كتاب عربي 21

السيسي وأردوغان.. وخيرهما الذي يبدأ بالسلام!

سليم عزوز
1300x600
1300x600

قبل أن أهم بكتابة هذه السطور، قرأت لمغرد تركي منحاز للرئيس رجب طيب أردوغان، يثمّن "المصافحة" التي حدثت بين أردوغان والسيسي في الدوحة، لما لها من أثر بالغ على "قضايا الأمة"، فتبسمت ضاحكاً؛ ذلك بأن لدينا دائماً من يبررون مثل هذه التصرفات، فيعطونها بعداً أخلاقياً، باعتبارها ستحقق صالح الإسلام والمسلمين!

وهو خطاب شائع، منذ المصافحة التي تمت لأول مرة بين السيسي وأردوغان في الدوحة، وإذ ارتج عليهم ذلك، فذهبوا يقدمون حسن النية، فلا بد للمصالحة أن تكون لصالح الإسلام والمسلمين، لما فيها من وحدة للأمة، وهم الذين كانوا يستمعون لأردوغان وهو يتهجم على السيسي صباح كل يوم وقبل أن يغسل وجهه!

 

لم يحدث أن كان تقارب حكامنا من أجل قضايا الأمة، أو فيه خير لهذه الأمة، إلا في مراحل تاريخية قليلة، مثل هذه الوحدة بينهم في حرب أكتوبر 1973، ثم سرعان ما انقلبوا على أعقابهم يوشك أن يضرب بعضهم رقاب بعض!

والرجاء منعقد على ألا نذهب بعيداً ونعطي الأمور أكثر من حجمها، فكل من السيسي وأردوغان تصرف ببراجماتية، فالمصلحة هي التي تحكم الأداء. وإزاء من يسيئون الظن بالسياسة، فإن فيها مذاهب أخرى ترفض البراجماتية، وتراها شراً مستطيراً، وتكمن الأزمة في هذه المصلحة التي كانت وراء المصافحة!

المصالحة المستحيلة:

قبل عامين من الآن، لم يكن تصور المصالحة بين النظامين المصري والتركي ممكننا، وإن بدا من المقبول أن يكون هناك تقارب قبل ذلك، وتحت رعاية الملك سلمان، لولا أن انبعث في المنطقة أشقاها، فكان الحصار نتاج انبعاثه، فتبخر مقترح محور سني في مواجهة الهيمنة الإيرانية على المنطقة!

الرجاء منعقد على ألا نذهب بعيداً ونعطي الأمور أكثر من حجمها، فكل من السيسي وأردوغان تصرف ببراجماتية، فالمصلحة هي التي تحكم الأداء. وإزاء من يسيئون الظن بالسياسة، فإن فيها مذاهب أخرى ترفض البراجماتية، وتراها شراً مستطيراً، وتكمن الأزمة في هذه المصلحة التي كانت وراء المصافحة

ومع ذلك فعندما نشر في القاهرة أن عبد الفتاح السيسي في طريقه للدوحة، توقعت على الفور أن يلتقي السيسي وأردوغان برعاية قطرية، وإذ استبعد زميلي أحمد سعد ذلك، فقد قلت له: سترى. ولم أكن أعلم الغيب أو أقرأ الفنجان، فهو لقاء من وجهة نظري تحصيل حاصل، وكان من المقرر الوصول إليه، بعد مباحثات تمت بين الجانبين المصري والتركي، ربما كان الدافع إليها أن الإمارات ذهبت منفردة إلى المصالحة مع تركيا، فضلاً عن أن الجانب المصري لديه ما يشغله وهو قنوات المعارضة في تركيا، وتأثير بعض الإعلاميين فيها في الداخل المصري!

وإذ قال الجانب المصري إنه جمد المباحثات من طرف واحد، على ما يبدو احتجاجات على تمسك تركيا بالبقاء في ليبيا، فالتجميد هو ورقة ضغط، ولا يستهدف العودة إلى زمن القطيعة!

وفي اللحظة التي اتخذ الجنرال فيها قراره بتلبية الدعوة القطرية بالمشاركة في حفل افتتاح كأس العالم، كان يدرك تماماً أن السفر سيشهد هذه القمة برعاية قطرية، وكان يمكن له أن يعتذر عن المشاركة، وكان اعتذاره مقطوعاً به، فأمير دولة قطر لم يحضر قمة المناخ، والجنرال بطبيعته، ونظراً لسيطرة الهاجس الأمني عليه، لا يقدم بسهولة على حضور أجواء مرتبطة بالزحام، فضلاً عن أن المنتخب المصري ليس مشاركاً، كما أن القوات المصرية ليست ضمن القوات المشاركة في تنظيم كأس العالم مثل القوات التركية!

والدافع لتلبية الدعوة هو نفسه الدافع لهذه القمة، والجنرال مقدم على المصالحة القطرية، فلا مبرر للخصومة، التي لم تكن قراراً مصرياً بقدر ما هي سياسة السير في الركب؛ قالوا حصاراً فحاصر وقالوا صلحاً فصالح، وما لم يحصل عليه إذا وقع الغزو، فقد يحصل على بعضه بالتقارب، وإن كان ليس بنفس الإقدام على التقارب مع تركيا، ولا يريد إلا مصالحة الحد الأدنى، وإذا لم يوفق أردوغان في الانتخابات المقبلة (2023) فلن يذرف عليه دمعة واحدة!
في اللحظة التي اتخذ الجنرال فيها قراره بتلبية الدعوة القطرية بالمشاركة في حفل افتتاح كأس العالم، كان يدرك تماماً أن السفر سيشهد هذه القمة برعاية قطرية، وكان يمكن له أن يعتذر عن المشاركة

ومن المؤكد أن هذه القمة كانت في ذهنه وهو يتخذ قراره، وربما كانت من أسباب عزمه السفر، فالعلاقات مع الإمارات ليست على ما يرام، وباعترافه هو أن الأشقاء يرون أن على مصر أن تتحمل مسؤولية نفسها وليس لديهم الاستعداد لدفع المزيد، في ظل ظروف اقتصادية ضاغطة على حاكم مصر، وبدأت أبواقه الإعلامية في "الولولة" من القادم، وتوقف خطاب بشّروا ولا تنفّروا!

لقد بدأ الإماراتيون يلاعبونه بـ"جمال مبارك"، وإذا كانوا قد فرطوا في بديله "الفريق أحمد شفيق"، فلأنه بدأ اللعب بعيداً عنهم، على نحو لا يجعله تحت سيطرتهم، وفي فترة كانوا فيها يرون ضرورة استمرار السيسي، فقد دفعوا ثمن بضاعة لم يستلموها، غير أنهم مع هذا لا بد أن يكون لديهم البديل، لكي يلاعبوه به، وحتى لا يفقدوا مصر إذا جاء وقت الضرورة لتغيير الحاكم، ولكل أجل كتاب!

إنني أقول دائما إن النفوذ الإماراتي في مصر أكبر من فكرة الهيمنة الاقتصادية، والخروج من الحسابات الأمريكية أقل كلفة من الخروج من الهيمنة الإماراتية، إلا إذا توفر البديل الآمن. وقد حدد فاتورة التدخل في الشأن المصري وهو مائة مليار دولار، وهو مبلغ لا يمكن لدولة أو لمجموعة دول دفعه، فكان لا بد من العمل وفق قاعدة "نواة تسند الزير"، وإن كان حجم الأزمة لا يجعلنا نرى "زيراً"، فإن العمل يكون وفق قاعدة نصف العمى، ثم إنه يناور (مجرد مناورة) ليقول إنه قد يذهب بعيداً!

على الجانب الآخر، يبدو أردوغان وقد تحول إلى "ماكينة انتخابات"، أنه لا يرى أمامه إلا انتخابات 2023، وهو في سبيل الفوز فيها، مستعد لأن يفعل أي شيء، لا سيما وأن يواجه بتحديات اقتصادية هائلة، ووجود جيل جديد، لم يعاصر تركيا قبل هذه النهضة الكبيرة التي قام بها أردوغان، ولم ير إسطنبول وكيف كانت "مقلب زبالة" وأن تحويلها لقطعة من أوروبا هو من أعمال أردوغان منذ أن كان رئيس بلدية، وأن ما حققه حكم حزبه ليس مسبوقاً، فضلاً عن أن السلطة دائماً تخصم من الرصيد، والإنسان بطبعه يميل للتغيير!
يبدو أردوغان وقد تحول إلى "ماكينة انتخابات"، أنه لا يرى أمامه إلا انتخابات 2023، وهو في سبيل الفوز فيها، مستعد لأن يفعل أي شيء، لا سيما وأن يواجه بتحديات اقتصادية هائلة، ووجود جيل جديد، لم يعاصر تركيا قبل هذه النهضة الكبيرة التي قام بها أردوغان

وقد حملت عليه المعارضة للقطيعة مع دولة كبيرة بحجم مصر، واعتبرته يفعل ذلك من أجل جماعته، ومعلوم عن أردوغان أنه ليس عضواً في جماعة الإخوان، وقد قال الأمين العام للجماعة محمود حسين إن حزب "السعادة" هو الأقرب إليهم من حزب أردوغان، وهو من التصريحات غير الموفقة، التي ربما جمدت قلب الرجل في أن يتخذ خطوة المصالحة!

صفر مشاكل:

لقد اختلف أردوغان مع أحمد داود ، صاحب سياسة "صفر مشاكل"، وكان من المتحمسين للمصالحة مع مصر بوضعها الراهن، فلما وقعت القطيعة بينهما اعتمد سياسته، لأنه يريد قطع الطريق على المعارضة، وهو ما نجح فيه فعلاً، فلم يجد منافسه المحتمل كمال كليتشدار ما يقوله بعد مصافحة السيسي إلا أن يثمن اللقاء!

لقد كسب أردوغان بنطاً بهذه المصافحة، وسحب البساط من تحت أقدام معارضيه بهذا الملف، ولديه أهداف استراتيجية من المصالحة مرتبطة بإعادة ترسيم الحدود، لكنه يحلم لو تصور أن الاتفاق معه أفضل من الاتفاق مع اليونان وأنه يوفر لمصر آلاف الهكتارات، فالسلطة في مصر تعترف بذلك ولا تنكره، لكنها مع ذلك لن تمكن أردوغان من هذا الإنجاز ولو فيه مصلحة أكيدة لمصر!

ومن هنا فالأهداف التكتيكية للجانبين هي المطلوبة، ومن المؤكد أن الرسالة وصلت للجانب الإماراتي، فهو قد يذهب بعيداً، فالقمة تمت برعاية قطرية وليست إماراتية!
كسب أردوغان بنطاً بهذه المصافحة، وسحب البساط من تحت أقدام معارضيه بهذا الملف، ولديه أهداف استراتيجية من المصالحة مرتبطة بإعادة ترسيم الحدود، لكنه يحلم لو تصور أن الاتفاق معه أفضل من الاتفاق مع اليونان وأنه يوفر لمصر آلاف الهكتارات

لقد أضحك أنصار أردوغان (من المصريين)، وأنصار السيسي من الذباب الإلكتروني، الثكالى، فبينما ينشر الأولون صورة القمة والسيسي من يصافح بكلتا يديه، رد الذباب بصورة مغايرة فأردوغان هو من يصافح بكلتا يديه وهي الصورة التي اعتمدها الإعلام المصري!

مع أن المدقق في الصورة الأخيرة سيجد أن كلتا يدي أردوغان كانت رداً على كلتا يدي السيسي، فكان السلام بأربع في وقت واحد، وليست أي من الصورتين مزيفة، بيد أن لقطة سبقت الأخرى، وكل من المتصافحين كان حريصاً على "اللقطة"، مع خالص احترامنا لمن لم تسعفهم الصور، فذهبوا ليتحدثوا عمن انتقل من مكانه ساعياً للود، مع أن من الناحية الشرعية فإن خيرهما الذي يبدأ بالسلام!

هزيمة الإخوان:

ولأن أعداد من يقرأون لغة الجسد هم أكثر من أعداد البشر، فقد ذهب الأولون بأن قراءة جسد أردوغان توحي بأنه اندفع للمصافحة بسيف الحياء وتقديراً للجانب القطري، ويساعدهم على هذه القراءة هيئته الجامدة، في مواجهة نظرة التودد في عيني السيسي!

والحقيقة، أن كلا منهما ظهر بطبيعته، فنظرات التودد وأحياناً الامتنان خاصة بالسيسي، والجمود طبيعي بالسليقة في هيئة أردوغان، وعندما سألني صديق مؤيد للسيسي لماذا بدا أردوغان هكذا؟ قلت له: "صُنع الله"، والحقيقة أنني استخدمت عبارة عامية تقال في هذه الحالة وتعبر عنها: "خلقة ربنا"!
إجراءات التضييق في تركيا بعد المباحثات الثنائية، لم تشمل قناة الإخوان المسلمين، بل لم تمس أي إخواني يعيش على الأراضي التركية، وقائمة الأسماء التي تحدث عنها الجانب المصري لا تخص أيا منهم!

ولأن الإعلام المصري يبحث عن أي انتصار، فقد اعتبر هذا انتصاراً للسيسي الذي اضطر أردوغان للاعتراف به، ثم قالوا إن اللقاء هزيمة للإخوان، فهل هو هزيمة فعلا للإخوان؟!

ينبغي العلم أن إجراءات التضييق في تركيا بعد المباحثات الثنائية، لم تشمل قناة الإخوان المسلمين، بل لم تمس أي إخواني يعيش على الأراضي التركية، وقائمة الأسماء التي تحدث عنها الجانب المصري لا تخص أيا منهم!

ثم إن من علامات فقدان الرشد تصور أن الإخوان يريدون الآن العودة للحكم، فالجانب الذي يتحرك من على قواعد المسؤولية لا يعنيه سوى تصفية ملف المعتقلين، لأن هناك جانبا آخر لو خرج المعتقلون من قيادات الجماعة، فسوف يقع عليه الأمر بخسارة!

وعندما رأى الفريق المهتم المصافحة اعتبرها خطوة في سبيل الإفراج عن المعتقلين، فهل يمكن أن تنتج هذه المصالحة ذلك في الأمد القريب؟!

لا يدرك الحالمون أنها مصالحة الحد الأدنى!

 

twitter.com/selimazouz1
التعليقات (1)
واحد من الناس.... مقال سياسي بالدرجة الاولي
الإثنين، 21-11-2022 08:04 م
حتي انني لا أستطيع أن رأي الاستاذ عزوز في أردوغان .