قضايا وآراء

محمد بن سلمان متحدثا باسم نتنياهو!

رضا حمودة
1300x600
1300x600
يبدو أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تقمص دور نتنياهو عندما خيّر الفلسطينيين بين قبول التفاوض (حسب المصلحة الصهيونية بطبيعة الحال) أو الصمت والكف عن التذمر والشكوى، متهماً إياهم بأنهم أضاعوا 40 عاما من فرص السلام الواحدة تلو الأخرى.

الأخطر في لقاء ابن سلمان (خلال زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة) بعدد من مسؤولي الجاليات اليهودية الأمريكية، ونقلت مضمونه القناة العاشرة الإسرائيلية في 29 نيسان/ أبريل الماضي، تأكيده على أن القضية الفلسطينية لا تقف على رأس أولويات الحكومة أو الرأي العام السعودي، مؤكداً أن هناك مواضيع أكثر إلحاحاً وأهم للمعالجة، وفي رأس قائمة هذه المواضيع إيران، الأمر الذي أثار جميع الحضور إلى حد الصدمة، وهو ما أكد عليه معلق الشؤون السياسية في القناة العاشرة الإسرائيلية، باراك رابيد، قائلا إن هذه الدولة "ليست أي دولة عربية.. إنها السعودية"، في إشارة واضحة الدلالة على حجم التحول الجذري في المواقف السعودية تماهياً مع الرؤية الإسرائيلية التي ترى في إيران العدو الأول والمشترك مع النظام السعودي الجديد، في مقابل تبييض وجه إسرائيل القبيح.

منذ صعوده مع تنصيب والده ملكاً مطلع عام 2015، والأمير محمد بن سلمان يحاول جاهداً تسريع وتيرة ذلك الصعود نحو العرش بتقديم التنازلات على صعيد السياسة الخارجية للمملكة، عن طريق كسب الرضى الأمريكي بالصفقات الاقتصادية والعسكرية بمئات المليارات من الدولارات من جهة، ومحاولة التقارب من الجانب الإسرائيلي ممهداً الطريق لتطبيع شامل وكامل، بما يعني أن الأمير الشاب يدرك تماماً طبيعة لعبة العرش، وأن أقرب طريق لقلب وعقل الولايات المتحدة هو إسرائيل، ولكي يصل سريعاً للهدف المنشود، فعليه التسليم بالرواية الإسرائيلية والاعتراف الكامل بحقها في الوجود والتمدد، بل الاعتراف بيهودية الدولة العبرية، فضلاً عن وصف مقاومة المحتل بالإرهاب، في انقلاب مثير على أدبيات الدولة السعودية العلنية على أقل تقدير. ذلك أن مجريات الأحداث تشير إلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل وضعتا شروطاً أمام محمد بن سلمان قبل تنصيبه ملكاً للسعودية، منها ضمان أمن الملاحة الإسرائيلية عبر مضيق تيران، والتطبيع العلني مع إسرائيل، وأخيراً ما يعرف بصفقة القرن التي يتم من خلالها التنازل عن أحقية الفلسطينيين بالقدس، وهو ما أكد عليه نصاً الأمير السعودي المعارض، خالد بن فرحان آل سعود، في حواره الشامل مع قناة "الحوار" الفضائية (3 نيسان/ أبريل الماضي).

وهذا الأمر يحيلنا سريعاً إلى تسليم النظام المصري لجزيرتي "تيران وصنافير" للمملكة العام الماضي، رغم الرفض الشعبي المصري الواسع، لما يُثار حول الاتفاقية من شكوك تطعن في مشروعيتها بالأساس، وسط إصرار وإلحاح سعودي على إتمام الاتفاقية، أو بالأحرى الصفقة، وموافقة إسرائيل بشأن الترتيبات الأمنية بين الأطراف الثلاثة (مصر والسعودية وإسرائيل). وبموجب الصفقة يتحول مضيق تيران إلى ممر دولي لا سلطان لمصر أو السعودية عليه، وهذا هو مكمن الخطورة في الأمر، بما يهدد الأمن القومي العربي عامة والمصري، خاصة على اعتبار أن الجزيرتين على خط المواجهة مع الكيان الإسرائيلي.

ثمة استراتيجية واضحة ينتهجها ابن سلمان في التعاطي مع مجمل ملفات سياسته الداخلية والخارجية بما يحقق أهدافه، وهي استراتيجية الصدمة في التصريحات والأفكار والسياسات المتبعة منذ صعوده مطلع عام 2015، حيث قدم نفسه كسوبرمان يحقق الخوارق على طريقة الصدمات في كل الجهات للفت الانتباه إلى أنه الملك المنتظر ورجل المرحلة الذي يجب أن يشق طريقه دون تراجع أو توقف مهما كانت المعوقات والتحديات، طالما يقف على نفس الخط الذي رسمه الحليف الأمريكي (الظاهر) والصهيوني (الباطن)، حتى لو على حساب الثوابت الدينية الراسخة التي قامت عليها المملكة على مدى نحو تسعة عقود.

وكي ينجح في الوصول لهدفه الخاص، يحاول ابن سلمان فرض نمط فكري يتماهى مع النمط الفكري الغربي المتحرر، وهو ما تجلى في سلسلة التغيرات الأخيرة بعد تأسيس ما يسمى "هيئة الترفيه" والسماح بدور السينما والأوبرا والحفلات الغنائية والموسيقية الراقصة، في مقابل الحد من نفوذ المؤسسة الدينية وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتدجين هيئة كبار العلماء عبر سياسة العصا والجزرة، وضمان ولائها التام للنظام الجديد، عبر تطويع الفتوى على مذهب ولي الأمر، في استخدام رخيص للدين لخدمة مصالح شخصية.

وفي المحيط العربي والإقليمي يتعامل ابن سلمان مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وكأنه موظف في ديوانه، حيث يمارس ضغوطاً كبيرة على القيادة الفلسطينية ليست خافية على أحد حسب الشروط الإسرائيلية، لا سيما فيما يتعلق بقضية القدس بعد إعلان الرئيس ترامب القدس عاصمة للدولة الصهيونية (تشرين الثاني/ نوفمبر 2017)، حيث تجاهل الرجل الأمر تماماً وكأنه لا يعنيه في شيء، حتى أنه أعلن في تصريحات صحفية بعد ذلك مبرراً ذلك التجاهل بأنه لا يحاول التركيز على أي شيء قد يثير التوتر، وذلك في جزء من مقابلة مع قناة "CBS" الإخبارية الأمريكية (17 آذار/ مارس الماضي) قبيل اجتماعه مع الرئيس الأمريكي في واشنطن، ثم مارس ضغوطاً على عباس أيضاً بعد قرار ترامب سالف الذكر؛ لقبول قرية "أبوديس" على حدود القدس عاصمة للدولة الفلسطينية بدلاً من القدس. ففي الوقت الذي يعنف الفلسطينيين ويهددهم بالويل والثبور وعظائم الأمور ليقبلوا بما يُملَى عليهم، يتودد للكيان الصهيوني، ويغض الطرف عن ممارساته القمعية كسلطة احتلال تتخذ من مصطلح السلام ستاراً للتوسع والهيمنة دون تقديم أي بادرة حسن نية، فضلاً عن ابتلاع إهانة الجانب الإسرائيلي للسعودية على وجه التحديد لسنوات؛ برفضها وتجاهلها مقررات المبادرة السعودية للسلام (قمة بيروت 2002)، والتي قبلتها الأنظمة العربية كأساس لحل القضية الفلسطينية على أرضية "الأرض مقابل السلام"، وعلى الرغم من تنازلات السلطة الفلسطينية التي تقدمها منذ ربع قرن من تبني خيار سلام الحملان بعد اتفاقية أوسلو عام 1993، والذي لم تجن السلطة منه غير مزيد من الاستيطان ومصادرة الأراضي وانتهاك للسيادة والتنسيق الأمني مع العدو.

ثمة ترتيبات جدية تجري خلف الكواليس تتكشف تفاصيلها يوما بعد يوم، وتتصدر عناوينها الدولة السعودية الجديدة بقيادة ولي العهد الشاب والملك المنتظر، بمساعدة الحليف الإماراتي بطبيعة الحال، يتم بموجبها رهن القرار الخليجي (لا سيما بعد حصار ومقاطعة قطر لأنها خرجت على النص المرسوم لمقتضيات المرحلة)، على اعتبار أن المملكة هي الدولة الأكبر والأغنى خليجياً وعربياً، فضلاً عن رمزيتها الدينية لدى العالم الإسلامي، وبالتنسيق مع أطراف دولية برعاية أمريكية بهدف تصفية القضية الفلسطينية، وتضييق الخناق على كل ما هو إسلامي، وإسقاط الحق في مقاومة المحتل، انتصاراً للمشروع الغربي الصهيوني على حساب المشروع الوطني العربي الإسلامي الجامع، في وضعية تشير للأسف إلى أن ابن سلمان يبدو وكأنه إسرائيلياً أكثر من الإسرائيليين أنفسهم.
التعليقات (0)

خبر عاجل