تقارير

مخيم المغازي شهد أول هزيمة للرومان في معركة داثن

مخيم المغازي تم تأسيسه عام 1948م على 295 دونما وأصبحت مساحته الآن 3 آلاف دونم
مخيم المغازي تم تأسيسه عام 1948م على 295 دونما وأصبحت مساحته الآن 3 آلاف دونم
يحتضن قطاع غزة بؤرة حدودية صغيرة تقع في وسطه كانت مسرحا لأول معركة خاضها المسلمون قبل 1400 عام لفتح بلاد الشام، حيث كان سكان غزة أول من دخل الإسلام من أهالي الشام بعدما كانوا يعتنقون النصرانية، وساندوا الجيش الإسلامي في هذه المعركة، وكان لهم شرف المشاركة في فتح بقية بلاد الشام.

وبعد صولات وجولات للجيوش الإسلامية الأربعة التي انطلقت من الجزيرة العربية لفتح بلاد الشام تنفيذا لوصية الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقعت معركة "وادي عربة" في 12 هجري وانتصر فيها الجيش الإسلامي والذي لاحق الرومان الذين لجأوا إلى غزة عبر البحر المتوسط لتدور هناك معركة على أراضي مخيم المغازي للاجئين الفلسطينيين وسط القطاع أطلق عليها اسم "معركة داثن" والتي انتصر فيها المسلمون وكانت باكورة الفتوحات الإسلامية لبلاد الشام.

واستعرض المؤرخ الدكتور غسان وشاح رئيس قسم التاريخ والآثار في الجامعة الإسلامية بغزة التطورات التي دفعت بالمسلمين إلى هذه المعركة، وكيف كان الرسول حريصا قبل وفاته على فتح بلاد الشام وجهز له جيشا جعل على رأسه الصحابي الشاب أسامة بن زيد.

وقال وشاح لـ "عربي21": "يجب أن نعود للوراء قليلاً في التاريخ وأن نستحضر معركة مؤتة في 7 هجري التي استهدفت تحرير فلسطين، ثم معركة تبوك التي قادها النبي محمد صلى الله عليه وسلم بنفسه في 9 هجري، والتي كان أحد أهدافها هي تحرير فلسطين من الاحتلال الروماني الذي كان يجثم على فلسطين من سنة 63 قبل الميلاد وحتى سنة 636 ميلادي".


            غسان وشاح رئيس قسم التاريخ والآثار في الجامعة الإسلامية بغزة

وأضاف: "النبي محمد في معركة تبوك استطاع أن يعقد عددا من التحالفات والمعاهدات بعضها كان سريا، وهذه المعاهدات مع أهل فلسطين والقبائل العربية في فلسطين، وعندما توفي النبي محمد كان هناك جيش قد أعد لتحرير فلسطين، وهو وجيش أسامة بن زيد، وهذا الجيش كان قد انطلق في عهد خليفته أبو بكر الصديق مباشرة، ووصل لفلسطين وعقد عدد من المعاهدات والاتفاقيات وعاد للجزيرة العربية".

وأشار إلى أن وصية الرسول وقبل وفاته لخليفته أبو بكر الصديق كانت أن أنقذوا جيش أسامة فأنقذ أبو بكر جيش أسامة عملا بوصية الرسول والذي عاد إلى الجزيرة العربية بالتزامن مع حروب الردة.

وأوضح وشاح أنه عند انتهاء حروب الردة بانتصار المسلمين واطمأن أبو بكر الصديق إلى جبهة العراق الخطيرة والتي كانت تحت سيطرة خالد بن الوليد أرسل 4 جيوش إسلامية لتحرير بلاد الشام من الاحتلال الروماني، وكان في قيادة كل جيش منهم: عمرو بن العاص، أبو عبيدة بن الجراح، شرحبيل بن حسنة، ويزيد ابن أبي سفيان.

وقال: "حدد أبو بكر الصديق مكان ومسار ومحور العمليات العسكرية لكل جيش من هذه الجيوش، ووزعهم بشكل جيد، فكان مطلوب من أبو عبيدة بن الجراح أن يحرر القاطع الشمالي من بلاد الشام من حمص وشمالا، ليقود يزيد بن أبي سفيان القاطع الساحلي وطلب منه أن يحرر من دمشق شمالا إلى عسقلان جنوبا، وأما شرحبيل بن حسنة فكان مسرح عملياته منطقة القطاع الشرقي وهو الأردن اليوم، أما عمرو بن العاص فكان في قلب بلاد الشام ومطلوب منه أن يحرر مدينة القدس وفلسطين".

وأضاف: "عندما انطلقت الجيوش الإسلامية من المدينة المنورة كان عليها التحرك والدخول من الجنوب من منطقة وادي عربة من الحدود ما بين الأردن وفلسطين جنوب البحر الميت حيث دارت هناك معركة صغيرة في 12 هجري أي 632 ميلادي، حيث انتصرت الجيوش الإسلامية، مما تسبب في زعزعة وعزيمة وتقهقر الجيش الروماني وانسحابه إلى مدينة غزة حيث عسكر وتحصن فيها".

وتابع: "إن أهل غزة الذين يعتنقون الدين المسيحي ساندوا الجيش الإسلامي الفاتح حينما اشتبك الجيشان في معركة وقعت على أرض مخيم المغازي وسط قطاع غزة تسمى داثن".

واعتبر أن مساندة أهل غزة للجيش الإسلامي أحدث مفاجأة كبرى وصادمة للجيش الروماني غيّر مسار العمليات العسكرية، وحققووا انتصارا معه على الرغم من أنهم يدينون للدين المسيحي.

وعزا المؤرخ الفلسطيني اصطفاف أهل غزة مع الجيش الإسلامي وقتالهم للرومان لعدة نقاط أهمها: أن أهل غزة عرب والجيش الإسلامي عربي وربما ينتمون لنفس القبائل، الأمر الثاني أن معركة داثن هي نتاج ما زرعه النبي صلى الله عليه وسلم في معركة تبوك ونتائج ما زرعه أسامة بن زيد في معركته عندما عقدوا اتفاقيات وكانت بنود هذه الإتفاقيات مساندة الجيوش الفاتحة وتقديم العون وتقديم الدعم اللوجستي وتقديم المعلومات له.

وأشار إلى أن الأمر الثالث الذي دفع أهل غزة لمساندة الجيش الإسلامي هو أنهم قد سئموا من الجبروت ومن الظلم ومن الاضطهاد ومن الضرائب التي يفرضها الرومان عليهم.

وأوضح وشاح أن المذهب النصراني الذي كان يعتنقه أهل غزة في ذلك الوقت كان "المذهب اليعقوبي" وهو يخالف دين الدولة الرومانية الذي كان يقول إن عيسى ابن الله، بينما كان يعتبر المذهب اليعقوبي سيدنا عيسى بشرا.

وقال رئيس قسم التاريخ والآثار في الجامعة الإسلامية بغزة: "هذه المعركة التي حصلت في مخيم المغازي حدثت في منطقة تسمى داثنة أو داثن الآن تسمى (الدميثة)، وأهل مخيم المغازي ومنطقة المصدر القريبة منه يعتقدوا أن منطقة الدميثة هي منطقة مباركة ويعتقدوا أيضًا أن فيها مدافن عدد من الأولياء الصالحين، والحقيقة أن هذه المنطقة رويت بدماء الصحابة العظام وشهدت المعركة التي تعتبر أولى وباكورة الفتوحات الإسلامية لفلسطين وبلاد الشام، أنها معركة داثن".

وأضاف: "بعد معركة داثن فتحت غزة وتحررت ودخل أهل غزة الإسلام، لتنال غزة شرف بأن تكون أول مدينة بكل فلسطين وبلاد الشام يدخل أهلها للإسلام، وأنها أول مدينة تحررت من الاحتلال الروماني".

وتابع: "كانت غزة دافعة قوية وممولة ومشاركة بالفتوحات الأخرى، كما شارك أهلها في معركة أجنادين والتي جاءت بعد معركة داثن بسنة أي (سنة 13 هجري)، والتي قادها خالد بن الوليد ضد الاحتلال الروماني جنوبي مدينة الرملة بـ38 كيلومترا، وشمالي قرية بيت جبريل بـ11 كيلومترا".

 وشدد على أن معركة داثن هي أكبر دليل على مشاركة أهل غزة في الفتوحات الإسلامية بكل قوة، وتعطي الشرف لأهل غزة بأنهم من الأوائل الذين دخلوا للإسلام وحرروا بلادهم من الاحتلال الروماني.

وقال: "هذه المعركة (داثن) لا تعتبر كمعركة اليرموك أو أجنادين كون الجيش الروماني المتواجد بها هو ليس الجيش الذي تم اعداده لمدة سنوات للقضاء على الجيوش الإسلامية، إنما هو الجيش المتواجد في ولايات الإمبراطورية الشمالية، ولكن اليرموك استغرق منهم سنوات لإعداد الجيش وقاموا بحشد الجيش من كافة الولايات الإمبراطورية الرومانية".

وأضاف: "الجيش الروماني حسب التوقعات وصل عددهم إلى 50 ألفا، والمعركة كانت بشكل مفاجئ، وكان كل تركيزهم على أهل البلاد الأصليين (أي أهل غزة)، وهم من استطاعوا أن يصدوا الهجوم، ويقدوا الانتصار رغم أنهم كانوا على الدين المسيحي".

ومن جهته أكد رئيس بلدية المغازي، الدكتور حاتم الغمري على أن مخيم المغازي هو من أوائل المخيمات في غزة حيث تأسس عام 1948م لإيواء الفلسطينيين الذين هجرتهم العصابات الصهيونية من أراضيهم داخل الأراضي المحتلة عام 1948م.


                                 حاتم الغمري.. رئيس بلدية المغازي

وأوضح الغمري في حديثه لـ "عربي21" أن المخيم تم تأسيسه عام 1948م على 295 دونما وأصبحت مساحته الان 3 الاف دونم (3 كيلو متر مربع).

وقال: "يغلب على المخيم الطابع السكني، حيث ان حولي 44 في المائة من مساحته هي سكنية، والمناطق الزراعية 17 في المائة، والصناعية 3 في المائة، ولا يوجد فيه مبان حكومية عامة (حكومية) باستثناء المباني الحكومية التابعة للتعليم والصحة".

وأضاف: "إن مخيم المغازي هو منطقة حدودية يقع في المنطقة الوسطى لقطاع غزة، وارتفاعه عن سطح البحر من 21 مترا غربا تصل الى 78 متر شرقا، حيث يوجد فيه انحدر تدريجي في الأرض".
واستعرض الغمري دور بلدية المغازي التي تأسست عام 1978م في تطوير المخيم وسعيهم المتواصل لجلب تمويل لمشاريع البنية التحية فيها.

 وقال: "نبذل قصارى جهدنا من أجل النهوض بالمخيم والعمل على تلبية جميع الاحتياجات سواء كانت في صميم عمل البلدية أو حتى غير ذلك".

وأضاف: "نعمل في البلدية بروح الفريق مع المجلس البلدي وكادر الموظفين من أجل الوصول بأقصى سرعة للأهداف التي نراها ونأمل الوصول إليها، وكذلك نعمل سويا على المفاهيم والقيم السامية من حيث التعامل المتبادل بين المواطنين والبلدية مما لهذا دور كبير في رقي المخيم والنهوض به. ونوظف أيضا جميع الإمكانيات المتاحة من أجل المخيم وذلك عبر الاهتمام بعدة مجالات سواء كانت خدماتية، تعليمية، صحة، وأمنية". 

وأشار الغمري إلى أن المدخل الرئيسي للمخيم تعرض لحزام ناري في عدوان 2021م وتم إصلاح الطريق فورا والعمل بطواقم البلدية تحت النيران.

واستعرض دور البلدية في تأهيل مداخل المخيم وبعض الطرق الداخلية، وتقدم خدمات، والصرف الصحي، والنظافة، وصيانة الطرق، وتامين المياه الصالحة للشرب.

وأعرب عن أمله أن يكون مخيم المغازي الذي يتوسط غزة البوصلة الحقيقية للتطوير والتنمية لجميع مرافق العمل في البلدية وكل البلديات بشكل عام.

وكشف رئيس بلدية المغازي أن المخيم سوف يحتض مجمع محاكم المنطقة الوسطى من قطاع غزة.

واعتبر الكاتب والصحفي عبد الهادي مسلّم ابن المخيم أن مخيم المغازي واحدا من أصغر المخيمات في غزة، سواء من حيث المساحة أو من حيث عدد السكان، ويتسم بضيق أزقته وارتفاع كثافته السكانية.

وقال مسلّم لـ "عربي21": "مخيم المغازي يقع على جزء من أنقاض قرية داثن القديمة أو الدميثة، حيث ذكرها ياقوت الحموي بأنها قرية من قرى غزة هزم فيها الرومان سنة 12هـ، حيث أوقع المسلمون بالروم أول هزيمة فيهم، وقد أطلق  عليها  (الدميثة)، وفي الوقت الحالي يطلق عليها اسم المغازي".


                                       عبد الهادي مسلّم.. كاتب صحفي

وأضاف: "لعبت قرية داثن دور نقطة الدفاع الأمامية لمدينة الداروم (دير البلح حالياً) من جهة الشرق".

وأوضح أن تسمية المخيم بهذا الإسم هو نسبة إلى وجود مقبرة في أوله إسمها "المغازة" وهي معروفة بهذا الإسم منذ أيام الصحابة، ومن ثم تحورت تدريجيا حتى عرفت باسم "المغازي".

وأشار مسلم إلى أن هناك روايات أخرى عن التسمية ومن بينها أنها تنسب لمجاهد اسمه "المغزا"، ورواية ثالثة تقول أن تسمية المغازي ترجع لامرأة اسمها "أم غازي"، لها مقام في أرض المصدر القريبة من المخيم ومع الزمن تحول الى هذا الاسم المغازي.

وأوضح أن شارع صلاح الدين الرئيسي في قطاع غزة يحد المخيم من الناحية الغربية يليه قرية الزوايدة، ويحده من الناحية الشمالية مخيم البريج للاجئين، ومن الجنوب قرية المصدر، ومن الشرق السياج الحدودي الفاصل للأراضي المحتلة عام 1948م.

وأفاد مسلّم أن عدد سكان المخيم حينما تأسس بلغ 9000 نسمة جلهم هاجروا من قرى قضاء غزة الشمالية وقضاء يافا وقضاء بئر السبع وجزء من قضاء الرملة ونسبة قليلة من قضاء الخليل، فيما يبلغ تعداده اليوم 24000 نسمة.

وأوضح أن مخيم المغازي ورجالاته لعبوا دورا مهما في مقاومة الاحتلال خلال أكثر من قرن من الزمان، مسجلين أروع نماذج البطولة والفداء، وكان الهم بصمات واضحة في كل الثورات والهبات الجماهيرية، وكذلك في تأسيس الأحزاب والفصائل والمؤسسات.

التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم