قضايا وآراء

الأزمة الفرنسية.. الحقيقة وما يجعلنا محقين

هشام الحمامي
1300x600
1300x600
الكاتب والمؤرخ الفرنسي الشهير إيمانويل تود (69 عاما) كتب عام 2015م كتابا مهما بعنوان "من هو شارلي؟- سوسيولوجيا أزمة دينية"، قال فيه بشكل صريح وقاطع؛ إن التركيز على الإسلام يعكس في الحقيقة وجود حاجة مرضية في أوساط الطبقات المتوسطة والعليا لتوجيه سهام الكره في اتجاه ما.. (الاسلام)، كراهية الأجانب التي كانت حكرا في الماضي على الشرائح الشعبية، صارت الآن شعار النخبة والطبقات الميسورة التي تبحث عن كبش فداء من خلال الإسلام. ما نراه مجرد كذبة كبرى تخفي وراءها أيديولوجية إقصائية عنيفة، تستخدمها النخبة السياسية الحاكمة للتغطية على نفاقها، حيث تحشد الجماهير للدفاع عن مبادئ الجمهورية الفرنسية، في حين خانتها هي منذ عقود. (لاحظ أن هذا الكلام منذ خمس سنوات مضت!).

ويتساءل الكاتب المحترم: "بأي حق تنادي الحشود بحرية تشويه النبي محمد في رسوم كاريكاتورية، وأي منطق هذا الذي صار يجعل من تشويه صورة الإسلام والمسلمين حرية تعبير؟ إنه مجرد استعراض عضلات على أقلية من المسلمين والعرب، وإصرار على تحميلهم مسؤولية الأزمات التي تعصف بالمجتمع الفرنسي على كل المستويات".. ودعا تود في كتابه الوثيقة إلى ترك المسلمين يعيشون باطمئنان في فرنسا، لأنه مهما كانت درجة اندماجهم في المجتمع الفرنسي (أي المسلمون)، فهم أيضا بشر ولذا يجب الكف عن الضغط عليهم في كل مرة.

* * *

إذا استندنا لما قاله إيمانويل تود وقرأنا المشهد الفرنسي في سياقه الأوسع والأوروبي تحديدا، سنجد أن أوروبا كلها تعيش خلال السنوات الخمس الأخيرة حالة تبدو مثيرة ومختلفة عن العقدين الأخيرين، وتحديدا منذ عام 2014م، حين بدأت أحزاب اليمين المتطرف الدخول بقوة إلى ساحة المشهد السياسي، وكان طبيعيا والحال كذلك أن تكون موضوعات اندماج الأجانب وسياسات التعدد الثقافي - التي كانت قد تشكلت في الوعي العام الأوروبي على نحو منفتح ومتقدم - أن نجدها تأخذ مسارا آخر.

تاريخيا؛ اليمين المتطرف ليس جديدا على أوروبا التي عرفته كثيرا من قبل خلال القرن الماضي، لكن حضوره بصوت صاخب خلال الفترة الأخيرة له ما يفسره - لا ما يبرره - خصوصا بعد الأزمات المتشابكة التي تتخبط فيها القارة القديمة من سنة 2008م. ومن أطرف ما قرأت تعليقا على هذه الظاهرة، أنه إذا كانت العدالة والمساواة هي مرجعية وخطاب اليسار، والحرية والتعدد هي مرجعية وخطاب اليمين، فإن الخطاب الصريح لليمين المتطرف هو الإقصاء والمعاداة.. معاداة المهاجرين.. معاداة اللاجئين.. معاداة الإسلام، بالجملة معاداة كل ما هو أجنبي.

الصورة الحقيقة لما يحدث في فرنسا الآن وأوروبا كلها - وهو ما يكاد يجمع عليه كثير من المثقفين والمفكرين الغربيين - ما هو إلا نتاج تحالف غير بريء بين أيديولوجيا حزبية ليمين متطرف، وتيارات كاثوليكية مستحدثة (أوروبا كلها تشهد من الثمانينيات مدّا كاثوليكيا قويا على المستوى الاجتماعي والسياسي)، ونظام رأسمالي شرس من أجل "صناعة العدو" الذى تعلق عليه الانكسارات الاجتماعية والغبن الشعبي واللامساواة، وسيكون العدو هو "الآخر"؛ الأجنبي بشكل عام والآخر المسلم بشكل خاص.

خطاب اليمين المتطرف أصلا خطاب هش في محتواه وأفكاره - إذا جازت تسمية المعاداة فكرا - والرهان الشعبوى في تضليل الأوروبيين عن مشاكلهم الحقيقية لن يستمر طويلا، وحتما سيعلم الجميع أن ما ينبغى علينا جميعا مواجهته، هو الخطر الحقيقي المتمثل في سيطرة السوق الرأسمالي، وعدم المساواة وعدم التكافؤ، وإنكار الآخر. ما ينبغي فعليا أن يجمع ويوحد ويسود هو الحديث الفعال عن العمالة الكاملة والعدالة والتعايش والازدهار الاقتصادي والنمو المشترك، والكف عن إشعال الحروب.

* * *

وأخيرا، في ذكرى مولد آخر قبس لنور النبوة على وجه الأرض (النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم)، أيضا تنزيها لـ"حرية التعبير" مما ألصق بها كذبا من سفاهات، دعونا نتذكر هذا الحوار بين نابليون بونابرت (1769-1821م) والعقل الإنساني والأوروبي الجميل المفكر والروائي الكبير فولفجانج جوته (1749-1832م). تقول الحكاية إن نابليون حين احتلت جيوشه ولاية فايمار الألمانية عام 1808م.. سأل عن جوته ودعاه للإفطار معه في حضور كبار جنرالاته، ودار بينهما حوار عن الشرق والغرب وسأله عن كتاب "محمد والتعصب" لفولتير (ويبدو أنه لم يعجبه)، الذي يصور فيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم "سفاكا للدماء غادرا لا خلق له". فرد جوته قائلا؛ إن ذلك كان مجرد تمويه لمهاجمة الكنيسة من غير السقوط تحت طائلة الرقابة القانونية، وهو ما وافقه عليه نابليون. وانتهى الحديث الذي اقترب من الساعة، وبمجرد خروج جوته التفت نابليون إلى من معه قائلا عبارته الشهيرة؛ "إنه إنسان".

وسيكون على فولتير (1694-1778م) بعد ذلك أن ينتقل 180 درجة.. فيقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ "إن دينه حكيم وصارم وطاهر وإنساني.."، وسيكون على التاريخ أن يذكرنا دائما بمقولة جوته: "إذا كان الإسلام معناه التسليم لله، فعلى الإسلام نحيا ونموت جميعا".

المفكرون والأدباء هم الضمير والوجدان والعقل الأكثر إشراقا وخلودا لشعوبهم وثقافة أمتهم.

twitter.com/helhamamy
التعليقات (1)
كاظم صابر
الإثنين، 02-11-2020 04:29 ص
في قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي (نكبة دمشق) بيت شعر ينطبق تمام الإنطباق على ماكرون و من حوله مثل وزير داخليته : رَماكِ بِطَيشِهِ وَرَمى فَرَنسا *** أَخو حَربٍ بِهِ صَلَفٌ وَحُمقُ). لقد تجاوز هؤلاء أكبر الخطوط الحمراء في تهجمهم على النبي و الاسلام و المسلمين بطريقة غير مسبوقة حتى من أبي جهل من أجل محاكم تفتيش جديدة في فرنسا يتم فيها التضييق على المسلمين أولاً من أجل إخراجهم من دينهم و تهجيرهم ثم بعد ذلك تلحق بهم الجاليات الأخرى التي لا يطيق شعب فرنسا دينها و لونها بعد أن جرى شحته بجرعات يمينية متطرفة . لذلك يجب أن تدفع فرنسا الثمن بطريقة سلمية مؤثرة كان البند الأول منها مقاطعة البضائع الفرنسية الاستهلاكية التي ينبغي أن يليها بند مقاطعة السيارات الفرنسية مثل رينو و بيجو ثم يتبعها البند الثالث المهم و هو مقاطعة اللغة الفرنسية و "الثقافة، أن جاز التعبير" الفرنسية. هنا يأتي دور الجامعات العربية التي بها أقسام للغة الفرنسية أو مساقات تدريس اللغة الفرنسية ، و هذه ينبغي التخلص منها فوراً دفاعاً عن نبينا و ديننا و تراثنا . في شبابي ، ارتكبت حماقة تعلم اللغة الفرنسية بالنظر لإعجابي بالجنرال ديغول ثم وجدت مع مرور الزمن أن هذه اللغة لم تفدني بشيء يذكر و أن اللغة الانجليزية هي الأهم و الأجدى أن أتقوى بها لأنها اللغة العالمية الأولى حالياً و هي لغة العلم و التقنيات . يا أخي حتى الأكاديمي الفرنسي ينشر أبحاثه و مقالاته باللغة الإنجليزية إذا أراد أن يعرفه الناس و ينال مكانة مرموقة . إذا لم تتحرك الجامعات العربية باتجاه التخلص من الفرنسة و صارت تماطل فهذا سيعني أنها في صف واحد مع أعداء الأمة الحاقدين و ضد شباب الأمة الذين من حقهم نيل علوم نافعة .