تقارير

مشروع الروائي إبراهيم نصر الله يجسد فلسطين وتاريخها الشعبي

إبراهيم نصر كان الشعرُ بدايتَه لكنه يحمل مشروعه الروائي
إبراهيم نصر كان الشعرُ بدايتَه لكنه يحمل مشروعه الروائي

هو أحد كاتبَيْن فلسطينيَّيْن طبعَا المرحلة بأعمالِهما، كان الشعرُ بدايتَهما لكنهما يحملان المشروع الروائي في جعبتيهما: إبراهيم نصرالله ووليد سيف.

هذا الأسبوع جالَ إبراهيم نصرالله في لبنان، في سلسلة لقاءات أدبية وفكرية عن الأديب الفلسطيني غسان كنفاني في الذكرى الخمسين لاغتياله بسيارة مفخخة، وتحدّث عن تأثره بكنفاني وكتاباته.

من اللافت المُعجِب بنصر الله أنه ترك العمل في الخليج وعاد إلى عمّان من أجل مشروعه الثقافي، كان مقتنعاً بأنه سيحقق النجاح فيه، وأنه سيكون مشروع حياته الذي استمر منذ عودته إلى الأردن حتى اليوم. هذا المشروع الذي أصبح علامةً من علامات الأدب الفلسطيني، ومنارةً من مناراته. فتضمن عشرات الكتب، منها 15 ديواناً شعرياً و22 روايةً من ضمنها مشروعا "الملهاة الفلسطينية" الذي يغطي 250 عاماً من التاريخ الشعبي الفلسطيني و "شرفات" التي يعتبرها الوجه الآخر "للملهاة". وآلاف المقالات وعدداً من معارض الصور الاحترافية.

سيرته الذاتية

"طفولتي حتى الآن" هو آخر كتاب صدر لنصر الله، يتحدث عن سيرته الذاتية، غير أنه ليس من بطولته! رغم أن سيرته تتضمن الكثير من المحطات التي يستحق أن يكون بطلها..

 

                    إبراهيم نصر مع الكاتب ياسر علي

وُلد شاعرنا وأديبنا في مخيم الوحدات عام 1954، الذي لجأ إليه مع أهله من قرية البريج (قضاء القدس) في فلسطين، ودرس في مدارس وكالة الأونروا، بدأت محاولاته الروائية الأولى في الصف الثالث الإعدادي (التاسع)، فكتب روايتين قاله "إنهما كارثيتان، لكنهما أثبتا لهذا الفتى أنه يستطيع أن يجلس ليكتب ثمانين صفحة، بدل أن يلهو مع أقرانه". وكتب الشعر أيضاً في تلك الفترة، وكان معلمه لا يصدقه "حتى كتبتُ قصيدة هجوتُه فيها، ولكنه لما استشهد في قذيفة من قذائف أحداث أيلول الأسود.. رأيت من واجبي أن أرثيه بقصيدة أخرى".

حصل على دبلوم تربية وعلم نفس من مركز تدريب عمان لإعداد المعلمين. ولهذا قصة رواها أيضاً. تدل أنه كان يجري وراء مشروعه، لكنه يومها أراد أن يدرس الموسيقى، فقامت والدته "وحوّشت" الدالية ووضعت العناقيد في حرجها، وجاءت إليه وألقتها أمامه وقالت "هذا كل ما نملك"، فشعر بالمسؤولية تجاه العائلة وحالة الفقر التي تعيشها والتحق بمعهد المعلمين.

انتقل في العام 1976 إلى السعودية، في محافظة حائل للعمل في قرية فقيرة اسمها "القنفدة"، شهد فيها فقر الأهالي الشبيه بالمخيمات الفلسطينية، مرفقاً بانتشار الأمراض وخصوصاً الملاريا التي كانت تقضي على الأهالي وزملائه المعلمين وطلابه الصغار، وقد أصيب هو بالملاريا، ومن هذه الإصابة استوحى روايته الأولى "براري الحُمّى".

قضى سنتين في السعودية وعاد إلى عمان عام 1978 ليبدأ مشروعه الأدبي، فهو كاتب ومصور وصحافي وشاعر، وكاد أن يكون موسيقياً.. أي أنه مشروع ثقافي متنقّل.. تميز عن وليد سيف بغزارة الإنتاج، في حين تميّز وليد سيف بالأكاديمية والأعمال الدرامية. علماً أن رائعته "زمن الخيول البيضاء" كادت تتجسد درامياً مع المخرج الراحل حاتم علي، لكن الأخير وافته المنية قبل اكتمال الاتفاق وتوفّر التمويل.

حقق حضوراً واضحاً لدى النقاد والقراء من مختلف الأجيال، ونسبة مبيعات عالية لرواياته وأشعاره، وتمّت ترجمة أعماله إلى عدة لغات، واختير بعضها بين الأفضل عالمياً، وما الجوائز التي حصل عليها ورسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه عن أعماله إلا دليلاً على إبداعه وحضوره.

ثلاث ميزات، تضاف إلى فلسطينيته الأدبية والشعرية، أراها في كتب نصر الله:

1 ـ هي أنه يرفض التوثيق والسردية من دون الخيال والأسلوب الأدبي.
2 ـ لا يغلق رواياته كلياً، بل يتركها مفتوحة على العديد من الأسئلة.
3 ـ يعيش رواياته، سواء معنوياً كما حدث معه في إحدى رواياته (أظنها حارس المدينة الضائعة) حين انقطع نفسه في أثناء الكتابة وكاد يختنق. أو مادياً حين تطوّع ورافق الأطفال في رحلة جبلية في أفريقيا، وكتب منها رواية "أرواح كليمنجارو". بل إنه تبرع بالجائزة لمؤسسة فلسطينية تُعنى بهؤلاء الأطفال.

الجوائز

ـ جائزة "كتارا"  2016 عن "أرواح كليمنجارو" و2020 عن "دبابة تحت شجرة الميلاد".
ـ الجائزة العالمية للرواية العربية 2018 عن رواية "حرب الكلب الثانية".
ـ جائزة رابطة الكتّاب الأردنيين ثلاث مرات عن ثلاثة مجموعات شعرية له.
ـ جائزة القدس للثقافة والإبداع في فلسطين 2012.
ـ جائزة سلطان العويس للشعر العربي 1997.
ـ جائزة تيسير سبول للرواية 1994.
ـ جائزة عرار للشعر 1991.

إنتاجه الشعري

بلغت مجموعاته الشعرية 15 مجموعة، منها:

ـ الخيول على مشارف المدينة 1980
ـ نعمان يستردّ لونه 1984، وهي مجموعة شعرية مُنعت من النشر لعدة سنوات، وجرت محاكمته بسببها.
ـ أناشيد الصباح 1984.
ـ الفتى والنهر والجنرال 1987
ـ عواصف القلب 1989
ـ حطب أخضر 1991
ـ فضيحة الثعلب 1993
ـ الأعمال الشعرية 1994
ـ شرفات الخريف 1996
ـ كتاب الموت والموتى 1997
ـ باسم الأم والابن 1999
ـ مرايا الملائكة 2001 عن الشهيدة الرضيعة إيمان حجو.

رواياته

توزعت رواياته بين سلسلتَيْ "الملهاة الفلسطينية" و "الشرفات" وبعض الروايات الشاردة عنهما وكتب ودراسات أدبية أخرى.

في "الملهاة" كتب:

ـ مجرد 2 فقط 1992
ـ طيور الحذر 1996
ـ طفل الممحاة 2000
ـ زيتون الشوارع 2002
ـ أعراس آمنة 2004
ـ تحت شمس الضحى 2004
ـ زمن الخيول البيضاء 2007، بدأ العمل بها في 1984.
ـ قناديل ملك الجليل 2012
ـ أرواح كليمنجارو 2015
ـ ثلاثية الأجراس: ظلال المفاتيح، سيرة عين، دبابة تحت شجرة عيد الميلاد 2019.

 



أما في "الشرفات" فكتب:

ـ براري الحُمّى 1985
ـ عو 1990
ـ حارس المدينة الضائعة 1998
ـ شرفة الهذيان 2005
ـ شرفة رجل الثلج 2009
ـ شرفة العار 2010
ـ شرفة الهاوية 2013
ـ شرفة الفردوس 2014
ـ حرب الكلب الثانية 2016
وغيرها من الكتب المهمة، التي ختمها بكتاب السيرة الذاتية الأخير: طفولتي حتى الآن.

 



نماذج من الشعر 

قصيدة دمهم

دمُهْم صباحُ الخيرْ
دمهم مساءُ الخير
دمهم تحيتُهم.. رسالتُهم إلينا
دمهم حكايتُهم.. وخوفهمو علينا
دمهم مساجدُهم.. كنائسُهمْ نوافذُ دورهمْ
دمهم محبتُهم وغضبتُهم
دمهمْ عتابٌ جارحٌ
دمهم فضاءٌ فاضحٌ
دمهم حكايةُ أمهّمْ لصغارهِا
دمهم رسالةُ وردةٍ لرحيقها
دمهم طيورُ بلادهم ورياحُها
دمهم معاركُهم.. وهدنتُهم
وطرفتُهم إذا اندفَع الغزاةْ
دمهم ذراعُ صلاتِهمْ
دمهم صلاةْ

* * *

لم يتركوا شجراً يعاتبهم
ولا قمراً على شرفاتِ منزلهمْ
ولا أغنيّةً عطشى لأنهُرهمْ
لم يكسروا أُمنيّة سكنتْ عيونَ صغارِهمْ
أو خاطرَ الزيتون فوق تلالهِم
هُمْ أصدقاء البحر
هم أصدقاءُ النهرْ
هم أعينُ الزيتونْ
هم زهرةُ الحنّونْ
هم خُضرةُ الأشجارْ
وطفولةُ الأنهارْ
هم قِبْلةُ الشعراءْ
وذخيرةُ الفقراءْ
هم شارعٌ في الفجرْ
هم ضحكةٌ في الصخرْ
ووضوحُ هذا السّرْ
دمهم صباحُ الخير
دمهم مساءُ الخير

قصيدة الدليل

تخرجُ الروحُ من طينها نحوَ أرضٍ
هي الروحُ والطينُ
والشمسُ في شرفات الأصيلْ
ظلُّها شجرٌ فارعٌ يستغيثُ
وخطوتُها مهرةٌ تتفلَّتُ
من كبوةٍ.. وهلالٍ قتيلْ
......

صحراءُ

......

كانت بحارُ الرمال إلى الشرقِ منقوعةً بالسرابِ
إلى الغربِ ذائبةً في الرياحِ
بحثْنا عن النجمِ
لكنهُ راحَ يٍسألنا شاحباً عن سبيلْ 

......

سبعةٌ.. وثلاثُ نساءٍ وطفلٌ
ولا شيء في اليدِ إلاَّ القليلْ
قالَ: من ههنا...
فمشينا على هَدْيِهِ
قالَ: جُعْتُ..
بسطْنا لهُ زادنَا فآستراحَ
وكنا هنالكَ من حولهِ غابةً من نخيلْ

......

سنةٌ أورقَ العشبُ في لحمنا
.. انطفأَ العشبُ
أَينعَ حُلْمٌ..
وضلَّ صهيلْ
ولا حجراً مهملاً كي نَقيْلْ

......

خذي قامتي واستريحي قليلاً
أنا طَلَلٌ في هواكِ يسيلْ

......

ولم يكُ فينا الذي يتهاوى
ويبكي لأنَّ الطريقَ طويلْ

......

كانَ يُنشِدُ مشتعلاً في الظلامِ:
أنا من يُقَلِّبُ هذي البراري كراحتهِ
ثمَ يمتدُّ للنجمِ يستلُّهُ من فضاءاتهِ
يمسحُ الليلَ عن وجههِ 
ويغني له: يا جميلْ
 
......

وسرنا على هدْيِهِ
قالَ: جعتُ
اختَلَيْنَا بأرواحنا..
فذبَحْنا له واحداً
ستةٌ..
وثلاثُ نساءٍ..
وطفلٌ..
ويومُ عويلْ
ليلةٌ.. ليلتانِ
هوى
قالَ: جعتُ
ذبحنا لهُ امرأةً
قالَ: جعتُ
وحَدَّقَ في الطفلِ:
 آكُلُهُ قبلَ أن يَفْسُدَ الطينُ فيهِ ويكْبُرَ
طفلاً هزيلْ
وسرْنا على هدْيِهِ

......

لم يكنْ قد تَبَقَّى سوى اثنينِ
قالَ سأُبْقي عليكَ لتتبعني
ولِتشهَدَ أني وصلتُ
وأني اختتمتُ الرحيلْ..
وسرْنا..
ولكنه قالَ: جعتُ
استدارَ إلى جثتي هائجاً
عبرَ ظلِّي النحيلْ

......

هكذا
لم يصلْ أحدٌ آخرَ الأمرِ
غيرُ الدليلْ.

 

*كاتب وشاعر فلسطيني


التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم