قضايا وآراء

لماذا لا تنجح دعوات التظاهر في مصر؟

عمرو عادل
1300x600
1300x600

بداية لا بد أن ندرك أن عدم نجاح دعوات التظاهر ليس بالضرورة يعني غياب القدرة على التغيير أو حتى الفعل الثوري، ومن الضروري أيضا تأكيد أن كل عمل مجتمعي له تأثير إيجابي على تراكم الفعل الثوري حتى ولو كان محدودا، ولكن عدم نجاح تلك الدعوات يعني أن هناك خطأ ما يجب علينا التعامل معه ليستمر تراكم الفعل الثوري.

هذا الخطأ قد يكون واحدا من أمرين:

1- رؤيتنا لطبيعة الصراع والعدو ليست صحيحة.

2- استخدام آليات وطرق غير مناسبة، والخلط بين ما هو إعلامي وسياسي وثوري.

وقبل التوغل في التفاصيل أود أن أروي قصة طريفة ربما لها علاقة ما بحكاية الثورة المصرية.

علقة موت

كنت في المدرسة الإعدادية وكانت بجوارنا مدرسة ابتدائية، وفي أحد الأيام كنا نلعب كرة في الشارع بجوار المدرسة الابتدائية بعد انتهاء اليوم الدراسي وسقطت الكرة داخل المدرسة الابتدائية وأخذها بعض الطلبة ورفضوا إعطاءها لنا. كانوا عددا أكبر منا ولكننا أكبر عمرا نسبيا، فكان القرار أن استعادة الكرة مسألة كرامة ولن نتحرك بدونها، ودخلنا في معركة مفاجئة غير مخططة مع الطلبة. والنتيجة كانت علقة موت لنا وعدم حصولنا على الكرة.

لم نتوقف وقررنا إعادة ترتيب أنفسنا والحصول على الدعم من أصدقائنا في المدرسة وإعادة المعركة مرة أخرى، وحتى نستعيد كرامتنا المهدورة قررنا أن نخبرهم أن أمامهم يومين ليعيدوا لنا الكرة وإلا ستكون معركة كبيرة بيننا وبينهم، وبعد يومين تحركنا بدعم من زملائنا لأرض المعركة أمام المدرسة الابتدائية، إلا أن علقة الموت تكررت بطريقة أكثر درامية، ولم نعد ندري ماذا نفعل. لقد قرروا عدم مرورنا من أمام مدرستهم وأصبحنا في أزمة كبيرة فقد هُزمنا تماما، وأصبح اللعب بكرتنا أمام مدرستهم عارا وإهانة يومية لنا.

الثورة المصرية أو الشعب المصري عدوه هو الدولة المصرية بمؤسساتها، والمهم في هذه المؤسسات هي مؤسسات القوة: الجيش والشرطة (مؤسسات القوة الخشنة)، ثم القضاء والإعلام (مؤسسات القوة الناعمة)، وباقي المؤسسات هي مؤسسات داعمة لهذه القوى لا تؤثر بشكل مباشر في الصراع. ومن الضروري فهم الضوابط الحاكمة لهذه المؤسسات

كان كل تفكيرنا منصبّا على كيفية زيادة عددنا لنواجه جحافل الطلبة المنظمين في المدرسة الثانية والذين يخرجون من كل حدب وصوب عند أي معركة، ولم تكن معركة الكرة معركة تخص طلاب مدرستنا جميعا، فالكثير ينأى بنفسه عن معارك تبدو له خاسرة.

كان الحل من أحد الزملاء العباقرة والذي أشار علينا بضرورة التخطيط المسبق قبل مواجهة الأكثر عددا وداخل عقر دارهم، وأننا إن كررنا "الفعل السابق" مئات المرات فلن يتغير شيء إلا زيادة عدد ملابسنا الممزقة. وقد كان، وقمنا بعمل خطة محكمة استمرت أسبوعين ندرس تحركاتهم ومواعيد حصصهم ودخولهم وخروجهم ومن زعماؤهم، وقمنا بهجمة منظمة مكونة من ما يزيد على 10 مجموعات كل منها يعرف ما يفعل واستطعنا رد علقة الموت، والأعظم أننا حصلنا على كرتنا.

وعلى المستوى الشخصي أعتبر أن هذه المواجهة من الانتصارات الممتعة في حياتي.

من العدو؟

لا يمكن الدخول في معركة دون تحديد العدو، وأي خلل أو تساهل في تعريفه يؤدي حتما إلى خسارات متتابعة. والثورة المصرية أو الشعب المصري عدوه هو الدولة المصرية بمؤسساتها، والمهم في هذه المؤسسات هي مؤسسات القوة: الجيش والشرطة (مؤسسات القوة الخشنة)، ثم القضاء والإعلام (مؤسسات القوة الناعمة)، وباقي المؤسسات هي مؤسسات داعمة لهذه القوى لا تؤثر بشكل مباشر في الصراع. ومن الضروري فهم الضوابط الحاكمة لهذه المؤسسات حتى يمكننا التعامل معها، وهي تتميز بعدة خصائص لا بد من إدراكها.

1- المؤسسات لا تصاب بالرعب: من الأخطاء التي يقع بها الداعون لحراك مجتمعي أن تحاول إظهار هذه المؤسسات بمظهر الضعيف حتى تحفز الجماهير على الحركة، فالرعب أو الخوف يضعف بالتأكيد، إلا أن هذا غير صحيح، فهذه المؤسسات ربما تصاب بقلق يحفز من قدرتها على الفعل، ولكنها تبقى في مسار العمل طبقا للخطط الموضوعة، ومن يمتلك خططا وخططا بديلة نادرا ما يصاب بالرعب أو الهلع. ونذكر تجربة 2011، عندما انسحبت قوات الشرطة كان انسحابا تكتيكيا وليس انسحاب فزع.
هذه المؤسسات ربما تصاب بقلق يحفز من قدرتها على الفعل، ولكنها تبقى في مسار العمل طبقا للخطط الموضوعة، ومن يمتلك خططا وخططا بديلة نادرا ما يصاب بالرعب أو الهلع. ونذكر تجربة 2011، عندما انسحبت قوات الشرطة كان انسحابا تكتيكيا وليس انسحاب فزع

2- المؤسسات تعمل بشكل متناغم: التجارب التي مرت علينا في تعاملنا مع النظام تؤكد ذلك، ففي الفترة من 2011 حتى انتخاب د. مرسي رحمه الله كانت سيولة المؤسسات مخططة ومُدارة، وفي فترة وجود د. مرسي كان الإهمال والعناد وتحدي سلطة الرئيس عملا مخططا ومدارا من المؤسسات الأربع، وبعد الانقلاب العسكري تكرر نفس الشيء بالاتباع الكامل لسلطة الانقلاب العسكري. لذا نحن أمام كتلة صلبة متماسكة صعبة الاختراق، وما يحدث من صراعات داخلية حتمية داخل أي تجمع بشري سلطوي موجود بالتأكيد داخل هذه المؤسسات الأربع ولكن له سقف، وهذا السقف متواضع للغاية مما يجعل الرهان عليه لحدوث تفتت داخلي للنظام نتيجة لهذا الصراع ضربا من الجنون.

3- النظام ليس غبيا:
علينا أن نعترف أن النظام العسكري خائن وعميل ومدمر لمصر ولكنه ليس غبيا، فهو يدير معاركه باستخدام أدواته بمهارة وطبقا لمعلومات معظمها لا نعرفها، فالنظام ليس نحن؛ وأولوياته ليست أولوياتنا وأهدافه النهائية ليست أهدافنا، ولذلك الحكم على مهارته طبقا لأهدافنا خطأ مركزي كبير ويؤدي إلى إطلاق أحكام خاطئة. فالنظام له خططه التي لا نعرفها ويستخدم أدواته وإمكانات الدولة لتحقيقها، وهذه الأهداف ليس منها إطلاقا تطوير مصر أو بناء شعب قوي، فقط هدفها إحكام السيطرة على الشعب وتدمير البلاد.


4- النظام يرانا جيدا: حجم المعلومات العلنية التي يستطيع النظام الوصول إليها هائل، وبالتالي قدرته على التنبؤ وعمل الخطط المضادة أكبر مما يتخيل معظمنا، فالسوشيال ميديا المعلنة ودعوات التظاهر والخطط التنفيذية المعلنة على الهواء مباشرة؛ كلها تسهل من طرق عمل النظام معها، فالمعلومة في توقيت معين قد تكون أهم ألف مرة من القوة المادية. ولذلك من المسلّمات والبديهيات أن يكون أي عمل ثوري بعيدا عن أعين النظام ومفاجئا قدر المستطاع، أما اللعب على المكشوف مع النظام ربما يكون خطأ كبيرا لأن المستفيد الأكبر منه هو صاحب الأدوات والوسائل الأكثر، وهو بالتأكيد وبدون شك النظام الحاكم بمصر.

5- النظام شرس وقاتل: لا يعبأ النظام بالقتل ولا يحاسبه أحد، وهذا معلن بمنتهى الوقاحة، فلم يعد هناك حتى ضوابط أو قوانين مكتوبة قادرة على حماية الشعب من النظام، لذلك هناك محاذير كبيرة لنزول الجماهير بالشارع، وحتى الكثافة الهائلة لم تعد رادعا للنظام كما حدث في 2013، فالنظام يتعلم ويطور أدواته في صراعه مع الجماهير، ونحتاج أن نفعل ذلك أيضا.

لا يعبأ النظام بالقتل ولا يحاسبه أحد، وهذا معلن بمنتهى الوقاحة، فلم يعد هناك حتى ضوابط أو قوانين مكتوبة قادرة على حماية الشعب من النظام، لذلك هناك محاذير كبيرة لنزول الجماهير بالشارع، وحتى الكثافة الهائلة لم تعد رادعا للنظام

ربما يرى البعض أن هذه المقدمات تحسم المعركة لصالح النظام، وأن هذا الكلام محبط للغاية، نعم ربما يكون كذلك لمن يصر على استخدام نفس الإجراءات التي استخدمناها في الصراع (وأساسها الدعوات للتظاهر) والتي لم تحقق نجاحا، وتجربة يناير حالة شديدة الخصوصية في أجواء دولية وإقليمية أيضا شديدة الخصوصية لن تتكرر، وانتظار تكرارها عبث كبير.

أما من يريد إنتاج مقاومة حقيقية فلا بد أن يتعامل مع الحقائق ومع العوامل السابقة بجدية، كي يتمكن من بناء منظومة مقاومة قادرة على النجاح.

تناول الجزء السابق تعريف العدو وقدراته وخصائصه، وفي الجزء التالي سأحاول تحديد الشكل الحالي لمنظومة المقاومة (إن صح التعبير)، وأستعرض الآليات المستخدمة ولماذا لا تنجح وكيف يمكننا الخروج من الدائرة المغلقة الحالية، قدر ما أستطيع.

من نحن؟

أقصد من يمثل منظومة المقاومة، وأشير أن إطلاق مصطلع منظومة المقاومة على الوضع الحالي فيه الكثير من التفاؤل، ولكن في الحقيقة هو يمتلك من المقدمات عند قطاع مقبول منه ما يمكنه من بناء منظومة مقاومة حقيقية.

نحن خليط من الكثير من الإعلاميين والسياسيين والأكاديميين ومن بعض الثوريين من تيارات فكرية وأيديولوجيات متباينة، الكثير كان مشاركا في ثورة 25 يناير وحقق لنا نجاحا فريدا ونقلة كبيرة (حتى لو كانت زائفة)، وإحساسا عميقا بالانتصار (حتى لو كنا نخدع أنفسنا)، وأصبحت 25 يناير بالنسبة للكثيرين إنجازا وجوديا. والثوريون كما أعرفهم ليسوا من يتحدثون عن الثورة؛ فالجميع سواء الإعلاميون أو السياسيون أو الأكاديميون بدرجة أقل يتحدثون عن الثورة، ولكن الثوريين من وجهة نظري هم أصحاب تركيبة فكرية ثورية قادرة على بناء فعل ثوري وليس فقط الحديث عنه، وهذه التركيبة الفكرية لها عدة ضوابط ليس مجال الحديث عنها الآن.

ما الأزمة؟

من الصعوبة الشديدة تحديد مركز الأزمة والأوزان النسبية للعوامل المسببة لها، ولكن من الممكن تحديد المصادر الرئيسية للأزمة في "منظومة المقاومة" ويمكن وضعها في النقاط التالية:
كانت محاولة 2011 متغافلة عن طبيعة العسكر والنظام السياسي في مصر واقتنع من أداروها بإمكانية حدوث حل جيد بخسائر محدودة وفي أضيق نطاق، وأعتقد أننا مقتنعون جميعا بفشل ذلك التوجه

1- أزمة التغافل عن طبيعة الصراع: عظيم أن نستطيع حل الأزمات بأقل قدر من الخسائر، ولكن السؤال: هل هذا ممكن؟ لقد كانت محاولة 2011 متغافلة عن طبيعة العسكر والنظام السياسي في مصر واقتنع من أداروها بإمكانية حدوث حل جيد بخسائر محدودة وفي أضيق نطاق، وأعتقد أننا مقتنعون جميعا بفشل ذلك التوجه، السؤال الآن: هل من المنطقي التمسك بنفس التغافل؟ الإجابة ستكون نعم من الغالبية وسيعددون الأسباب التي تبدو مقنعة، وأكرر "تبدو"، ويبقى السبب الكامن وراء ذلك عدم القدرة أو بتعبير أدق عدم الرغبة في إدخال المجتمع في صراع كبير يبدو للبعض أن المجتمع غير قادر على تحمله. هذه المعضلة ستجعل من يفكر بهذه الطريقة أن يضع أدوات وآليات لا تصلح، وسيظل مقتنعا أن "منظومة المقاومة" ستنجح يوما ما، وسنبقى في دائرة الحصار أبد الدهر ما لم نتعامل مع الواقع كما هو وليس كما نبغي أو نظن.


2- أزمة العقل السياسي:
العقل السياسي الحقيقي هو أكثر العقول القادرة على التعامل مع المتغيرات، والسياسيون أكثر الناس مهارة على تحقيق أكبر قدر من المكاسب بأقل قدر من التكلفة، ولذلك عندما يدير الدول سياسيون شرفاء ماهرون تستطيع تحقيق نقلة نوعية كبيرة للغاية في زمن قياسي. والسؤال: هل ذلك يسبب أزمة، في الظروف الحالية؟ نعم، فهذا ليس مجال العقل السياسي الذي يحاول اقتناص الفرص لتحسين الأوضاع أو الدخول في مجال السلطة، فهذه المرحلة تحتاج إلى العقل السياسي الذي يدير معركة كبرى وليس لمن يدير سلطة مستقل. هذه المعضلة -مع حصار غالب الموجودين بالخارج بأحداث ثورة يناير و"الانتصارات" التي تحققت- تجعل انتقال العقل السياسي إلى عقلية إدارة المعركة صعبة للغاية وتمثل أزمة في إنتاج منظومة مقاومة حقيقية.

3- أزمة العقل الإعلامي: لسبب مجهول يعتقد كبار الإعلاميين -وهم في حقيقة الأمر القوة الدافعة الأكبر في هذه المرحلة للحفاظ على "الصوت الثوري"- أن مجرد استماع لدعوة ما أو تعليمات ما ستبدأ الجماهير فورا بالتنفيذ، ولا أدري من أين تأتي هذه القناعة، ولكنها تكررت بشكل أصبح مزعجا للغاية وقد يتحول إلى أن يكون سلبيا. هناك حلقة وصل مفقودة، ناهيك عن خطورة تحمل الإعلام وحده هذه القرارات، حلقة الوصل المفقودة هي الكوادر التي تستطيع تحويل التعليمات الثورية إلى حركة جماهيرية من الجماهير، أما انتقال هذه الإجراءات من القمة إلى الجماهير مباشرة دون وجود كوادر إما أنها لن تحقق المطلوب أو أنها ستصيب بأضرار بالغة. فكما ذكرنا نحن نتعامل مع كيانات معادية منظمة، وإن غياب عقل ثوري منظم أو بتعبير أدق عدم قدرته لأسباب كثيرة على التواجد؛ لا يعني أن يقوم طرف آخر بهذا الدور.

ما يمكن أن يقال هو غياب الكوادر يجبرهم على ذلك، حسنا ربما يكون الرد: دعنا نسير في الطريق الصحيح "الطويل نسبيا" ونبدأ في إعداد الكوادر، فلا يمكننا الركض بدون قدمين ولا السباحة بلا ذراعين. وغياب القدمين والذراعين لا يجبرنا على الغرق أو الزحف تحت وابل من الرصاص.

4- أزمة متلازمة الحشد بالميادين: تمثل 25 يناير ونموذجها أزمة حقيقية للكثير من المتواجدين بالخارج، فقد حققت كما ذكر سابقا نصرا ولو كان زائفا بتضحيات قليلة للغاية، ويسيطر ميدان التحرير أو الميادين بشكل عام والتجمع فيها على العقل الجمعي، وبالرغم من كارثة آب/ أغسطس 2013 إلا أن الإصرار على نفس التوجه هو نتيجة للأزمات المذكورة سابقا (التغافل- أزمة العقل السياسي). ولكي نستطيع بناء نموذج مقاومة قادر على الدخول في مواجهة حقيقية لا بد من الخروج من متلازمة الميادين.

حسنا، يمكننا الآن الحديث عن نتائج هذه الأزمات طيلة السنوات العشر السابقة في صورة إجراءات "ثورية" حدثت وما زالت تحدث نحتاج لإجراءات منها.

5- التوقف عن الجلد المستمر للذات: هناك فارق بين الانتقاد والرغبة في إنتاج عمل ثوري حقيقي وبين الجلد المستمر لكل الموجودين في الساحة، والأهم أن عمليات الجلد المستمرة تأتي من عدم تحقيق إنجاز وكأن الإنجاز سيأتي وحده. بالتأكيد هناك أخطاء وربما جرائم من البعض، وربما يكون الخط الذي يجب العمل على بنائه هو النظر للمستقبل وتغيير أنماط المقاومة لتتناسب مع الوضع الحالي والمقدمات السابقة.

6- الخروج من متلازمة الميادين: طبقا لطبيعة الصراع الحالي وقدرات العدو؛ لا بد من تغيير تكتيكات الحركة والنضال، ويبدو أنه في حالة الاستمرار في هذه المتلازمة سنبقى محاصرين داخل دائرة أزمة التغافل.

7- بناء الكوادر: ليكن شغلنا الشاغل خلال العامين القادمين هو كيفية بناء الكوادر الثورية التي تستطيع نقل الأفكار الثورية إلى فعل ثوري، ونقتنع بأن الفعل الثوري الحقيقي القادر على التغيير العميق متجاوزين أزمة التغافل لا يمكن أن يتحقق بالجماهير فقط، فالجماهير لها طاقة هائلة مكبوتة تحت سيف القمع والخوف المبرر، ولن تتفجر تلك الطاقة دون مجال مناسب لا ينتجه إلا الكوادر.

الجماهير هي صاحبة الحق والقوة الكبرى وهي تحتاج فقط كما ذكرنا لمجال مناسب للفعل الثوري، ولا تلام على تراجعها في حالة عدم توفر هذا المجال. ولا بد من التفريق بين الجماهير والكوادر، ولا يجب تحميل الجمهور عبء الكوادر لأنها لن تستطيع. الجماهير لا تخذلنا بل نحن من نخذلها بالضغط النفسي عليها بدفعها إلى ما لا تستطيع ونخذلها بإهمال صناعة كوادر تقود الجماهير

8- التوقف عن لوم الجماهير: مهما حدث، فالجماهير هي صاحبة الحق والقوة الكبرى وهي تحتاج فقط كما ذكرنا لمجال مناسب للفعل الثوري، ولا تلام على تراجعها في حالة عدم توفر هذا المجال. ولا بد من التفريق بين الجماهير والكوادر، ولا يجب تحميل الجمهور عبء الكوادر لأنها لن تستطيع. الجماهير لا تخذلنا بل نحن من نخذلها بالضغط النفسي عليها بدفعها إلى ما لا تستطيع ونخذلها بإهمال صناعة كوادر تقود الجماهير. لقد سطرت الجماهير ملحمة كبرى في 2013 وما تلاها، وكانت أزمة التغافل وأزمة العقل السياسي هي من خذلت الجماهير.

إذن فالتراتب الطبيعي لإدارة عمل ثوري هو:

1- تغيير العقل الجمعي لإدراكه طبيعة الصراع.

2- الخروج من حصار العقل السياسي والإعلامي إلى رحابة العقل الثوري بكل اندفاعه وتمرده وإبداعه.

3- معركة تكوين الكوادر الثورية على الأرض.

4- التوقف عن اللعب على المكشوف مع النظام، فنحن لسنا في انتخابات تجديد نصفي ولا انتخابات نقابة الصحفيين.

5- عدم حرق الجماهير وتحميلها ما لا تطيق.

6- الفكرة ثم التخطيط ثم الكوادر ثم الجماهير، وربما أجد من الشجاعة أن أقول إن أي تغيير لهذا الترتيب مصيره كسابقه من 2011 حتى الآن.

نحن نلوم أنفسنا جميعا، ولا أحد منفردا يتحمل النتائج، إنها منظومة تحتاج لإعادة بناء إن أردنا تحرير مصر وشعبها.

التعليقات (3)
الكاتب المقدام
الأحد، 13-11-2022 10:23 م
*** 3- وهناك رأي آخر أن ثورة 2011 قد قمعت وانتهت بنجاح الثورة المضادة بعد الانقلاب، وأنه لن يوجد في كل جيل إلا ثورة واحدة، وأن جيل الكبار الذي شارك فيها لن تكون أمامه فرصة للمشاركة في ثورة أخرى (أ/ سليم عزوز نموذجاُ)، والرؤية الأفضل لفهم حقيقة الأحداث الجارية أنها ثورة واحدة مستمرة ولم تخمد، وإن تغيرت مساراتها وهدأت فعالياتها حيناُ واستعرت حيناُ، فمقومات قيامها ما زالت مستمرة، كما أن القوى الشعبية التي قامت بها لم تيأس من تحقيق أهدافها، والدليل أن أ/ عزوز نفسه أحد رموز الثورة مستمر في دوره في مقاومة النظام الانقلابي في ميدانه ودوره ولم يتوقف، والخط الفاصل بين ميادين الإعلامي والسياسي والثوري من مقاومي الانقلاب قد انمحى، ورغم أن الثورة المصرية تخضع لخصوصية وظروف مصر السياسية والاقتصادية، فإن تزامنها مع ما سمي بثورات الربيع العربي لم يكن صدفة، بل أن الترابط بين تلك الثورات عضوي، وأسباب قيامها متشابهة، وأهدافها واحدة، ونظمها الحاكمة وقوى الثورة المضادة فيها مترابطة، كحالة الثورات في دول حلف وارسو وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، ففهمها لا يتم إلا بتناولها ككل، ومستقبل ثورات الربيع العربي واحدة، وهي لم تقم ضد دول حقيقية ولا جيوش متماسكة، ولكن ضد أشباه دول، والقوات المسلحة فيها من جيش وشرطة ليست بالتماسك الذي تبدوا به، فهي ليست كيان واحد مندمج، فالتفرقة الطبقية والواسطة والمحسوبية وفساد القيادات فيها مذهلة ومعروفة (المجندون بنظام السخرة الأكثر عدداُ، والأقرب إلى التمرد مثالاُ)، ولا يوجد فيها احترام حقيقي للقيادات، فالكل يتربص بالكل، فعصابة انقلاب 1952 من صغار الضباط قد انقضوا على قياداتهم، ثم غدروا بقائدهم اللواء محمد نجيب واعتقلوه، والسيسي كان أحدث رتبة من اللواء عمر سليمان والفريق شفيق واللواء عنان، ولكنه خانهم، فقتل الأول وعزل الثاني وسجن الثالث، وهو ككل متآمر لا ينام الليل خوفاُ من الانقلاب عليه ممن حوله، كما فعل هو بخيانة رئيسه، وختاماُ فالثورات الشعبية على النظم الفاسدة مسئولية الشعب كله، وليس فقط مسئولية الأحزاب أو النخب والقيادات السياسية. والجماهير الشعبية عندما تتدهور أحوالهم المعيشية إلى حضيض جديد، ستدرك فساد حكوماتها، وستعلم الطريق لهدم شبه جمهورية السيسي الوهمية الجديدة وأزلامه، وسيكون لها شأن آخر، والله أعلم بعباده.
الكاتب المقدام
الأحد، 13-11-2022 10:15 م
*** 2- ويرى آخرون أن ثورة يناير 2011، لم تقم إلا بتخطيط وتوجيه من عصابة قيادات المجلس العسكري للخلاص من جمال مبارك، هكذا!!.. أي أنها ثورة مصطنعة (اليوتيوبر احمد بحيري كنموذج لمروجي نظرية المؤامرة تلك)، وهي نظرية تبناها بعض من قصروا مشاركاتهم على التواجد في ميدان التحرير، الذين كان بعضهم على تواصل مع قيادات عسكرية وشرطية، ولكن الذين شاركوا في الانفجار الشعبي في كل أنحاء مصر يوم الجمعة 28 يناير، يعلمون أنه كان انفجاراً شعبياُ تلقائياً، وسقط الآلاف منهم بين شهيد ومصاب، ولكن العسكر بدأ دورهم لركوب الموجة وملأ الفراغ في السلطة الذي تلى بدايات الثورة الأولى، بعد تخبط وصراع بينهم (سقوط اللواء عمر سليمان والفريق احمد شفيق نموذجاُ)، والدليل أن كل أعضاء المجلس العسكري الذي حكم مصر قبل أول رئيس مدني منتخب، قد تم تصفيتهم بكاملهم، ومعهم كل قيادات ما سمي بجبهة الإنقاذ كالبرادعي وحمدين، التي عملت على توفير الغطاء الشعبي للانقلاب في 30 يونيو 2013.
الكاتب المقدام
الأحد، 13-11-2022 10:13 م
*** 1- أهمية تصحيح "رؤيتنا لطبيعة الصراع": هل الحراك الشعبي في مصر الذي بدأ في يناير 2011 هو ثورة؟ بعض أهم الرموز الذين عايشوها وشاركوا في كل مراحلها وقدموا التضحيات لإنجاحها، يرفضون وصفها بالثورة (أ/ احمد عبد العزيز نموذجاً)، ويرون أنها مجرد انتفاضة محدودة لم تنجح، رغم أنه إن لم يكن لموجتها الأولى من فضل إلا الخلاص من الحزب الوطني الديمقراطي لكفاها، الذي تم توطيد أركانه وتعميق جذوره في الدولة العميقة، ونشر نفوذه خلال ما يزيد عن ثلاثين عاماً، وكان يضم في عضويته ما يربوا على ثلاثة ملايين عضو عامل، ولو تمكنت عصابة لجنة سياساته من حكم مصر، لكان خطرهم على مصر أكبر من خطر عصابة انقلاب 2013، فقد كانوا أقوى تعاضداُ وأفضل تنظيماُ وترابطاُ وخبرة وذكاء، وأكثر فساداُ ورسوخاُ، وأوسع تأييداُ من ملايين الانتهازيين، مع تربيطات وثيقة بقوى الفساد في الداخل، وعلاقات عمالة مستقرة بالقوى الخارجية الداعمة لها.