار خاضع لسلطة الاستخبارات العسكرية المصرية، فارتفعت الأصوات في السودان مستنكرة وضع مرفق عسكري تحت سيطرة قوة خارجية، تتبع لبلد (مصر) ترتفع فيه الأصوات لمنع إكمال سد النهضة الإثيوبي بقصفه من الجو، ورغم أن القوات الموالية للبرهان أعلنت استرداد مطار مروي، إلا أن قوات الدعم السريع تواصل هجومها عليه، وما زال مصير عشرات الجنود المصريين مجهولا.

الوضع في الخرطوم حاليا شديد المأساوية، فقد تعرضت مرافق الماء والكهرباء للقصف والتدمير، وصارت المستشفيات عاجزة عن استيعاب جرحى المعارك الدائرة هنا وهناك، في ظل شح المعينات الطبية، وتساقط عشرات المدنيين قتلى والمئات جرحى بالقذائف الطائشة حتى وهم في بيوتهم. ولا يعني البرهان أو حميدتي في شيء أن ملايين المواطنين بلا ضروريات العيش وهم صيام، فالرجلان مجبولان على الغدر والمكر والإجرام، ولهما سابقة في انتهاك حرمة شهر الصوم، فقد نفذا في رمضان لعام 2019 مجزرة راح ضحيتها المئات الذين صنعوا الثورة التي أطاحت بالبشير ومكَّنت البرهان وحميدتي، من شغل أرفع منصبين دستوريين في البلاد.
التعليقات (1)
أبو فهمي
الثلاثاء، 18-04-2023 04:41 م
السودان كان جزءا من مملكة """ مصر والسودان """ وكان ملكها هو """"" فاروق """"" وكانت المملكة بأحسن أحوالها فقام من سموا أنفسهم """" بالضباط الأحرار """" بالقضاء على الملكية وبذروا التفرقة بين مكونات الشعب - العامل والفلاح ضد الاقطاع - وسيطر عبد الناصر على هؤلاء الضباط وقضى عليهم - ماعدا أنور السادات - وأول شيء """""" وطني """""" فعله هو """"""" فصل """""" السودان عن مصر """""" وكان فعلا وطنيا بامتياز!!!!!!!!!!!!!!!!!!!. وبدأ عبد الناصر مشواره - المرسوم له - بكركبة - من سموهم "" دول عربية "" وتاريخه الأسود مكتوب ومعروف فلم يترك دويلة الا تدخل فيها وكانت نتيجته أن """ قتل مسموما """ بعد أن انتهت مهمته. طبعا تابعنا وشهدنا ما فعله في الدويلات العربية ولكن والحمد لله فقد أنقذنا منه """"" سيدنا عزرائيل """"" ولو بقي الى الآن لكانت الأمور أسوأ بكثير ولكن الاستعمار الصليبي لا يترك الأمور سائبة فهو مستمر في تدمير هذه الدويلات على يد """ أهلها """ السفلة الى أن يشاء الله ولا نعرف بعد السودان دور من سيأتي فالتدمير مستمر طالما أن """ غثاء السيل """ موجودون!.