كتاب عربي 21

رؤية "عصر تركيا" مقابل رؤية العودة إلى الوراء

إسماعيل ياشا
1300x600
1300x600
كشف رئيس الجمهورية التركي ورئيس حزب العدالة والتنمية، رجب طيب أردوغان، مساء الجمعة الماضية، عن أهداف بلاده في المئوية الثانية للجمهورية. وتضمنت الرؤية التي تحمل شعار "عصر تركيا" 16 هدفا، تحت عناوين "الاستدامة، والاستقرار، والتنمية، والرقمنة، والإنتاج، والقيم، والرخاء، والمستقبل، والاتصال، وأصحاب الحق، والقوة، والنجاح، والعلوم، والسلام، والخصوبة، والرأفة".

الرؤية التي أعلن عنها أردوغان قبل حوالي سبعة أشهر من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتوقع إجراؤها في أيار/ مايو 2023، وضعت أمام الناخب التركي وعود تحالف الجمهور الذي يشكله حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، مقابل رؤية تحالف "الطاولة السداسية" المعارض الذي يعد الشعب التركي بالعودة إلى النظام البرلماني، وحقبة الحكومات الائتلافية التي عانت منها البلاد كثيرا في ستينيات وسبعينيات وتسعينيات القرن الماضي.

أردوغان استعرض في ذات الكلمة المشاريع الكبرى التي تم إنجازها في مختلف المجالات، كدليل على قدرة تركيا على تحقيق أهداف "عصر تركيا" المستقبلية، كما جاء افتتاح مصنع السيارة الكهربائية الوطنية "توغ" في اليوم التالي، كتأكيد على وجود تلك القدرة، وأن ما تتضمنه الرؤية المعلنة ليس مجرد خيال أو بيع للوهم.
الناخبون الأتراك حين يذهبون إلى صناديق الاقتراع بعد أشهر لن يختاروا فقط رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان، بل سيصوتون أيضا لاختيار إحدى الرؤيتين: رؤية تهدف إلى المضي قدما لرفع مكانة تركيا بين دول العالم، وأخرى تقول إنها تريد عودة البلاد إلى الحقبة السوداء المليئة بأزمات سياسية واقتصادية ووصاية للقوى غير الديمقراطية

الناخبون الأتراك حين يذهبون إلى صناديق الاقتراع بعد أشهر لن يختاروا فقط رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان، بل سيصوتون أيضا لاختيار إحدى الرؤيتين: رؤية تهدف إلى المضي قدما لرفع مكانة تركيا بين دول العالم، وأخرى تقول إنها تريد عودة البلاد إلى الحقبة السوداء المليئة بأزمات سياسية واقتصادية ووصاية للقوى غير الديمقراطية على الإرادة الشعبية والحكومة المنتخبة. ومن المتوقع أن تدفع المقارنة بين الرؤيتين نسبة من الناخبين المترددين إلى حسم قرارهم لصالح تحالف الجمهور.

استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى ارتفاع شعبية حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، وتراجع نسبة الناخبين المترددين، كما يعترف به باحثون ومحللون معارضون. وهذا أمر طبيعي في ظل ما تشهده الساحة السياسية التركية من تحركات، وتعلن الحكومة برئاسة أردوغان كل يوم عن قرار جديد لتخفيف الأعباء التي تثقل كاهل المواطنين، كما تقدم خطوات دبلوماسية لحماية مصالح البلاد، فيما لم يصدر عن التحالف المعارض أي برنامج سياسي أو اقتصادي غير التعهد بالعودة إلى النظام البرلماني في حال فاز مرشحه في الانتخابات الرئاسية. بل ولم ينجح حتى اللحظة في تحديد مرشحه لرئاسة الجمهورية، فيما أعلن تحالف الجمهور ترشيح أردوغان قبل أشهر.

وبعبارة أخرى، يرى الناخب لدى تحالف الجمهور وضوحا في الرؤية والترشيح، فيما يرى لدى تحالف "الطاولة السداسية" غموضا يخيِّم على كل شيء، على الرغم من أن موعد الانتخابات لم يبق له غير أشهر.

الحكومة التركية نجحت إلى حد كبير في مواجهة التحديات الاقتصادية، وهناك استقرار ملحوظ في سعر الدولار الأمريكي، رغم خفض البنك المركزي نسبة الفائدة. كما أن نسبة التضخم بدأت تتراجع، ويتوقع وفقا لما ذكر وزير الخزانة والمالية التركي نور الدين نباتي، أن يستمر هذا التراجع. وإضافة إلى ذلك، هناك تطورات مرتقبة ستنعكس إيجابيا على الاقتصاد التركي، كبدء ضخ الغاز الطبيعي المكتشف في البحر الأسود في الربع الأول من العام القادم.
التحالف المعارض كان يتوقع أن تشتد الأزمة الاقتصادية، ويستمر انهيار الليرة التركية، وتضطر الحكومة لإجراء انتخابات مبكرة، إلا أن كافة توقعاته لم تتحقق، واتضح أن تصريحات قادته بشأن الانتخابات المبكرة لم تكن صحيحة. وبالتالي، فقدَ مصداقيته، وارتبكت حساباته، وزادت الخلافات والصراعات الداخلية تراجع ثقة الشارع بقادة "الطاولة السداسية"

التحالف المعارض كان يتوقع أن تشتد الأزمة الاقتصادية، ويستمر انهيار الليرة التركية، وتضطر الحكومة لإجراء انتخابات مبكرة، إلا أن كافة توقعاته لم تتحقق، واتضح أن تصريحات قادته بشأن الانتخابات المبكرة لم تكن صحيحة. وبالتالي، فقدَ مصداقيته، وارتبكت حساباته، وزادت الخلافات والصراعات الداخلية تراجع ثقة الشارع بقادة "الطاولة السداسية"، في ظل أنباء تفيد برغبة رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو، في الترشح للانتخابات الرئاسية رغم معارضة رئيسة الحزب الجيد، ميرال آكشنير، وأن هذه الأخيرة دعت رئيس حزب تركيا المستقلة، حسين باش، للانضمام إلى التحالف دون موافقة الرؤساء الآخرين، علما أن الحزب المذكور أسسه شيخ الطريقة الصوفية، حيدر باش، الذي أعلن تشيعه وولاءه لإيران في أواخر عمره، ولا يظهر اسم الحزب في استطلاعات الرأي لشدة صغره، وأن مؤيديه في الحقيقة هم فقط بعض المنتمين إلى الطريقة التي ورث الشاب حسين باش زعامتها من والده، كما ورث رئاسة حزبه.

تركيا تقف اليوم أمام عتبة في غاية الأهمية والحساسية، كما ذكر أردوغان في كلمته التي كشف فيها عن رؤية "عصر تركيا". ومن المؤكد أن تحالف الجمهور يجب أن يفوز أولا في الانتخابات لتحقيق أهداف رؤيته، وهذا يعني أن الشعب التركي هو الذي سيقرر عبر صناديق الاقتراع هل ستعبر تركيا تلك العتبة لتكون في مصاف الدول المتقدمة؛ أم سترجع منها إلى الوراء نحو تركيا القديمة ونادي الدول المتخلفة.

twitter.com/ismail_yasa
التعليقات (0)