فجر يوم الاثنين الماضي، استيقظ الفلسطينيون في بلدة صور باهر جنوب القدس المحتلة، على أصوات القنابل والطرقات العنيفة لأبواب منازلهم، بعد أن هاجمت قوات الاحتلال البلدة، واقتحمت عشرات المنازل، وأخرجت سكانها منها بالقوة، تمهيداً لهدمها.
يسخر الناس أحيانا من المحللين السياسيين، لأنهم كثيرا ما يقولون مثلا إننا أمام خيارين؛ إما أن تحدث الحرب وإما أن يحصل اتفاق. وفي العادة يقتصر بعضهم على فرض احتمالين فقط أو وضع خيارين يقود كل منهما إلى نتيجة صفرية، أي إما الحرب الشاملة وإما الاتفاق الكامل.
في الخامس والعشرين من سبتمبر في عام 1996 انطلقت هبة النفق في فلسطين رداً على افتتاح الاحتلال نفقاً في القدس يمتد إلى أسفل المسجد الأقصى المبارك، واستمرت الهبة لستة أشهر، تخللتها مواجهات عديدة بين الاحتلال والشعب الفلسطيني.
من الناحية النظرية، يمكن القول إن «أوسلو» -مساراً ومشروعاً سياسياً- متضرر أساسي ورئيسي من مؤتمر البحرين وما يُسمى «صفقة القرن» على المدى القريب؛ بل تُعدّ هذه المساعي ضربة قاصمة لمشروع «أوسلو» ومهندسيه من الجانب الفلسطيني. وإن شككنا في الأهلية الوطنية لمتبني أوسلو من الفلسطينيين، يمكن القول إن «صفقة
الأرض هي ساحة الصراع وعليها الصراع، احتلال «الصهاينة» لأرض فلسطين له خصوصية، لأنه احتلال لا يقصد السيطرة على الشعب والموارد فحسب، فليس نوعا من التسلّط، أو ما كان يسمى الاستعمار، بل هو احتلال قائم على فكرة السلب والنهب وانتزاع الأراضي من أصحابها بعد طردهم منها.
يوجد وضع إنساني كارثي في قطاع غزة، مستمر منذ فرض الحصار قبل 13 عاماً، وتفاقم بشكل كبير منذ سنتين بعد العقوبات التي فرضتها السلطة، تزامن ذلك مع تراجع حاد في مستوى الدعم الواصل لغزة.
من الواضح أن القطاعات الشعبية والفصائلية المنخرطة في حراك «مسيرات العودة وكسر الحصار» في قطاع غزة، تحاول منذ قرابة العام تجنب المواجهة العسكرية مع الاحتلال قدر الإمكان، من خلال تفعيل أساليب النضال الشعبية والجماهيرية غير المسلحة.
هدمت الجماهير التي فتحت باب الرحمة عمودا جديدا من أعمدة الهيكل المزعوم، وأعادت إحياء جزء عزيز من المسجد الأقصى كاد أن يُسلب خلسة في الغفلة، وبددت وهم موات الأمة، وقالت لنا مجددا إن هذه الأمة تمرض لكنها لا تموت.
كلما استجد حدث على الساحة الفلسطينية ربطه المتابعون والكتاب والمحللون بصفقة القرن، وربما يكون الأمر منطقياً وفي سياقه في بعض الأحيان، وأحياناً كثيرة يكون الخلط، وكأن الاحتلال والاستيطان طارئ، ولم يكن في فلسطين إلا بعد هذه «الصفقة المنتظرة».
كما هو معلوم، فازت حركة حماس بالانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، وحصدت 76 مقعداً من أصل 132 مقعداً، واعتُبر فوزها في حينه من قبل عديد الباحثين والقارئين للمشهد «زلزالاً سياسياً».
عاشت غزة فترة عصيبة من اللاحرب واللاهدوء، كانت بمثابة حرب غير صاخبة خلال السنوات الأخيرة، وكان المطلوب الاستسلام والتخلي عن القوة لحلحلة الأوضاع، ما يعني معادلة الأمن مقابل الغذاء، أما اليوم فالمعادلة التي تعمل المقاومة على ترسيخها هي الهدوء مقابل الحياة الكريمة، فلا هدوء مجاني.
جرى تجويع الناس في غزة، وخنقهم بالأزمات بوتيرة مرتفعة خلال الشهور الماضية، تمهيداً لإخضاعهم وتدجينهم، وحصر تفكيرهم بلقمة العيش، ودفعهم إلى التسليم تحت الضغط بمخططات تصفوية. غزة كانت -وما زالت- معضلة لصناع القرار الصهاينة، وتمنى بعضهم أن يبتلعها البحر.
تُثار جدلية من حينٍ إلى آخر حول قطاع غزة ليس حول معاناته إنما حول احتكاره فلسطين والقضية الفلسطينية، أو بمعنى أدق وكأن فلسطين وجلّ القضية انحصرت في هذه البقعة دون غيرها.