مقالات مختارة

صفقة ترامب ومخطط ترحيل سكان المثلث: قراءة ديموغرافية

نبيل السهلي
1300x600
1300x600

في تساوق مع الأهداف الديموغرافية لدولة الاحتلال الصهيوني، تضمنت صفقة ترامب التي أعلن عنها أخيرا بندا لنقل منطقة المثلث شمال فلسطين المحتلة، لتكون تحت سيادة السلطة الفلسطينية، لكسر التركز السكاني العربي الكثيف في هذه المنطقة، وتحقيق خطوة أولية في إطار المخططات الصهيونية الرامية إلى طرد الأقلية العربية، والإخلال في الميزان السكاني العربي، بغرض التفوق الديموغرافي اليهودي في نهاية المطاف.


معطيات


تصل مساحة قرى المثلث إلى 350 ألف دونم، في حين أن مساحة المنطقة المهددة بالضم تصل إلى 170 ألف دونم، تمثل نحو49 في المئة من مساحة منطقة المثلث التي يقطنها 300 ألف عربي فلسطيني، ويشكلون 20 في المئة من إجمالي عدد الأقلية العربية خلال العام الحالي 2020. وتضم منطقة المثلث التجمعات العربية، كفر قرع وعرعرة وباقة الغربية وأم الفحم وقلنسوة والطيبة وكفر قاسم وكفر برا وجلجولية. وتم ضم منطقة المثلث إلى دولة الاحتلال خلال عام 1949.


ومن الأهمية الإشارة إلى أن الأفكار والمخططات لطرد الأقلية العربية من أرضها، لم تكن وليدة صفقة ترامب وتوجهات رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو، حيث اتبعت سلطات الاحتلال الصهيوني سياسات قمعية مختلفة، والتضييق على فلسطينيي الداخل لدفعهم إلى الهجرة خارج فلسطين المحتلة. وقد مرت الأقلية العربية في أرضها بثلاث فترات بين عامي 1948 و2020، وتميزت الفترة الأولى (1948-1966) وهي فترة الحكم العسكري الصهيوني، بإصدار سلطات الاحتلال 34 قانونا لمصادرة الأراضي العربية، سواء تلك التي تعود ملكيتها للاجئين الفلسطينيين في الشتات، أو من أصحابها الموجودين في داخل دولة الاحتلال، الحاضرين الغائبين الذين يقطنون في قرى ومدن غير تلك التي طردوا منها.


فعلى سبيل المثال يقطن جزء من أهالي القرى المهجرة بالقرب من قراهم التي طردوا منها عام 1948 ويمنعون من العودة إليها، مثل أهالي قرية صفورية الذين يتركز معظمهم في مدينة الناصرة، وأهالي قرية عين حوض في قضاء مدينة حيفا عروس الساحل الفلسطيني.


ويقدر مجموع الحاضرين الغائبين داخل الخط الأخضر بنحو 270 ألف عربي فلسطيني في بداية العام الحالي 2020. ومحاولة منها لتهويد ما تبقى من أراضٍ بحوزة الأقلية العربية داخل الخط الأخضر، وضعت السلطات الصهيونية مخططات لتهويد منطقة الجليل وكسر التركز العربي فيها، وذلك عبر أسماء مختلفة، في المقدمة منها ما يسمّى مشروع تطوير منطقة الجليل، ومشروع نجمة داود للتطوير، هذا إضافة إلى ظهور مخططات صهيونية لكسر التركز العربي في منطقة النقب في جنوب فلسطين المحتلة، التي تشكل مساحتها خمسين في المئة من مساحة فلسطين التاريخية البالغة 27009 كيلومتر مربع. ومن تلك المخططات مخطط «برافر»، الذي يسعى لمصادرة ثمانمئة ألف دونم، وتجميع عرب صحراء النقب في مساحة هي أقل من مئة ألف دونم، أي على أقل من واحد في المئة مساحتها.


منذ تولي نتنياهو سدة الحكم في دولة الاحتلال الصهيوني، تم إصدار رزمة قوانين للحد من التواصل الديومغرافي العربي بين المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948 والمحتلة عام 1967، واعتمدت دولة الاحتلال عدة سياسات لمحاولة فرض يهودية الدولة، حيث تمت عملية مبرمجة لتهويد الأماكن التاريخية العربية، ناهيك عن تهويد المقدسات، وفي المقدمة منها المساجد والكنائس. وتركزت عملية التهويد في منطقتي الجليل والنقب في شمال وجنوب فلسطين المحتلة، بغية فرض يهودية الدولة على أكبر المناطق مساحة ضمن حدود فلسطين التاريخية.


الأقلية العربية


وتكمن مخاطر تلك القوانين الإسرائيلية التي تسارعت وتيرة صدورها إبان حكم نتنياهو بتداعياتها المستقبلية الخطيرة على وجود الأقلية العربية، وقد يكون التحدي الأهم الذي يواجهه العرب الفلسطينيون في الداخل تلك السياسات الإسرائيلية الرامية إلى زعزعة وجودهم كأقلية في أرضها ووطنها بغية طردهم في نهاية المطاف، وفي المقدمة منها ما تضمنته صفقة ترامب لنقل السيادة على منطقة المثلث إلى السلطة الفلسطينية.


لهذا يتطلب الأمر محاولة الكشف عن المستور من السياسات الإجلائية التهويدية لدولة الاحتلال الصهيوني ومخاطرها، بالاعتماد على خطاب فلسطيني موحد. حيث يعد مجرد استمرار وجود الأقلية العربية في أرضها، عبر أشكال الدعم المختلفة، رصيدا  ديموغرافيا ووطنيا له دلالة مباشرة على الهوية العربية للأرض التي أقيمت عليها دولة الاحتلال، وقد يكون ذلك الرد الحقيقي على صفقة ترامب التي تتساوق مع المخططات والسياسات الإجلائية التهويدية، الرامية إلى ترسيخ يهودية دولة الاحتلال، عبر تهويد المكان سواء في القدس وفي منطقة الجليل والنقب ومنطقة المثلث، التي تعدّ فيها الزيادة الطبيعية للسكان من أعلى المعدلات في داخل الخط الأخضر.


ويبقى القول بأن صفقة ترامب قد تضمنت أفكارا واقتراحات صهيونية سابقة لترحيل الفلسطينيين، ومنها فكرة مشروع سياسي شامل طرحه الجنرال الصهيوني السابق رحبعام زئيفي في 1988، كما دعا الحاخام مائير كهانا لاقتحام مدينة أم الفحم لاستفزاز سكانها وطردهم، كما اقترح أفيغدور ليبرمان وزير الحرب الصهيوني السابق عام 2004، مبادلة المستوطنات الإسرائيلية بقرى وبلدات المثلث العربية.

 

(القدس العربي اللندنية)
0
التعليقات (0)

خبر عاجل