ما تروجه طفرة الإعلام والمعلومات، لا يتساوق دائما وإكراهات الفضاء العام. إن هذا الأخير مطالب بتنقيتها وتصفيتها والنظر في تلك التي تخدم النقاش في الفضاء العام. العبرة هنا ليست بأحجام المعلومات. العبرة بنوعيتها والغاية من طرحها للنقاش والتداول
سنكون إذن بالمحصلة بإزاء منظومة رأسمالية جديدة، يندغم بصلبها وبقوة جزر الاقتصاد المادي المتراجع، بمد الاقتصاد اللامادي المتقدم، والمهيكل لكل أشكال الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتاريخية
علاقة الإعلام بالقيم ليست علاقة سببية صرفة، ولا هي من تلك التي بالإمكان قياسها أو تفكيكها بأدوات كمية تضبط صيرورتها وتحولاتها وتفاعلاتها في الزمن والمكان.
?في معظم بلدان العالم بما فيها العالم العربي، ثمة إعلام للأحزاب قائم، ينطق باسمها، يشيع لمنظومتها شكلا وفي العقيدة، يساير حركة زعمائها في الترحال وفي منطوقهم، ولا يرى من قيمة اعتبارية تذكر لإعلام آخر، معارض له أو منافس
التقنية هنا لا تعير كبير اهتمام لقيمة المعلومة، بقدر ما تهتم بحجمها عندما تبرز، ثم عندما تروج، ثم عندما تصل للمتلقي، والذي يقوم بدوره بإعادة ضخها في البنية جزئيا أو بالكامل.
قلنا، بمقال سابق، بأن القانون السائد بالفضاء الافتراضي ليس قانون هذه الدولة أو تلك، بل هو نتاج احتكاكات السلط والنفوذ فيما بين بعضها البعض، أي نتاج موازين قوى، الغلبة فيه لمن يتحكم في تقنيات ذات الفضاء وأدواته، وله المقدرة على تحديد مساراته في الزمن والمكان.
شركات الإعلام والمعلومات والاتصال الكبرى (جوجل، أمازون، آبل، فايسبوك، ضمن آخرين) قد أضحت من القوة التكنولوجية والاقتصادية والمالية ما تجعلها لا تعير كبير اعتبار للقوانين القائمة.
في الرابع عشر من شهر يوليو/حزيران 2008، التأم بالعاصمة الفرنسية باريس، وبذكرى سقوط الباستيل التاريخية، جمع كبير من "قادة المتوسط"، للبث في حال ومآل مشروع "الاتحاد من أجل المتوسط"،
"الدولة الوطنية" العربية، في خلقتها كما في طبيعتها، في طبعها كما في طابعها، ناهيك عن سلوكها وسياساتها، هذه الدولة لا تختلف كثيرا عن الاحتلال المباشر الذي ثوت خلفه القوى الغربية لعقود طويلة.
إن ثمة تمنعا بنيويا غريبا بين حقلي الإعلام والسياسة في الوطن العربي، لدرجة يبدو للمرء معه أن السمات التي تطبع العلاقة هي سمات الحذر والحيطة وعدم الثقة.
تسنى لي، بالأسابيع القليلة الماضية، أن أقرأ كتاب عالم الاجتماع والأنتروبولوجيا الفرنسي إيمانويل طود، حول أحداث جريدة شارلي إيبدو لـ 11 كانون الثاني/ يناير 2015 بفرنسا.