مقالات مختارة

هل نحن مهددون حقا بخطر مضاعف؟

علاء الدين أبو زينة
1300x600
1300x600

من أكثر المواقف تعرية لعجز الإنسان هي أن يجد نفسه في مواجهة جبروت الطبيعة. تخيل شخصاً يداهمه سيل هائج من المياه في سيارته ويجرفهما معاً؛ أو مدينة يضربها تسونامي، أو حيّاً تحاصره النيران في غابة محترقة؟ لن يكون بالوسع عمل شيء في الغالب، وستكون الخسارة مضمونة. وكما نرى الآن، فلا الولايات المتحدة، ولا الصين، ولا اليابان ولا أي قوة في العالم قادرة على أكثر من رد الفعل ومحاولة تقليل الخسائر أمام مظاهر الطبيعة المتطرفة، مثل الأعاصير وموجات الحرارة والفيضانات.


الآن، يناضل الكوكب كله تقريباً أمام هجمات ظواهر الطقس التي تهاجم في كل مكان وفي أوقات متقاربة. ثمة حرائق الغابات في أستراليا، وروسيا، وإيطاليا، وأميركا، وكندا، وتركيا، واليونان، ولبنان، والجزائر. وهناك موجات الحر التي تشهد معها مختلف مناطق العالم ارتفاعات في الحرارة تُوقع قتلى ومصابين. وهناك الفيضانات غير المسبوقة التي تدمر وتقتل نتيجة للأمطار السريعة غير المألوفة، أو الانخفاض الشديد في معدلات سقوط الأمطار التي تخلف الجفاف ونقص المياه وتلف المحاصيل.


ولسنا غريبين عن هذا الظواهر في المنطقة العربية، ولا في الأردن. فنحن نشهد أيضاً ظواهر قلة الأمطار في الشتاء، والأمطار البرقية التي تهطل بكميات في وقت قصير فتسبب السيول التي تدمر الممتلكات وتزهق الأرواح. كما نشهد موجات الحر الصيفية المتكررة غير المألوفة التي تشهد ارتفاعات قياسية في درجات الحرارة. وتزيد هذه الظواهر من الضغط على قلة المياه في الأردن بما تشكله من خطر استراتيجي.


في التفسير، يؤكد العلماء أن كل هذه الهجمات التي تشنها الطبيعة بضراوة مطردة تجيء نتيجة للاحترار الكوني، أو الاحتباس الحراري، الناجم عن إتلاف تركيبة الغلاف الجوي بسبب الغازات التي يتسبب البشر بإطلاقها في الجو بكميات خطرة. وبذلك، تضيف البشرية إلى حروب التوسع والهيمنة والاستيلاء التي تشنها على نفسها وتفني الملايين من الناس في العالم، حرباً كيميائية من أسوأ وأبشع نوع، والتي ربما تضع حداً للوجود البشري في العالم جملة وتفصيلاً. وأينما اتجهت الآن، سوف تقرأ في كل مكان تقريباً عن «نهاية العالم» و»يوم القيامة» –ليس كتصورات للمستقبل وإنما كعملية بدأت فعلياً، بشهادة حوادث المناخ التي تلف العالم وتدمر وتقتل من دون أن يتمكن من إيقافها شيء.


بالنسبة لنا، نحن كالعادة تحت رحمة أقوياء العالم المسؤولين عن أكبر قدر من انبعاثات الغازات التي تتلف الغلاف الجوي. وسوف يترتب علينا أن نواجه، بلا إمكانيات تقريباً، ارتفاعات الحرارة وانخفاض معدلات الأمطار ومواسم الجفاف، بما يعنيه ذلك من الإضافة إلى عبء أكثر من كافٍ مسبقاً.


وثمة خطر وشيك آخر، مرتبط بتغير المناخ، يهدد بقلب ترتيباتنا في هذه المنطقة رأساً على عقب: الاتجاه إلى التخلي عن الوقود الأحفوري (النفط) والبحث عن مصادر بديلة للطاقة في مجالات الطاقة المتجددة. ويبدو أن الضغط يزداد بكثافة في هذا الاتجاه، لأن إيجاد بدائل خضراء للنفط يصبح باطراد مسألة وجودية –وليست محلية، وإنما تتعلق باستمرار حياة البشر على الكوكب أو المغامرة بانتهائها.
بطبيعة الحال، تتفاوت التقديرات للوقت الذي سيستغرقه الابتعاد عن الوقود الأحفوري وتكييف الأدوات البشرية بحيث تشتغل على مصادر أخرى للطاقة، لكن إلحاح الحاجة إلى تسريع هذا التكيف وتنويع مصادر الطاقة البديلة ربما يجعلان هذا الوقت أقصر مما يظن البعض. وإذا حدث ذلك، فسوف يشعر كل فرد في هذه المنطقة بالآثار الزلزالية لهذا التحول.


في الأساس، يلعب النفط واحداً من أهم الأدوار –إن لم يكن أهمها على الإطلاق- في تحديد عمل هذه المنطقة وحركتها. ويغلب أن تكون دولنا إما منتجة للنفط، وتدير بذلك اقتصادات ريعية لم تشتغل جدياً على إيجاد بدائل إنتاجية، أو مصدّرة للعمالة إلى دول النفط الغنية، حيث يُحوِّل مغتربوها مقادير كبيرة من الأموال التي تسهم في عجلة الاقتصادات المحلية. وفي حال انتهت الحاجة إلى النفط وضبطت دول المنطقة غافلة، كما هي، فسوف ينهار الترتيب كله ولن ينجو أحد –حرفياً.


بطبيعة الحال، ما يزال عمالقة الصناعة وتجار الهيدروكربونات يكذّبون علماء المناخ ويستخدمون نفوذهم لإدامة مصادر ربحهم. ودائماً ما كان الجشعون هم مشعلو الحرائق –حرفياً ومجازياً- حيث الأرواح والأقدار والبشرية كلها هي الضحية الأخيرة.

 

الغد الأردنية


0
التعليقات (0)