قضايا وآراء

الأسد والعالم والحياة مع الكيماوي

أحمد موفق زيدان
1300x600
1300x600
دعوة الأسد للعودة إلى الحظيرة الأممية، دولياً وعربياً، لم تكن وليدة الأيام الأخيرة، وما أُطلق عليه التطبيع العربي. لقد سبقت هذا محاولات أممية، يوم ساوَت المنظمة الأممية منذ بداية الثورة وبدعم من الدول الكبرى والصغرى؛ ممثلي الثورة السورية مع الطاغية في مفاوضات مباشرة، فأجلسوهم كطرفين متساويين، بل فضّلوا القاتل على ممثلي الثورة، بأن أبقوه ممثلاً لسوريا في كل المؤسسات الدولية، وهو الذي آثر استجلاب كل قطعان المليشيات الطائفية، ومعها المحتلون لقتل الشعب السوري، مخالفاً بذلك قوانينهم وقواعدهم التي وضعوها بأنفسهم.

حرص المحتلون على تجريب كل ما تفتقت عنه ذهنيتهم العسكرية على الشعب السوري، ليتفاخر وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو لاحقاً بأنه جرّب أكثر من 300 سلاح في حقل الرماية السوري، فرَدَ بها الروس عضلاتهم العسكرية، أملاً في جذب من يشتري أسلحتهم التي كان ضحيتها على مدى سبع سنوات في سوريا الأطفال والشيوخ والنساء.
يوم وافق المجتمع الدولي على الدخول في عملية سياسية ربما تستمر عقوداً، دون أفق زمني، تماماً كما حصل مع الفلسطينيين من قبل، وغيرهم، فهذا عنى للعقلاء فقط أن المجتمع الدولي يريد للطاغية وأعوانه أن يستمروا في تجريد الثورة من كل مكامنها العسكرية

يوم وافق المجتمع الدولي على الدخول في عملية سياسية ربما تستمر عقوداً، دون أفق زمني، تماماً كما حصل مع الفلسطينيين من قبل، وغيرهم، فهذا عنى للعقلاء فقط أن المجتمع الدولي يريد للطاغية وأعوانه أن يستمروا في تجريد الثورة من كل مكامنها العسكرية. وترافق هذا مع تسلل الدول والجماعات لواذاً عن دعم الشعب السوري وثورته، بدءاً بوقف برنامج تدريب ودعم عسكري أمريكي للجيش الحر، تبعه انحياز دول عربية وغير عربية للمحتل الروسي والإيراني، مستقوية بمعادلة أمريكية جديدة، وهي التخلي العسكري عن الجيش الحر، لكن الهدف الأساسي من وراء ذلك كان إرضاخ الثورة وإجبارها على التنازل شيئاً فشيئاً، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه، من غياب أي ظهير أو معين لها، مقابل جبروت إيراني وروسي، علا في الأرض، وما كان له أن يعلو لولا الرضا والتواطؤ والتعاون الدولي.

في أيار/ مايو الماضي سجّل التاريخ في أشد صفحاته سواداً، موقف منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، يوم دشنت حالة التطبيع مع النظام الكيماوي البرميلي، فمنحت العصابة الطائفية مقعداً في مجلسها التنفيذي، وهي التي تعرضت عشرات وربما مئات من مشافيها ومقراتها الصحية للقصف المتعمد على مدار العقد الماضي، على الرغم من إعطائها إحداثيات تلك المشافي للنظام وللروس، كما خسرت المنظمة عدداً من طواقمها  الطبية في تلك الضربات الروسية والإيرانية والأسدية.

الأسوأ من ذلك أن المنظمة التي وثقت أكثر من 335 ضربة كيماوية للأسد في أنحاء سوريا، على مدار عشر سنوات من الثورة، هي نفسها المنظمة التي دعت النظام الكيماوي ليكون مقرراً ومنفذاً ووصياً في  مجلسها التنفيذي، فأي عالم نحن فيه؟!
مجيء بايدن إلى السلطة وعدم اكتراثه بالوضع السوري، في ظل انشغاله بالوضع الأفغاني وفضيحة الانسحاب المخزية من هناك، دفع الملك الأردني عبد الله الثاني إلى فتح كوة في الجدار الأمريكي الذي كان مهيأً لذلك، فعرض ما عُرف بسياسة الخطوة خطوة، على غرار سياسة كيسنجر من قبل، بحيث يبتعد النظام شيئاً فشيئاً عن إيران، وهو الوهم والسراب

كان قانون قيصر قد شكل نافذة أمل جديدة للسوريين الذين عوّلوا على الحل السياسي، ما دام معتمداً من قبل الكونغرس الأمريكي، بشقيه الجمهوري والديمقراطي، لا سيما أن القانون يفرض عقوبات على الدول المتعاونة مع النظام الكيماوي، إلاّ أن مجيء بايدن إلى السلطة وعدم اكتراثه بالوضع السوري، في ظل انشغاله بالوضع الأفغاني وفضيحة الانسحاب المخزية من هناك، دفع الملك الأردني عبد الله الثاني إلى فتح كوة في الجدار الأمريكي الذي كان مهيأً لذلك، فعرض ما عُرف بسياسة الخطوة خطوة، على غرار سياسة كيسنجر من قبل، بحيث يبتعد النظام شيئاً فشيئاً عن إيران، وهو الوهم والسراب الذي ظل يلاحقهم منذ حكم أبيه حافظ الأسد، ولم يحصل، بل وتعزز أكثر فأكثر لنراه في صورته الحالية، ومع هذا يصرّون على التجريب، وبالتأكيد يعرفون النتيجة. بدأ الأمر بسياسة الخطوة خطوة، لكن لا علاقة لهذه الخطوات بحقوق الشعب السوري، ولا علاقة لها البتة بإعادة 14 مليون مشرد، ولا بنصف مليون شهيد، ونصف مليون جريح ومعتقل، بل كلها مرتبطة بحقوق القاتل الجزار، ومن عليه أن يدفع الثمن هو هذا الشعب الذي تمرّد على قاتله.

ربما كان ما نشرته الواشنطن بوست أخيراً أكد أن بايدن غير معني بفرض أي عقوبات على من يعيد العلاقات مع النظام السوري، ويطبع معه، وإلاّ لما تجرأ أحد على الإقدام على هذه الخطوة، ولكن على ما يبدو فإن الانسحاب الأمريكي من نقاط ساخنة عالمياً، وآخرها الانسحاب من العراق نهاية هذا العام، وتراجع دورهم على المستوى العالمي، وما تروجه روسيا وغيرها للانسحاب من سوريا، كله ربما يشجع أطرافاً دولية وإقليمية على التموضع الجديد، ويساعد النظام في مشروعه بقتل من تبقى من الشعب.
كل التآمر الذي حصل ويحصل على الثورة السورية، على مدار عقد كامل، لم يفلح في تعويم العصابة الكيماوية، فالشعب السوري بملايينه، قد صوّت بأقدامه يوم آثر التشرد والهجرة على العيش والسكن في ظل عصابة طائفية كيماوية

كانت دولة الإمارات العربية المتحدة قد سبقت الجميع يوم تحدّت قانون قيصر، واستأنفت العلاقات الدبلوماسية مع العصابة، دون أن تتعرض لمعاقبة أمريكا ترامب، مما شكل خيبة أمل لدى السوريين الذين علقوا الآمال على الموقف الأمريكي، وتتالت الدول العربية اللاهثة وراء العصابة البرميلية، من الجزائر وتونس قيس سعيد ومصر وغيرها.

كل التآمر الذي حصل ويحصل على الثورة السورية، على مدار عقد كامل، لم يفلح في تعويم العصابة الكيماوية، فالشعب السوري بملايينه، قد صوّت بأقدامه يوم آثر التشرد والهجرة على العيش والسكن في ظل عصابة طائفية كيماوية، فسوريا الشعب والأسد خطان متوازيان لا يمكن أن يلتقيا، ولعل في انتصار الأفغان بعد عشرين عاماً مسلاة له ولغيره، ودرساً لأعداء الثورة والشعوب.
التعليقات (0)