صحافة دولية

WP: مئات المتقاعدين الأمريكيين بنوا قوة الإمارات العسكرية

تدفق المحاربين الأمريكيين القدامى المستعدين لبيع خبراتهم ساعد الدولة النفطية الصغيرة على بناء أقوى جيش في العالم العربي
تدفق المحاربين الأمريكيين القدامى المستعدين لبيع خبراتهم ساعد الدولة النفطية الصغيرة على بناء أقوى جيش في العالم العربي
كشفت صحيفة "واشنطن بوست" في تحقيق لها عن دور المتقاعدين العسكريين الأمريكيين في توجيه سياسات الإمارات العربية المتحدة بالمنطقة.

وأشارت ضمن تحقيق أوسع عن المناصب التي تولاها المتقاعدون الأمريكيون في خدمة الحكومات الأجنبية؛ في السعودية وبقية دول الخليج وأستراليا ودول أخرى، إلى أن المتقاعدين حصلوا على رواتب خيالية لقاء الخدمات التي قدموها لهذه الدول.

وقالت إن أسخن سوق للوظائف بالنسبة للمتقاعدين من الخدمة في القوات الأمريكية هو في دولة خليجية صغيرة تعتمد في معظم جيشها على استشارات العسكريين الأجانب والمرتزقة.

وطلب على مدى سبع سنوات سابقة 280 متقاعدا من الجيش الأمريكي الإذن للعمل في الإمارات، وأكثر من أي بلد آخر، حسب وثائق حصلت عليها الصحيفة بعد معركة قضائية ضمن قانون حرية المعلومات.

ويضم هؤلاء الذين عملوا للإمارات كمتعهدين ومستشارين، جنرالات تركوا بصماتهم على الحروب الأمريكية في الشرق الأوسط، ومن بينهم الجنرال المتقاعد من قوات المارينز جيمس ماتيس، الذي عمل مستشارا عسكريا للإمارات قبل أن يصبح وزير دفاع في إدارة دونالد ترامب.

وقالت الصحيفة إن تدفق المحاربين الأمريكيين القدامى المستعدين لبيع خبراتهم العسكرية لقوة أجنبية، وبموافقة من البنتاغون والخارجية الأمريكية، ساعد الدولة النفطية الصغيرة على بناء أقوى جيش في العالم العربي، حسب توصيف بعض الخبراء.

ومن ناحية المصالح القومية الأمريكية فنتيجة الخدمات كانت بمثابة اللعنة والرحمة، فعلى الرغم من بقاء الإمارات من أهم شركاء واشنطن بالمنطقة، إلا أن استعراض العضلات العسكرية دفع الدولة الصغيرة لإرسال قواتها لليمن وليبيا وزادت من نيران الحرب الأهلية فيهما. وفي الوقت نفسه زاد الكونغرس ومنظمات حقوق الإنسان في واشنطن من نقد الإمارات، بما في ذلك قرارها هذا الشهر التعاون مع روسيا وبقية أعضاء "أوبك+" لتخفيض معدلات إنتاج النفط بمليوني برميل في اليوم. وبنفس الوقت قامت وزارة العدل الأمريكية بالتحقيق بدور الدولة وتدخلها في الانتخابات الأمريكية.

وتقول جودي فيتوري، أستاذة الخدمات الأجنبية في جامعة جورج تاون: "راكم الإماراتيون تأثيرا كبيرا وتصرفوا أكبر من حجمهم، ولكنهم استخدموه لتقويض السياسة الخارجية الأمريكية فيما يتعلق بدعمنا لحكم القانون والديمقراطية ومكافحة الإرهاب" و"من الصعب النظر لهذا بأنه شيء جيد".

ويمنع القانون الفدرالي المتقاعدين من الجيش وقوات الاحتياط من العمل أو قبول هدايا من حكومات أجنبية بدون موافقة وزارة الخارجية والبنتاغون. والهدف هو منع المتقاعدين العسكريين من الوقوع تحت تأثير دول أجنبية أو الإضرار بالأمن القومي الأمريكي.

ويطبق القانون بشكل عام على المتقاعدين الذين خدموا عشرين عاما ويتلقون راتبا تقاعديا، ولأنه يمكن استدعاؤهم لأداء الواجب من جديد.

ورفضت الخارجية والبنتاغون مقابلة الصحيفة، ولكنهما ردتا على أسئلتها بالقول إنهما يحكمان على طلبات المتقدمين بناء على تأثيرها على السياسة الخارجية الأمريكية.

وفي سؤال حول ما إن ساهمت الخارجية بتسهيل تدخل الإمارات في اليمن وليبيا، نظرا للسماح للمتعهدين والجنرالات المتقاعدين بالعمل كمستشارين لها قالت: "كانت الإمارات حليفا استراتيجيا حيويا للولايات المتحدة وفي عدد من القضايا. ونهدف لمواصلة المساعدة لها كي تحسن من قدراتها والدفاع عن أراضيها ونحن واثقون من استمرار علاقتنا القوية معها".

وتعلق الصحيفة أن 280 من المتقاعدين الذين تم تحديدهم في السجلات هم جزء من العاملين العسكريين الأمريكيين في الإمارات. ويقدر الخبراء عدد الأمريكيين المتقاعدين العاملين في مؤسسات وشركات الدولة بالمئات. ولا يحتاج الأمريكيون الذين خدموا أقل من 20 عاما في الجيش لطلب موافقة عندما يحصلون أو يبحثون عن وظائف في دول أجنبية.

وقامت الإمارات بزيادة النفقات والبناء العسكري قبل عقد من الزمان، حيث خشيت من وصول الربيع العربي إلى أراضيها. ومنذ ذلك الوقت عينت القوات الحكومية والشركات الدفاعية المتقاعدين الأمريكيين في وظائف وقدمت لهم مغريات مالية ضعف أو ثلاثة أضعاف ما حصلوا عليه في أمريكا.

ويظل الإعفاء من الضريبة والأماكن السياحية والحياة الفارهة من ملامح الجذب للمتقاعدين. لكن البريق واللمعان في الإمارات يغلف القمع المزمن فيها.

وصنف "فريدم هاوس" المملكة المطلقة كواحدة من أقل البلدان حرية في العالم، لا انتخابات ولا أحزاب سياسية أو قضاء مستقل ويحظر نقد الحكومة وتمنع النقابات العمالية.

واستطاعت الإمارات التغلب على الانتقادات لسجل حقوق الإنسان من خلال ربط نفسها بالبنتاغون.

وقاتلت القوات الجوية الإماراتية إلى جانب القوات الأمريكية في أفغانستان وضد تنظيم الدولة في العراق وسوريا. وسمحت بتمركز 5.000 جندي أمريكي في قواعدها الجوية.

ومنذ عام 2012 أصبحت الإمارات ثالث مشتر للسلاح الأمريكي بعد السعودية وأستراليا حسب معهد استوكهولم لأبحاث السلام.

 وفي رسالة إلكترونية قال سفير أبو ظبي في واشنطن، يوسف العتيبة: "على مدى 50 عاما لم تلعب دولة دورا مهما في تقدم الإمارات كالولايات المتحدة" و"اعتمدنا على الخبرة الأمريكية في كل مجال تقريبا لبناء التكنولوجيا وتطوير اقتصادنا ولتعزيز وحماية مجتمعنا".

لكن المسؤولين الأمريكين والإماراتيين أخفوا القدر الذي تعتمد فيه الإمارات على المتعهدين العسكريين الأمريكيين.

وتكشف الوثائق التي حصلت عليها الصحيفة "أن الإمارات اعتمدت على الأمريكيين لإدارة كل ملمح من ملامح آلتها العسكرية. فهم يعملون كمستشارين استراتيجيين وفنيي مقاتلات ومدربين للطيارين ومشغلين للمسيرات وخبراء صواريخ دفاعية ومدربين للمدفعية ومتخصصين في الرادارات ومستشارين في الأمن الإلكتروني ومخططين في اللوجيستك ومشرفي صيانة. ومعظمهم من سلاح الجو الأمريكي، وثلثهم من المتقاعدين".

وحصل معظمهم على الوظائف عبر شبكة من المتعهدين الدفاعيين التي تسيطر عليها الحكومة الأمريكية. وأكبرها "إيج غروب"، المملوكة من مجموعة دفاعية بدخل سنوي 5 مليارات دولار.

 وتخفي الإمارات نفقاتها العسكرية، لكن المحللين يرون أنها تصل إلى 22 مليار دولار مثل نفقات تركيا. وبحسب "سي آي إيه" لدى سلاح الجو الإماراتي 65.000 جندي، كسلاح الجو في أستراليا وكندا.

وتعتمد الإمارات على الأجانب كي تبني قواتها تماما كاعتماد اقتصادها على المهاجرين الذين يمثلون نسبة 9-1، حسب أندريس كريغ، أستاذ الدراسات الأمنية في "كينغز كوليج" بلندن.

وإلى جانب المتعهدين المدنيين والمتقاعدين الأمريكيين، تملأ الإمارات صفوف قواتها من المرتزقة الذين تجندهم من أماكن عدة.

 وجاء الكثير منهم من باكستان، واليمن، وعمان، وجند آخرون من شرق أفريقيا وأمريكا اللاتينية.

ويقود جنرال أسترالي سابق الحرس الرئاسي الإماراتي المكون من 12,000 جندي.

وزادت الإمارات من اعتمادها على التعهدات الأمنية الأمريكية في عام 2010 عندما استخدمت إريك برينس، الرئيس السابق لشركة التعهدات الأمنية بلاكووتر وورلدوايد. وقتل أفرادها في عام 2007 14 مدنيا في بغداد.

وخدم برينس في قوات "نيفي سيل" قبل أن ينشئ الشركة على 7.000 فدان للتدريب في نورث كارولينا. وعمل برينس نيابة عن الإماراتيين لتجنيد آلاف المرتزقة من كولومبيا وجنوب أفريقيا ودول أخرى، حيث شكل قوات كوماندو دربهم في معسكر قرب أبو ظبي. ورغم فشل الوحدة إلا أن البلد واصل البحث عن خبرات قتالية وعسكرية خارج حدوده.

وفي نفس الوقت رحبت القوات الإماراتية بالمقدم ستيفن توماجان الذي عمل 20 عاما في القوات الأمريكية وتولى وحدة 18 في قوات العمليات الإماراتية الخاصة، وأصبح لاحقا في قيادة العمليات الجوية المشتركة.

وقدم توماجان معلومات متناقضة حول عمله كعسكري أو بصفته مدنيا، مع أن الإمارات تقدمه على موقعها الرسمي كميجر جنرال طيار ستيفن توماجان، حاصل على دكتوراة.

وتم التحقيق في وضع توماجان بعدما قدم طلبا للخدمة للبنتاغون عام 2014، لكن المسؤولين لم يقطعوا تقاعده أو يعاقبوه، لأنهم لم يستطيعوا إثبات أنه حصل على تعويضات مالية من الإمارات.

ولم يرد توماجان على أسئلة الصحيفة، وهو يعمل الآن مديرا لمركز البحث والإنقاذ الإماراتي ولا يتورع عن الحديث عن علاقاته مع رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد. وفي مؤتمر عقد بأيار/ مايو ألقى خطابا حيا فيه قادة الإمارات بأنهم "الأعظم في العالم".

ولعل أهم "مطبل" للإمارات هو جيمس ماتيس الذي وصف الإمارات بـ "اسبرطة الصغيرة" لقوتها العسكرية.

وقاد الجنرال بأربع نجوم القوات الأمريكية في الشرق الأوسط قبل أن يصبح وزير دفاع ترامب.

وفي شهادة مسجلة بالفيديو للاحتفال بمرور خمسين عاما على نشوء الإمارات، تذكر ماتيس زيارته الأولى للإمارات عام 1979 وكيف قام ببناء الثقة على مدى السنين مع الشيخ محمد وأثنى على قوات البلد بأنهم "رفاق الحرب الذين يعرفون القتال".

وما لم يذكره ماتيس هو عمله السابق في الإمارات.

وفي حزيران/ يونيو وبعد عامين من تقاعده من قوات المارينز، قدم ماتيس طلب موافقة للعمل في وظيفة مدنية بالإمارات وكمستشار عسكري. ووافقت قوات المارينز على طلبه في آب/أغسطس 2015 حسب الوثائق التي اطلعت عليها الصحيفة.

ولا يعرف طبيعة الدور الذي لعبه الجنرال. وعاد لخدمة حكومة ترامب في 2017.

ورفض ماتيس الحديث مع الصحيفة، لكن روبرت ترير، المدير المشارك لـ"كوهين غروب"، وهي شركة استشارات بواشنطن وعمل فيها ماتيس كمستشار بارز قال إنه قدم النصيحة للإماراتيين في "الملامح العملياتية، والتكتيكية، والمعلوماتية والأخلاقية" للعمليات العسكرية.

وحسب ترير لم يقبل ماتيس مالا من الإماراتيين باستثناء كلفة سفرياته، لكنه مدح في مذكراته التي نشرها بعد شهرين من كلمته في أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد وقلل من مظاهر القلق بشأن حقوق الإنسان في الإمارات. وقال: "تناقشت بشكل مستمر مع الذين يعتبرون في الحكومة حقوق الإنسان معيارا رئيسيا لسياستنا الخارجية" في إشارة لعمله كجنرال من أربع نجوم في إدارة باراك أوباما "الملكيات العربية والقادة الأقوياء لا يقومون بالإصلاحات بنفس الوتيرة التي يصر عليها المثاليون في حقوق الإنسان. ولكن تلك الدول وقفت معنا بعد هجمات 9/11 ولديها سجل أهم من المعادين لنا، الأنظمة القمعية مثل إيران وسوريا".

وماتيس ليس الوحيد المتقاعد الذي عمل لصالح الإمارات، فهناك تشارلس أف بولدي، الميجر المتقاعد من المارينز ورجل الفضاء الذي عمل في وكالة ناسا.

وفي عام 2016 سافر إلى أبو ظبي لتوقيع اتفاقية تعاون بين ناسا ووكالة الفضاء الإماراتية. وبعد تسعة أشهر من نهاية فترة بولدي مع ناسا تقدم بطلب موافقة للعمل كمستشار في الإمارات.

وفي الوقت الذي أخفت فيه البنتاغون رواتب المتقاعدين، إلا أن الوثائق كشفت عن رواتب جيدة في الإمارات، فضابط بارز متقاعد من وحدة "نيفي سيل"، فرقة 6 حصل على 348.000 دولار كراتب سنوي إلى جانب 54.000 كبدل سكن وسفريات. وقبل عقيد متقاعد 324.000 كراتب سنوي مقابل العمل كمستشار في الجيش الإماراتي.

وعادة ما يحصل المتقاعدون العسكريون الذين ينتقلون للعمل في الإمارات على رواتب بخمسة أرقام إلى جانب رواتبهم التقاعدية.

وعندما أنشأ الشيخ محمد كلية الدفاع الوطني بحث عن مدرسين أمريكيين، وتم إغراء البرفسور توماس دوهان، من أكاديمية سلاح الجو الأمريكي للعمل في البلد براتب 240.000 دولار إلى جانب بدل سكن بـ 49.000 دولار. وانتقل دانيال بالتروسيتس، العقيد المتقاعد من سلاح الجو للعمل كعميد للكلية براتب 338.000 دولار و53.200 دولار بدل سكن.

وحتى العاملون الأمريكيون المتقاعدون كفنيين ولحامين وصباغين يحصلون على أموال جيدة بـ 100.000 دولار سنويا.
التعليقات (0)