كتاب عربي 21

الفقراء أشد تضررا من التغير المناخي

جعفر عباس
1300x600
1300x600

أخطر قضية تواجه البشرية هي التغير المناخي، الذي نجم عنه اضطراب الأحوال الجوية: أمطار غزيرة في غير مواسمها، وجفاف في مناطق مدارية كانت تحظى بمطر وفير على مدى أشهر الصيف والخريف، وفقدان الكثير من الغطاء النباتي، وينجم عن ذلك زحف الصحراء إلى الأراضي الزراعية الخصبة، ولكنك لا تسمع أجراس الخطر تقرع في أي دولة عربية، بسبب سوء فهم أس المشكلة، فطالما أنه من الثابت أن انبعاث غازات بعينها في الدول الصناعية هو المسؤول الأول عن الظاهرة، فهذا أمر بأيدي حكومات تلك الدول، ودالة سوء الفهم أيضا أن هناك استخفافا عربيا رسميا وشعبيا بارتفاع درجات الحرارة، ربما من منطلق أن معظم الدول العربية تعيش في الحزام ذي الطقس الحار، بينما ذلك الارتفاع في واقع الأمر هو بداية الحكاية، فالأرض محكومة بنظام مناخي متكامل، والتغييرات في منطقة واحدة تؤدي إلى تغييرات في جميع المناطق الأخرى.

يتجلى تغير المناخ في مناح كثيرة منها الجفاف الشديد، وندرة المياه، والحرائق العاتية في الغابات (الجزائر ولبنان نموذجان) وارتفاع مستويات سطح البحر والفيضانات وذوبان الجليد القطبي والعواصف الكارثية وتدهور التنوع البيولوجي. وبما أن العالم العربي جزء من كوكب الأرض، فهو مرشح لتقلبات مناخية حادة وجامحة على مدى الخمسين عاما القادمة.
 
إهمال أمر التقلبات المناخية يتضرر منه على نحو خاص الفئات التي تعتمد على الموارد الطبيعية للرزق، وهي فئات ضعيفة، فنصف سكان المنطقة العربية تقريبا يسكنون في الأرياف ويمارسون ما يسمى بالاقتصاد الطبيعي، وتشهد معظم الدول العربية حاليا ظاهرة ترييف المدن، فتدفق ملايين القرويين على المدن الكبيرة طلبا للعمل بأجر، تسبب في وضع معكوس، فسنة التطور في التجمعات السكانية، هي أن الريف "يتحضَّر" تدريجيا، بينما ما هو حادث في العالم العربي، هو ان المدن تصبح ريفية الطابع لوجود أعداد هائلة من الناس، لا تملك مهارات العيش في المدن، وتمارس وظائف هامشية مصطحبين معهم عاداتهم الريفية.

 

هناك توافق دولي بالحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى ما لا يزيد عن 1.5 درجة مئوية، باعتبار أن ذلك يساعد على تجنب أسوأ التأثيرات المناخية والحفاظ على مناخ صالح للعيش. علما بأن مؤشرات عديدة تشي بأن درجة الحرارة سترتفع بمقدار 2.8 درجة مئوية بحلول نهاية القرن.

 



بدأ التعدي على المناخ منذ القرن التاسع عشر، عندما أدت الطفرات الصناعية إلى استخدام الوقود الأحفوري من فحم وغاز ونفط، ونجم عن ذلك انبعاث غازات الدفيئة التي تعمل مثل غطاء يلتف حول الكرة الأرضية، مما يؤدي إلى حبس حرارة الشمس ورفع درجات الحرارة. ورغم أن الدول العربية لا تسهم في تلك الانبعاثات إلا بقدر قليل لأنها لا تمارس التصنيع الثقيل، إلا أنها تغض الطرف عن التعدي على الغابات والأغطية النباتية، وفي السودان تم على مدى السنوات العشر الأخيرة استباحة الغابات لإنتاج الفحم، بل إن التعدي طال الأشجار المنتجة للصمغ العربي، الذي هو أحد أهم صادرات السودان، حتى بات من المرجح أن تشاد وإثيوبيا قد تحلان محل السودان كمصدر رئيس للصمغ.

هناك توافق دولي بالحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى ما لا يزيد عن 1.5 درجة مئوية، باعتبار أن ذلك يساعد على تجنب أسوأ التأثيرات المناخية والحفاظ على مناخ صالح للعيش. علما بأن مؤشرات عديدة تشي بأن درجة الحرارة سترتفع بمقدار 2.8 درجة مئوية بحلول نهاية القرن.

ومعلوم أن تحويل أنظمة الطاقة من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، سيؤدي إلى تقليل الانبعاثات المسببة لتغير المناخ. ولكن العجيب في أمر العالم العربي، هو أن دولتين من كبار منتجي ومصدري الوقود الأحفوري، هما قطر والإمارات، تنفقان بسخاء على تطوير مصادر الطاقة المتجددة، وفي هذا بعد نظر؛ لأن النفط والغاز إلى زوال، بينما الشمس والرياح باقيتان.

والتغيرات المناخية محسوسة في جميع الدول العربية، فتلك المطلة على البحر الأبيض المتوسط شهدت في السنوات الأخيرة ارتفاعا هائلا في درجات الحرارة، بينما تسببت موجة الجفاف في حرائق الغابات في الجزائر، وفي المغرب اختفت العديد من الواحات نهائيا خلال القرن الماضي، بينما سجلت منطقة النويصيب في الكويت العام الماضي، 53,1 درجة مئوية، وهي الأعلى في العالم. وفي السعودية، ظهرت وديان صغيرة من الثلج المذاب في جنوب المملكة المعروفة بدرجات حرارتها المرتفعة. أما في السودان، فمعاناة العديد من المناطق مع العواصف الرملية اشتدت مؤخرا، وطمرت الرمال آلاف الأفدنة من الأراضي الخصبة، وفي موريتانيا، زاد معدل الحرارة ما بين عامي 1901 و2020 بمقدار سنوي قدره 0.16 درجة مئوية، وفي مصر، يكرر خبراء تحذيراتهم من احتمال غرق مدينة الإسكندرية، وكذلك أجزاء واسعة من دلتا النيل؛ بسبب ارتفاع مستوى مياه البحر المتوسط بفعل التغير المناخي.
 
ولعل السودان، هو النموذج الكلاسيكي لإهمال البيئة، وعدم التحسب للمتغيرات المناخية، فجميع أقاليمه باتت معرّضة لتغيّر درجات الحرارة ومعدلات هطول الأمطار، وحوالي 65% من السكان يقطنون المناطق الريفية ويعتمدون مباشرة على موارد متأثرة بالتغير المناخي. وتؤكد لغة الأرقام أن معدلات هطل الأمطار في السودان، ظلت في انخفاض طوال الستين سنة الماضية، ولكن يحدث أحيانا أن تأتي أمطار قوية تسبب سيولا تهلك الحرث والنسل والزرع والضرع، وتنجم عن كل ذلك عمليات نزوح هائلة إلى مناطق قد تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة.
 
ومن وجهة نظر بيئية، فإن السودان من أقل الدول التي تساهم في انبعاث غازات الاحتباس الحراري، فقد ظلت حكوماته المتعاقبة تتعامل مع قضية التغير المناخي على أنها تخص الأوروبيين والأمريكيين والصينيين، ولا عليهم أن قمة غلاسكو المناخية حذرت من أن السودان على رأس قائمة الدول الأكثر عرضة لتداعيات التغير المناخي، وأنه سيشهد انخفاضا في إجمالي ناتجه الداخلي بمعدل 20 في المئة بحلول العام 2050 و64 في المئة بحلول 2100 إذا ارتفعت درجة حرارة العالم بـ2,9 درجة مئوية.


التعليقات (0)