كتاب عربي 21

الإسلاميون بين الشعارات الدينية والبرامج الواقعية

شهيد بولسين
1300x600
1300x600
يبدو أن ظاهرة الأيدولوجيا الإسلامية قد تراجعت إلى ظاهرة نخبوية، أو ربما أصبحت على هامش الخطاب السياسي السائد في العالم الإسلامي. ويمكن تشبيه التيار الإسلامي الآن بما يعرف في الولايات المتحدة بـ "حزب الشاي" أو "Tea Party". 

ويشكل خطاب تيار "الإسلام السياسي" إحدى الأزمات التي أدت إلى تراجع هذا التيار، حيث يعتمد السياسيون الإسلاميون بشدة على الخطاب الأخلاقي بدلا من مناقشة القضايا السياسية، ويعتمدون على حب العامة للإسلام، والمفهوم المجرد للحكم الإسلامي، لإخفاء افتقارهم للمادة والمؤهلات السياسية.

وكمثال على ذلك، فإن شعار "الإسلام هو الحل" لا يمثل أرضية سياسية مفصلة كافية. فما هو حل الإسلام لعدم المساواة في الدخل؟ وما هو حل الإسلام لسيطرة المستثمرين الأجانب والمؤسسات متعددة الجنسيات؟ وما هي السياسة الاقتصادية للإسلام السياسي؟ ما هي سياسة الضرائب؟ ما هو الحل الإسلامي للأمن الغذائي؟ وأين هم الإسلاميون لتناول هذه الأسئلة؟

هل الإسلام السياسي هو فقط تنفيذ أحكام الدين في الحجاب، ومنع الكحول، وفرض بعض أشكال قانون العقوبات في الشريعة الإسلامية؟ هل السياسة الإسلامية في العادة هي فقط الحدود؟ 
إن ما شهدناه في مصر، وتونس، وحتى إلى حد ما في تركيا هو أن الإسلاميين هم ليبراليون جدد اقتصاديا، تصالحيون وبراغماتيون سياسيا، وطبقيون اجتماعياً. ولذلك، فإني لست على يقين بأنهم متميزون عن غير الإسلاميين، فيما عدا كيفية تسويق أنفسهم للعامة. وفي الحقيقة، فإن هذا ليس هو الأمر الذي نريده ونبحث عنه، ولا هو ما يُفترض أن يكون عليه الإسلام السياسي، إذ إن الواقع في هذا العصر يقول إن البراغماتية السياسية والفكرة الإسلامية هما بالضرورة على طرفي نقيض تماماً.

وحتى نفهم فقر التنظير داخل التيار الإسلامي للاقتصاد مثلا، فعلينا أن نفهم آليات الاقتصاد الليبرالي. إذ يعرض تيار "إمبريالية الشركات" على أي حكومة خيارين؛ إما الطاعة والالتزام، أو الإبادة. إذا كنت ستدخل إلى السياسة بدون وجود جدول أعمال مُعين، وبدون أهداف سياسية، ومع سلوك مرن، ومع عدم الإحساس بمعنى الأخلاق الاقتصادية، ولكنك ترغب في النجاح كحكومة؛ كل ما عليك القيام به هو تقديم الالتزام والطاعة للنظام الإمبريالي.

وهذا هو الحال مع السيسي في مصر مثلا؛ فالرجل ليس لديه أدنى فكرة عن كيفية إدارة الدولة، ولكنه فجأة يبدأ إصلاحات سياسية بعد إصلاحات سياسية ويتم الثناء عليه دولياً عن مدى حكمته في الانتقال بمصر تجاه الرخاء والسلام. إن السبب في ذلك، هو أن أسلوب العمل مع هذا النوع من الإمبريالية يقوم على المبدأ التالي "عندما تقدم الطاعة، لن يكون عليك التفكير"، ولذلك فإن جميع سياسات السيسي ليست من تلقاء نفسه، بل هي تملى عليه من الخارج، وذلك يجعل من السهل للغاية أن يظهر بمظهر كما لو أنه يعرف ما يفعل. والأمر مشابه هنا للفرق بين بدء شركتك الجديدة وفتح توكيل لشركة حالية!

ولا يختلف الإسلاميون عن السيسي في هذا المبدأ، فإذا لم يكن لديهم سياسات واضحة، أو كانوا بدون برنامج اقتصادي، فإنهم سيتبعون ما يُملى عليهم من النظام الإمبريالي- كما فعلوا إلى حد كبير أثناء فترة توليهم لزمام الأمور في مصر-. ولأن الفكرة الإسلامية في العالم الإسلامي تعتمد على شعور الرأي العام، فهذا الأمر يمثل كارثة حتمية. فالتدابير التي يتطلبها النظام الإمبريالي هي بالطبع ضد مصالح السكان، لذا فالالتزام بها سيشوه سمعة أي حزب إسلامي يتبعها.

من النادر أن تجد قائدا سياسيا إسلاميا يناقش السياسة في الواقع؛ ولعل حازم أبو إسماعيل هو المثال الوحيد الذي يتبادر إلى ذهنك كمثال على فهم السياسية الواقعية. ويبدو أن قادتنا (وأقول "قادتنا" لأنني أعتبر نفسي إسلاميا) يخططون للصعود إلى السلطة من خلال استغلال الالتزام الديني لأتباعهم ومناصريهم، ولكن بدون صياغة توضح ما ينبغي أن تبدو عليه السياسة الإسلامية في الواقع. نعم، جميعنا نعرف أن القرآن والسنة هي المصادر الشاملة للتوجيه والإرشاد. إذا فما نريده هي سياسات تبرهن هذه الإرشادات. إذا كنت ستعارض النظام الإمبريالي، سيكون عليك إيجاد مجموعة واضحة وشاملة جد من السياسات يفهمها ويدعمها الشعب، لأنك ستواجه عقوبات شديدة من القوى العالمية، وكدولة، عليك أن تكون مستعدا لتحمل هذه العقوبات والتضحية من أجل التأكيد على استقلالك.
التعليقات (1)
سيدسلطان
الخميس، 09-04-2015 07:42 ص
العيب ليس في المنهج الاسلامي ولكن العيب فيمن يتصدر للعمل به لذا تجد الامبريالية تسمح بمن يجهل العمل بهذا المنهج ان يتصدر المشهد ليبدو مشوها المجرد بوقا..وفي نفس الوقت تحارب كلا من يعمل اويحارب ان يعمل بالفكر الصحيح لهذا المنهج وتطبيقه علي الواقع الحياتي ولعل اقرب مثال ما فعلوه مع حازم ابو اسماعيل