مقالات مختارة

سُمعة مصر

عبد المنعم سعيد
1300x600
1300x600
الدول مثل الأفراد، لها سمعة هي دوما خليط من التاريخ والأدوار، ومدى الثقة التي يمكن وضعها فيها من قبل آخرين سواء لعواطف موجودة، أو لأن شبكة المصالح تستدعي ذلك. مصر مع الصين، وإلى درجة ما الهند، لهما مكانة عالمية خاصة مستمدة من التاريخ والدور في بناء الحضارة الإنسانية قديما، وأحيانا حديثا للدور الذى تؤديه في السياسة العالمية في اتجاه السلام وارتقاء الإنسانية. هذه المكانة تدهورت بالنسبة لمصر خلال السنوات الأخيرة. وفي الولايات المتحدة فإن مؤسسة جالوب لاستطلاعات الرأي العام، تقوم بشكل دوري بقياس مدى تفضيل مجموعة من دول العالم، وجرى آخر هذه الاستطلاعات في عام 2013، حيث كانت كندا (التي تتناوب هى وأستراليا والمملكة المتحدة على المكانة الأولى) هي الأكثر تفضيلا، بينما كانت إيران الأقل قبولا. التفضيل والقبول لهما معايير بالطبع؛ كما هو بالنسبة للرفض والاستهجان؛ ولكن المهم هنا تسجيل أنه عند لحظة زمنية بعينها، فإن هناك قياسا بعينه لهذا التقدير الذي نسميه "السُمعة"، أو الانطباع الذائع عن شخص أو دولة أو مؤسسة أو جماعة.

في مقياس جالوب، فإن تقدير الأمريكيين لمصر وللمصريين كان فى عام 1991 إيجابيا بنسبة 66% بينما مَن كانت لهم تقديرات سلبية 17%. ورغم أن التقديرات الإيجابية أخذت في التراجع، والسلبية في التصاعد، إلا أن الأولى ظلت أعلى من الثانية حتى عام 2011 عندما استقر الإيجابي والسلبي عند 47%، وبعدها أصبحت الحصيلة سلبية ومستمرة على هذه الحال منذ 2013، فصار السلبي 53% والإيجابي 40%. عوامل ذلك يمكن استجلاؤها بسرعة، ومنها حالة الفوضى التي عانت منها مصر خلال السنوات الماضية، ورغم أن هذه تراجعت إلا أن الانطباع الذائع هو أن مصر لم تعد بلدا آمنا كما كانت في السابق. ما هو أخطر من ذلك أن سمعة مصر انقلبت من بلد يعمل من أجل السلام العالمي وسلام الشرق الأوسط إلى بلد هو جزء من قوس الأزمات الحالية في المنطقة. باختصار، أصبحت مصر جزءا من المشكلة بعد أن كانت جزءا من الحل.

ولكن ما يؤخذ على مصر من انطباعات سلبية يعود إلى طريقة مصر في إدارة شؤونها، فالانطباع الذائع عنها أنها بلد غير جاد، أدمن المعونات والمنح وعطايا الآخرين، ولكن لا يريد أن يشمّر عن ساعديه ويواجه ما واجهه الآخرون. المقارنة مع الدول التي سبقتنا مثل كوريا الجنوبية نعرفها هنا، ولكن في الخارج، وهو ما يشمل كل من سبقنا في الدنيا شرقا وغربا، يشمل الدول التي واجهت تحديات كبيرة وأنجزت في ظلها ما هو ليس قليلا. على سبيل المثال فإن نسبة التعليم لمن هم في سن التعليم في إيران 100% بعد حروب وحصار وعقوبات، ومع تقييد شديد لإنتاج النفط. وفى كوبا التي عانت ما عانت نتيجة الحصار والخنق الأمريكي، فإن نسبة التعليم فيها أيضا 100% من السكان، ونسبة وفيات الأطفال فيها أقل من الولايات المتحدة، ولها إنجازات باسمها معروفة في مجال الهندسة الجينية وصناعة الدواء. في مصر، فإن نسبة الذين لا يعرفون القراءة والكتابة 28%، أما الفقراء فيزيدون على 29%، وكل ذلك مع الحصول خلال العقود الثلاثة الماضية على قرابة 200 مليار دولار من المعونات والمنح والقروض السهلة من العالم الخارجى القريب والبعيد، الذي يشكو المصريون دائما منهم لأنهم يتآمرون على المحروسة طوال الوقت.

مصر غير جادة مع نفسها، كما أنها غير جادة مع العالم فيما تعلنه وتقول به وتسعى إليه، وهي فوق ذلك غير مخلصة لتاريخها الذي أحبها العالم من أجله. فثلاثة آلاف عام من الحضارة الفرعونية تبدو وكأنها تنتمي إلى حضارة العالم، وهذا صحيح، أكثر من انتماء المصريين إليها، ومن ثم كان عدم التقدير والإهمال. وبالطبع فإن تحيز مصر إلى الإسلام كان مفهوما على ضوء الصبغة الحضارية والإنسانية التي صبغت بها الحضارة المصرية القديمة الأديان كافة، التي أتت إليها من المنطقة. ولكن عندما تكون عطية مصر للعالم ليس دورا عظيما للأزهر بقدر ما هو أداء مرعب لشخصيات محمد عطا وأيمن الظواهري. ولسنوات طويلة كانت مصر استثناء خاصا سواء فى العالم النامي، أو العالم الإسلامي، أو العالم العربي؛ ولكن الاستثناء ذهب ولم يعد وأصبحنا جزءا من جمهرة المسجلين "خطر" في العالم.

بالطبع فإننا يمكننا أن نهز الأكتاف، ونتجاهل موضوع حقوق الإنسان، ونقول ليذهب العالم إلى الجحيم، وربما حتى نعطي العالم محاضرة كبرى عن سوء سلوك الآخرين من أول ما فعلوه في مواجهة "الهنود الحمر"، وإنشاء إسرائيل والعبودية وفيتنام وغزو العراق. كل ذلك ممكن، وحتى المشاكسة ممكنة في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، فيصوت 14 عضوا دائمين وغير دائمين ضدنا.. ولكن كل ذلك لا يحل معضلتنا، وهو أن سمعتنا السيئة لا تعوضها قوة ولا موارد ولا إنجازات، ولا ارتفاع في الترتيب في التقارير العالمية ولا قيمة للجنيه المصرى. في النهاية نحن نحتاج العالم بأكثر مما يحتاج لنا، وتحسين السمعة فضلا عن أنه من حسن الفطن فإنه ممكن!.


عن صحيفة المصري اليوم المصرية
0
التعليقات (0)