قضايا وآراء

تجربة تونس ودكتاتورية الأساتذة.. والحاجة للعودة لهيبة الأستاذ الجامعي

عبد الله الأشعل
1300x600
1300x600
تأملت في المشهد التونسي فأعاد إليّ ذكرى ما حدث في مصر في عام 1954. فالدكتاتورية لا تقف عند أعتاب العسكريين، وإنما تاريخها يمر بدكتاتورية القضاة والان يمتد إلى الأساتذة.

فالرئيس قيس سعيد أستاذ قانون عام ودستوري، وكنا نعتقد أن توليه منصب الرئيس سوف يساعد على تبصير الشعب التونسي بمبادئ القانون الدستوري وتنوير الشعب بحقوقه وواجباته، لأن قسماً كبيراً من أسباب الدكتاتوريات هو جهل الحاكم بالقانون، بل إن منظمة الشفافية الدولية في تقاريرها الأخيرة تؤكد أن الجهل بالقانون هو نصف الأسباب في فساد المسئولين في الدول المتخلفة، لكن الرجل الذي يفترض فيه أن يكون أول من يحترم الدستور أعلن إجراءاته الاستثنائية الدستورية، ثم جمع مجموعة من أساتذة القانون العام لكي يؤيدوه ويدعموا قراراته، ثم بدأ هذه الإجراءات.

وقرارات الرئيس تعتبر انتهاكاً فاضحاً للدستور التونسي، مع الاعتذار لكل التونسيين على تدخلي في شئونهم الداخلية، ولكن هناك صراعا ظهر إلى العلن بين أنصار الثورة وخصومها، وظهر الدكتور قيس سعيد من خارج دائرة الضوء فاقتحم الساحة من الجامعة وحصل على نسبة عالية في الانتخابات الرئاسية. وهذا كان يجب أن يثير انتباه الكثير من المراقبين.

وقد فهمت من قراءتي للمشهد التونسي أن حزب النهضة يتحكم في البرلمان، وأن الدستور التونسي الذي وضعته مختلف القوى السياسية جعل البرلمان يعلو على سلطة الرئيس، فأصبح الرئيس مشلولاً، وبدلاً من أن يلجأ الأستاذ الرئيس إلى القوى السياسية لكي تعدل الدستور؛ أخذ الأمر بيده، فجمع كل السلطات في يديه وعطل البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه، وحذر حزب النهضة من النزول في الشارع وإلا سيستعين بالجيش. ومعنى ذلك أنه يسعى بسبب عجزه السياسي إلى إعطاء الجيش فرصة ثمينة للانقضاض على السلطة، بحجة عجز السياسيين والمدنيين عن إدارة البلاد.

وقد تكرر هذا المشهد كثيراً في المنطقة دون تفصيل، فاتهمه حزب النهضة بأنه قام بانقلاب دستوري على الدستور. ويلاحظ أن قيس سعيد حدد لإجراءاته شهراً ولم يحدد ماذا بعد هذه المهلة، ولكنه فاجأنا بإلغاء الدستور تقريباً والإصرار على هذه الإجراءات وتقييد القضاء دون أن يلجأ الطرف الآخر إليه، علما بأن القضاء التونسي قد أثبت أنه فوق السياسة وحكمٌ بين المتخاصمين الكبار، بدليل أن رئيس المجلس الأعلى للقضاء رفض تأميم الرئيس للقضاء والنيابة العامة. ومعنى ذلك أن الانقلاب يمكن أن يكون بأدوات مختلفة ومنها الانقلاب الدستوري.

منيت المنطقة العربية بآفة الانقلابات العسكرية ولكن هذة المرة قام بالانقلاب أستاذ جامعي، فكيف نفسر ذلك؟!

التفسير نجده في التجربة المصرية، عندما تحدث جمال عبد الناصر في كتاب "فلسفة الثورة" الصادر من هيئة الاستعلامات التابعة لرئاسة الجمهورية المصرية عام 1954، حيث حدد جمال عبد الناصر رؤية العسكريين العرب للعلماء والأساتذة، ناهيك عن المدنيين والسياسيين.

وقد أنشأ جمال عبد الناصر طبقية غريبة بين العسكريين والمدنيين، وأما أعضاء العهد الملكي فهم أعداء الوطن ويستحقون الإعدام، وهو فقط ورفاقه حراس الوطن والمؤتمنون عليه. ولذلك قام بتصفية ثروة الباشوات بالتأميم والمصادرة وإعطائها لمن يعملون عندهم من الفلاحين والعمال، فخلق صراعاً طبقيا هائلاً بين طبقات المجتمع المصري. صفي من الحياة هؤلاء الباشوات بمحكمة الغدر أو محكمة الشعب بمرسوم بقانون رقم 344 لسنة 1952، وكأن الشعب قد فوضه في ذلك.

ولذلك تروى قصة طريفة تفيد في تفسير الوضع في تونس، وهي أنه في حكم عسكري لا علاقة له بالثقافة أو بالعلم قد استعان بالاطلاع على كتاب أحد الأساتذة الكبار في الاقتصاد، فاستدعاه إلى رئاسة الجمهورية وأبدى إعجابه بكتابه ثم عرض عليه منصب وزير الاقتصاد، فرحب الأستاذ، وعرض عليه نصف الوزارات الأخرى فرحب بها، فقال جمال عبد الناصر إنه لو عرض عليه جزرة نيئة لقبلها.

في هذه اللحظة أصبح الأستاذ في نظر العسكريين لا قيمة له في العلم ولا في الكرامة، فنكل بهم جميعاً، ووصل تنكيله مشيخة الأزهر التي أخضعها لسلطانه السياسي بقانون إصلاح الأزهر رقم 103 لسنة 1961. النتيجة أنه إذا كان العسكريون يتهمون الأساتذة، فإنهم يستزيدون اقتناعاً بذلك بسبب سلوك أساتذة كبار يرتمون تحت أحذية الحكام طمعاً في ذهبهم وخيفاً من سيفهم.

والتاريخ المصري لا يضيق بالأمثلة، وأعتقد أن هؤلاء فقدوا اعتبارهم لدى طلابهم ولدى الرأي العام وهم أساطين في العلم، ولكن الوطن لم يستفد منهم، وإنما سخروا أنفسهم لخدمة الحاكم طمعاً في عطايا السلطة، فهم شجعوا الحاكم على البطش بالشعب والدكتاتورية.

ولكن سلوك الرئيس التونسي سوف ينتهي باستيلاء الجيش على الدولة، لأن الجيش عادة يراقب تصرفات السياسيين ويتهمهم بالقصور والجشع السياسي، كما حدث في السودان في هذه الأيام، حيث اتهم البرهان، رئيس مجلس السيادة في السودان، المكون المدني الثوري بأنه يجري وراء السلطة وشعاراتها، فرد عليه رئيس الوزراء بتحميل الشق العسكري المسئولية عن تدهور الأوضاع وعدم الثقة في نوايا الشق العسكري في استكمال المرحلة الانتقالية المسئولة عن تدهور الأوضاع، واستكمال المرحلة الانتقالية إلى حكم ديمقراطي مدني.

فالرئيس التونسي يخاطر بدفع البلاد إلى دوامة لا يعرف نهايتها إلا الله، فإذا دخل الجيش إلى السلطة في تونس لن يخرج منها، ويكون قيس سعيد قد طبق المثل المصري: عليّ وعلى أعدائي، وحينها لن تفلح الثورة في تونس وسوف تلحق بأخواتها في الدول العربية.
التعليقات (1)
أبو العبد الحلبي
الأحد، 03-10-2021 01:38 م
لا يعني لقب " أستاذ دكتور" الذي يحمله قيس سعيَد أيَة ميزة له عن الآخرين كما لا يعني وجود تفوق موثوق فيه لديه. أنت و أنا، يا أستاذ دكتور عبد الله، أكبر سناً من " قيس " و لقد عاصر كلانا فترة تدهور أغلب الجامعات العربية من خلال "Politicization Processes" أو عمليات تسييس بقصد التخريب . كانت الجامعات فيها العقول النيَرة و الكفاءات الحقيقية التي لا تجعلها تحتاج إلى وصاية من أحد خارج الحرم الجامعي لكي تدير شؤونها و تتدبر أمورها في التدريس و الأبحاث أي كانت لديها استقلالية . ثم إنه تقرر تغيير ذلك بحيث يدير الجامعات أشخاص مراهقون فكرياً و فاسدون مفسدون لا يمتلكون الكفاءة بأسلوب مخابرات . قام هؤلاء بتسهيل حصول طلبة معينين على درجات "ماجستير ، دكتوراه" تمهيداً للمستقبل، و قام هؤلاء بتعيينات في الجامعات بناءً على الواسطة و المحسوبية ، و قام هؤلاء أيضاً بفرز الطاقم الأكاديمي الموجود من حيث الممكن ترقيته و الغير مسموح له بالترقية . كانت تتاح للقابلين للترقية الفرصة لتزييف الأبحاث المنشورة أو لشراء الأبحاث المنشورة و هنا حصلت نتيجتان : أولهما الصعود السريع لأشخاص مثلاً من رتبة أستاذ مساعد إلى أستاذ مشارك إلى بروفيسور و بالطبع من منصب إلى منصب ، و ثانيهما أن من ترقى بهذه الطريقة قد أوجد على نفسه مستمسكات ستجعله عبداً خاضعاً لا يمكنه التمرد على المنظومة السياسية القائمة . كان لي صديق مسيحي دكتور أكاديمي و كنت معجباً بصراحته و أمانته . ضغطوا عليه ليتقدم بطلب ترقية حتى يقال عن السلطة المتحكمة أنها "نصيرة للأقليات" . حين نال لقب "أ . د" ، باركت له على الفور فصدمني قائلاً " يا أبا العبد ، أ. د عندنا معناها الفعلي (أتيس دكتور أو أكبر دابة) " و قال لوالدي ،رحمه الله ، ما معناه "لا أنصح أحداً بالسعي لهذه الترقيات المزعومة في بلادنا ، لأن الثمن لهذه الألقاب باهظ". تبيَن لي فيما بعد أن الثمن قد يكون سقوطاً سياسياً أو أمنياً أو من خلال الانضمام للماسونية. من واقع تجربتي المتواضعة في الحياة ، لمست وجود أشخاص يحملون لقب بروفيسور و هم لا يستحقون سوى درجة ماجستير أو ربما أقل. يعني أشخاص مثل بروفيسور القانون "قيس" كان معطلاً للقانون عدواً عنيداً له و مثل بروفيسور أشرف غني يهرب من أفغانستان و حقائب سرقاته كان فيها ما لا يقل عن 169 مليون دولار نهبها من أموال شعبه الفقير . هذا السقوط المريع للبروفسورات يجعلني أوصي أبناء الأمة أن تخضع كل من يحمل هذا اللقب للتدقيق حتى لو كنت أنا من بينهم ، لا سمح الله .

خبر عاجل