صحافة دولية

FT: هكذا "تسرق" روسيا حبوب أوكرانيا.. وهذا دور تركيا وسوريا

ذكرت الفاينانشل أن تجارة الحبوب غير المشروعة خارج أوكرانيا المحتلة تديرها شركات روسية- جيتي
ذكرت الفاينانشل أن تجارة الحبوب غير المشروعة خارج أوكرانيا المحتلة تديرها شركات روسية- جيتي

نشرت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية تقريرًا زعمت فيه إثباتها لعمليات روسيا السرية للحصول على الحبوب من الأراضي الأوكرانية التي ضمتها موسكو مؤخرا.


وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن نيكيتا بوسيل، وهو أحد رؤساء عملية نهب الحبوب الروسية الضخمة في جنوب شرق أوكرانيا المحتلة ومؤسس فندقين وسلسلة مقاهي عصرية في وسط روسيا، قد تولى منصب المدير العام لشركة الحبوب الحكومية في منطقة زاباروجيا الأوكرانية التي ضمتها روسيا التي تُعد إحدى مناطق إنتاج وتصنيع الحبوب الرئيسية في أوكرانيا، وهي بدورها واحدة من أكبر مصدري الحبوب في العالم. 


وأضافت الصحيفة أن الغزو الروسي للبلاد قد تسبب في نقص الغذاء العالمي، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الحبوب، حيث كشفت تجارة الحبوب غير المشروعة خارج أوكرانيا المحتلة عن عمليات سرقة سرية تديرها شركات روسية خاصة.

 

وتوفر مجموعة من المستندات التي اطلعت عليها الصحيفة - بما في ذلك الفواتير وبيانات الشحن والإيصالات وشهادات المنشأ - مسارًا ورقيًّا كاملًا لشحنة واحدة من الحبوب، من زاباروجيا المحتلة إلى السوق العالمية.

 

وقد تم تأكيد هذه العملية التي تشمل شحنة بحجم 2675 طنًّا متريًّا من القمح المطحون، من خلال صور الأقمار الصناعية، وبيانات جهاز الإرسال والاستقبال، واكتشاف القوارب في شمال تركيا، والمقابلات مع المهربين والتجار.


وتعطي هذه الشحنة الصغيرة - الموجودة في ميناء هادئ - نظرة ثاقبة حول كيفية عمل التجارة غير المشروعة، وكيفية عمل مختلف المؤسسات الروسية معًا لتوفير تغطية كاملة للشركات الخاصة والسفن المشاركة.


وذكرت الصحيفة أنه في ربيع هذا العام؛ قام المسؤولون الذين عينتهم موسكو لإدارة الأراضي "المحتلة" بإنشاء شركة الحبوب الحكومية للتعامل مع ما قالوا لوسائل الإعلام الحكومية الروسية إنه أكثر من 1.5 مليون طن من الحبوب المخزنة، مشيرين إلى أن الحصاد القادم سيحقق أرباحًا إضافية تصل إلى مليون طن.

 

وقد ظلت الهيئة - التي اقتصر ذكرها على وسائل الإعلام الحكومية المحلية والرؤية - غامضة، وليس لديها أي مشاركة في أي سجل أعمال أوكراني أو روسي.


وبحسب الصحيفة؛ تقول وثيقة تأسيسية إنه تم إنشاؤها في 15 أيار/ مايو كوكالة "للإدارة العسكرية والمدنية" في المنطقة لشراء الحبوب من المزارعين المحليين وإعادة بيعها للتصدير، مشيرة إلى أن أي أرباح ستعود إلى هذه الشركة المملوكة للدولة، وستدعم حكومة الاحتلال المحلي.

 

ومع ذلك؛ فمن غير المعروف إلى أين ستذهب الأرباح في الوقت الحالي.


وذكرت الصحيفة أن شركة الحبوب الحكومية قد أصدرت إعلانات على قنوات التواصل الاجتماعي المحلية تدعو من خلالها المزارعين إلى "التعاون" من خلال بيع الحبوب في نقاط التسليم بسعر محدد.

 

وفي شريط فيديو ترويجي أُرسل إلى المزارعين المحليين؛ يقف بوسيل أمام قطار روسي مليء بالحبوب المحلية، في حين يعلن تعليق صوتي أنه يتم دعم المزارعين وأنه قد عُثر على مشترين في روسيا وسوريا وتركيا وإيران.


وقال مالكو ومديرو الأعمال الزراعية الأوكرانيون الذين فروا من المنطقة المحتلة لصحيفة "فاينانشال تايمز" إن شركة الحبوب الحكومية تعيد بيع الحبوب المسروقة من مستودعاتهم أو حصادها من الحقول التي كانوا يمتلكونها سابقًا.

 

ومن جهته؛ يقول مدير إحدى الشركات التي تمت مصادرتها، والتي كان مقرها الرئيسي في بيرديانسك؛ ميناء في زاباروجيا المحتلة: "إثر تشكيلهم للحكومة، قاموا بإنشاء هذه الشركة مدعين أنها ستتعامل مع مشتريات الحبوب. لقد استولوا على مخازننا. والآن، هم يقومون بما يسمى أنشطتهم التجارية هناك".


وقامت شركة الحبوب الحكومية بتسمية عنوان العمل باعتباره تابعًا لها، مدرجَا ضمن عشرات من نقاط تجميع الحبوب الخاصة بها، ويضيف المدير: "لا خيار أمام المزارعين؛ إما تسليم الحبوب، أو سيتم أخذها بالغصب".


وقال بوسيل في الفيديو الترويجي، مؤكدًا أن شركة الحبوب الحكومية قد استولت على أصول أوكرانية: "لقد وجدنا أصلًا مهجورًا، وسنأخذه تحت سيطرتنا الأمنية، وسنقوم بجرد كامل. نحن نسعى إلى خلق الظروف الملائمة للموظفين لمواصلة العمل".


وأشارت الصحيفة إلى أنه عند الاتصال بمديرَي كلا الفندقين التابعين لـ"بوسيل" قالا إنهما لم يروه منذ فترة طويلة، وقال موظفون آخرون لصحيفة "فاينانشيال تايمز" إنهم لا يعرفون كيفية الاتصال بالمالك. 


ومن أجل بيع البضائع، وفقًا للصحيفة؛ تحتاج شركة الحبوب التابعة للدولة لنقلها إلى الخارج.

 

ففي 13 آب/ أغسطس؛ وقع المسؤولون على الأوراق، التي اطلعت عليها صحيفة "فاينانشال تايمز"، لتصدير 2675 طنا متريًّا من القمح المطحون عبر بيرديانسك.


وتابعت الصحيفة قائلة إنه لإقناع المشترين المحتملين بأن الحبوب آمنة وصحية ويتم التعامل معها بشكل صحيح، أنتجت السلطات في المدينة الكثير من المستندات حول أصولها، وقد اطلعت "فاينانشال تايمز" على حزمة منها.  

 

 

 


وفي وثيقة أخرى؛ نقلتها الصحيفة، كتب قبطان السفينة، فيكتور سمولسكي، ملاحظة قصيرة باللغة الإنجليزية "أنا، قبطان سفينة "باول"، الحاملة لعلم سوريا، أعلن أنني توقفت عن التحميل. لقد تم تعبئة السفينة بالكامل".


وقد يتم تحميل عدد قليل من السفن في ميناء محتل لأنه يخاطر بالعقوبات واهتمام السلطات الأوكرانية، التي تلاحق السفن المشتبه في احتوائها على حبوب منهوبة.

 

ومع ذلك؛ فإن السفن التي ترفع العلم السوري مثل "باول" تتردد باستمرار على الموانئ الأوكرانية المحتلة، وغالبًا ما تنقل الشحنات مباشرة إلى سوريا.

 

 

 


وسردت الصحيفة قصة السفينة "باول" والتي تعتبر غير عادية إلى حد ما؛ فهي مملوكة أيضًا لشركة بريطانية مسجلة، ويُذكر أن شركة "باول" للشحن محدودة المسؤولية مسجلة في عنوان افتراضي في بلومزبري، وسط لندن، ولا يبدو أن لها أي وجود في الموقع، وقد قالت الشركات في نفس العنوان إنها لا تعرف شيئًا عن جارتها المزعومة. 

 

اقرأ أيضا:  انزعاج دولي من وقف روسيا تصدير الحبوب بعد استهداف القرم

وذكرت الصحيفة أنه قبل وصول السفينة "باول" إلى أوكرانيا المحتلة، عكست "باول" مساراتها، ثم فجأة، في وقت مبكر من مساء يوم 10 آب/ أغسطس، أوقفت السفينة تشغيل نظام الإشارات واختفت عن الرادار، وعادت للظهور في 15 آب/ أغسطس في مضيق كيرتش.


وحسب الصحيفة؛ تم الإبلاغ عن زيادة عمقها في الماء، أي أنه تم تحميلها بالبضائع.

 

وخلال الأسبوعين التاليين؛ تباطأت سرعة السفينة المحملة بالقرب من المضيق.

 

وقد يفترض مراقب غير رسمي أنه قد تم تحميلها في مضيق كيرتش.


تم إعداد مجموعة ثانية من الوثائق، والتي اطلعت عليها أيضًا صحيفة "فاينانشال تايمز"، لدعم هذه الفكرة.

 

وأعادت الوثائق، التي تشمل شهادات المنشأ، وبيانات الشحن، الموقعة جميعها في الأيام الأخيرة من شهر آب/ أغسطس، تحديد مصدر الحبوب.

 

 

 

 

وفي هذه الوثائق الجديدة؛ لم يُذكر أن السفينة غادرت من ميناء بيرديانسك، وإنما من ميناء كافكاز، وهو مركز روسي يشتهر حاليًا بغسل عمليات نقل الحبوب غير المشروعة من أوكرانيا.


ويضيف وجود المجموعتين المتوازيتين من الوثائق وزنًا للشكوك حول دور ميناء كافكاز في توفير غطاء للتدفقات الضخمة للحبوب التي تشق طريقها من أوكرانيا المحتلة عبر الموانئ التي تسيطر عليها روسيا.

 

ولفتت الصحيفة إلى أنه بالنسبة لشحنة "باول"، كان لشركة "جيوس" الروسية دور رئيسي في تسهيل المشروع، وأظهرت سجلات الأعمال الروسية أن مالك الشركة، رجل الأعمال الروسي إيغور بوزيدييف، عمل في تجارة الحبوب في المنطقة وخارج شبه جزيرة القرم المحتلة لسنوات عديدة، والذي يقر بأن عمله كان يقتصر على نقل الحبوب في سفينة باول، لكنه ينفي بشكل قاطع أن الحبوب جاءت من أوكرانيا المحتلة، ووصف أي وثائق يُزعم أنها تظهر خلاف ذلك بأنها "مزيفة"، ويقول إن الحبوب وصلت إلى ميناء كافكاز بالقطار.

ولفتت الصحيفة إلى أنه وفي مطلع شهر آب/ أغسطس الماضي؛ في نفس الوقت الذي كانت فيه سفينة "باول" تبحر حول مضيق كيرتش، تلقى أكبر أسغاروف مكالمة هاتفية من زميل قديم.

ولم تكن لدى رجل الأعمال الأذربيجاني، الذي يمتلك شركة إنشاءات مقرها إسطنبول تسمى مجموعة "نورث ويست يابي"، خبرة في تجارة الحبوب، من خلال حسابه الخاص.

 

 




يعتقد أسغاروف أنه وجد مشتريًا مستعدًا لدفع 380 دولارًا مقابل طن من القمح ولكن بعد انخفاض أسعار القمح في تركيا، انسحب الزبون، وأبدى رجل الأعمال البالغ من العمر 60 عامًا عدم مبالاته بشأن العمل كوسيط، ويقول أسغاروف إنه لم تكن لديه أدنى فكرة عن أن مصدر الحبوب ربما يكون من الأراضي الأوكرانية المحتلة.


وذكرت الصحيفة أن سفينة باول لم تمكث طويلًا في مدينة سامسون التركية، فبعد فشل عملية البيع لشركة نورث ويست غروب يابي تحركت قليلاً على طول الساحل، إلى مدينة تركية ساحلية صغيرة تسمى سينوب.

 

في 10 أيلول/سبتمبر، التقط يورك إيشيك، الذي يدير شركة الاستشارات البحرية "بوسفوروس أوبزيرفر"، صورة للسفينة وهي ترسو على بعد أميال قليلة من ساحل سينوب، ثم عطلت السفينة أنظمة الإشارات واختفت مرة أخرى.

 

وظهرت مرة أخرى بعد بضعة أسابيع في شرق البحر الأسود بعد أن تخلصت أخيرًا من حبوبها.


وأكدت الصحيفة أنه من المحتمل أن المشترين الأتراك يكرهون شراء البضائع ليس فقط بسبب السعر، ولكن أيضًا بسبب القلق من التورط في مشاكل مع السلطات الأوكرانية.

 

وأبلغ التجار عن زيادة التدقيق في الموانئ التركية.

 

ومع ذلك؛ يبدو أن البيروقراطية الروسية توضح أصول القمح؛ حيث تحتوي قواعد بيانات الموانئ الروسية التي يمكن الوصول إليها بشكل عام على تفاصيل تحركات سفينة باول.  


وأشارت الصحيفة إلى أنه رغم الأوراق البحثية المراجعة التي تتضمن ملاحظة من القبطان، سمولسكي، تفيد بأن القارب كان محملاً بالحبوب في ميناء قفقاس الروسي في 11 آب/أغسطس، لكن قاعدة بيانات الموانئ الروسية تظهر أن باول غادرت ميناء قفقاس مساء 10 آب/ أغسطس، ولم تكن تحمل أي شحنة في ذلك الوقت.

 

أبحرت شمالاً إلى بلدة "آزوف"، في إشارة قد تعني أنها ذهبت إلى روسيا أو إلى ساحل آزوف في أوكرانيا المحتلة.


وتقوض صور الأقمار الصناعية الجدول الزمني الروسي؛ حيث تظهر باول في الصور التي التقطتها شركة التصوير الأمريكية بلانيت لابز في ميناء قفقاس في صباح يوم 9 آب/أغسطس، قبل يوم من إيقاف تشغيل جهاز الإرسال والاستقبال لتتبع اللاسلكي الخاص بها.

 

وفي هذا السياق، قال بوزيدايف إن السفينة أبحرت في الواقع إلى تمريوك، وهو ميناء روسي مجاور، ليتم شحنها.

 

لكن لم تظهر أي سفينة تطابق باول على صورة الأقمار الصناعية للميناء أو في مرسى في صباح يوم 13 آب/أغسطس، ومع ذلك؛ فإن الصور من بلانيت لابز تُظهر سفينة بحجم ولون باول تصل ويتم تحميلها بمادة بلون الحبوب في 12 و13 آب/أغسطس في ميناء بيرديانسك المحتل تمامًا كما توضح المستندات الأصلية.


وأوضحت الصحيفة أن أي سفينة تتجه إلى ميناء بيرديانسك الهادئ تبدو مريبة ومشكوك في أمرها.

 

ففي الشهر الذي سبق هذه الشحنة، التقطت صور الأقمار الصناعية سفينة شحن أخرى تدخل ميناء بيرديانسك، وغادرت في منتصف تموز/يوليو، ويبدو أن الوجهة النهائية لشحنة باول كانت ميناء هوبا شرقي تركيا الذي لا يحظى برقابة شديدة، ويقع بالقرب من الحدود الجورجية، في 26 أيلول/سبتمبر، وقد نشرت سلطات الميناء صورة لباول راسية في مخازن الحبوب في هوبا.

 

 


واختتمت الصحيفة التقرير بالقول إن بوزيداييف رفض تأكيد المكان الذي بيعت فيه الحبوب واكتفى بالقول بأنه في نهاية المطاف تمكن من بيع الشحنة للأتراك الذين اقتنعوا بصحة الوثائق الروسية التي قدمتها لهم. فيما يتعلق بالمزاعم التي تفيد أن الحبوب قادمة من بيرديانسك فهي واهية.

 

التعليقات (0)