قضايا وآراء

من يحمي الفلسطيني من سلطته الفاسدة؟

نزار السهلي
1300x600
1300x600
الأمر الطبيعي أن تمارس الشعوب حياتها الديمقراطية في ظل السيادة والاستقلال، وليس تحت حراب الاحتلال والاستيطان وسيطرة قوة استعمارية. والأمر غير الطبيعي أن تمارس سلطة تحت الاحتلال ممارسته ضد شعبها.

في الحالة الفلسطينية المثقل كاهلها بالاحتلال والسلطة الفلسطينية التي تشكل مرجعية الاحتلال الأمنية في برنامج عملها وإدارتها للمناطق المحتلة؛ هناك كثير من شواهد الزور المبددة للحقوق الوطنية الفلسطينية وللحقوق المدنية، لشعب ما زال يقاوم الاحتلال ويقوم بالدفاع عن عروبة القدس ولإزاحة المستوطنات وعودة اللاجئين، والتأكيد على وحدته في الداخل والخارج وعلى وحدة كفاحه واستمرار نضاله.

ما جرى في الساحة الفلسطينية في الشق السياسي والأمني، في الأسابيع والأيام الأخير عقب تصفية الناشط نزار بنات، وما تفتقت عنه المواقف الرسمية للسلطة الفلسطينية على صعيد استخدام القوة والعربدة والبلطجة والتشبيح، ضد الشارع الفلسطيني الغاضب من سلوك السلطة وأجهزتها، يعيدنا لتناول المستوى الهابط الذي توقفت عنده منذ سنوات طويلة سلطة رام الله، لكن تطور موقفها وتبلور في الانحياز الفاضح لمؤسسة الاحتلال الأمنية باستنساخ وسائله القمعية ضد الشارع الفلسطيني.

المطالب بلجنة تحقيق مستقلة أو دولية لكشف ملابسات تصفية بنات، أمور تعني سقوطا مدويا لمصداقية "المؤسسات الوطنية" التي تتغنى السلطة بإنجازاتها. والأمر الآخر مثار الانتباه هو تكرار المظاهرات المطالبة رئيس السلطة بالرحيل، هو ووظيفته القمعية.

فحين يجد الشارع الفلسطيني نفسه محاطا بعدو استيطاني استعماري وقاتل، وبسلطة تسلط التنسيق الأمني على رقاب الشعب الفلسطيني، فهذا انهيار مريع على الساحة الفلسطينية، ويفرز واقعاً جديداً يضع كل الفصائل الفلسطينية مع حركتي فتح وحماس في وضع صعب، ويزيد من تفاقم الأزمة التي تعيشها الحركة الوطنية الفلسطينية المسترخية عند رواتب آخر الشهر، مع نشوء مواصفات وأبعاد "نضالية تنظيرية" بالمطلق بعد أوسلو؛ ولدت نزيفا في كوادر وقواعد العمل النضالي مع تغير البرامج والشعارات، والخطاب السياسي المجتر لفشل تاريخي منيت به أوهام السلطة الفلسطينية.. فمن الطبيعي أن تصل الحالة الفلسطينية لما وصلت إليه، لمقدماتها ومرتكزاتها المأساوية والكارثية على قضية شعب يتطلع في المقام الأول لحريته من الاحتلال.

قبل عقدين وفي المرحلة التي أعقبت التوقيع على اتفاق اوسلو، رفعت قوى المعارضة في الساحة الفلسطينية شعاراتها المعارضة لسلطة أوسلو، كما نسمع اليوم التنديد بسياساتها عقب كل حالة قمع للشارع الفلسطيني ومحاولات تكميم أفواهه، ورفض كلي من بعض الفصائل لسياسة التنسيق الأمني ولخيار المفاوضات العبثي.

تجربة "المعارضة" الفلسطينية مع الشارع أثبتت فشلها وعجزها عن تحقيق برامجها وأهدافها، ولم تستفد الفصائل والأحزاب الفلسطينية من مواقعها لا في الضفة ولا في غزة ولا في الشتات؛ في تثبيت نفسها لحماية الإنسان الفلسطيني فوق أرضه، ولا في تثبيت صيغة وحدوية رغم التضحيات الكبيرة للشعب الفلسطيني.

ورغم المعارك التي خاضها بمواجهة الاحتلال، تتراجع يوما بعد يوم مكانة منظمة التحرير وفصائلها وقواها وأحزابها في الشارع، حيث تجري عملية تذويب وتهميش متواصلة منذ أكثر من عقدين لدورها ومكانتها، بدلاً من أن تكون مرجعية حقيقية لحماية الفلسطيني وحقوقه.

تكريس واقع الحال الفلسطيني، المؤسس لكيان تحت الاحتلال، مضبوط ومقموع بشكل مزدوج من السلطة والاحتلال، ومحاصر عربيا ومخترق بالتآمر والتطبيع، ويتعامل مع نتائج العدوان المتواصل على الشعب الفلسطيني وعلى أرضه كأمر واقع لا يمكن تجاهله للتسليم بنتائجه والقبول بها؛ فتلك مستحيلات فلسطينية عجزت عقلية فلسطينية رسمية عن فهمها تاريخياً، وعجزت عقلية عربية عن تطويعها أو إعادة تدويرها.

أحداث الصراع وتاريخه شواهد حق على ذلك، وما فشلت به المؤسسة الصهيونية لن تناله أدواتها العربية والفلسطينية الرسمية.

يدرك الفلسطينيون في الشارع أنهم أمام مهمة بناء مجتمع فلسطيني حر، إلى جانب مهمة التحرر الوطني، وهذا يتطلب توفير مبادئ في القانون وعدم التمييز في الحقوق، واحترام حقوق الإنسان وضمان حرية الفكر والصحافة والإبداع والنقد. وتلك مهام مجتمعة كانت عدواً للسلطة الفلسطينية وللاحتلال، ودونها لا تمكن حماية الشعب الفلسطيني بشعارات ومؤتمرات صحفية، بينما بلطجية السلطة تمارس خدماتها في تكريس القمع. فما يحمي الفلسطيني من الاحتلال هي إرادته، لكن من يحمي الشعب الفلسطيني من سلطته الفاسدة القمعية، وتلك الحرية والحريات التي يطالب بها؟ وهي أمور طبيعية لا تناسب سلطة هي بالأساس غير طبيعية، كونها من رحم أوسلو وابنة للتنسيق الأمني مع محتلها ومع من يشبهه في مواقع الاستبداد العربي.

twitter.com/nizar_sahli
التعليقات (0)