كتاب عربي 21

صورة السيسي في مرايا الحكاية

أحمد عمر
1300x600
1300x600

أخبرتنا الأغنية المصرية الشهيرة، وهي تتغزل بالحسناء ورقّتها، أنَّ عتبة بيتها قزاز، وسهلة الكسر، فمن يقف على عتبة غرفتها ستنكسر به، ويهوي في واد سحيق، والأنكى أنّ السلّم نايلو، ويعني أنَّ الوصول إليها شاق ومستحيل.

حكاية الأغنية:

وكانت العرائس الرقيقات الحسان محروسات بالتنانين والوحوش والبحار والكلاب والجنود في الحكايات كما في حكاية قارئة الفنجان. والعروس تشبيها في مقالنا هي مصر، و"اللي حي يقرب لها حشيلوا من وش الأرض".. هكذا هدد العريس في أيام شهر العسل الطويل الذي بلغ ثماني حجج، وقد علمنا أن العريس عقيم ولص، سرق مصر، وأجاع شعبها وأذلّه، وهو أحمق برخصة.

وقد أخبرنا بالأمس أنه مُدح ووُصف بأنه "قزاز"، فلمَ يكسرون القزاز، وينكثون العهد؟ والذي وصفه به مذيع شهير، ويبدو أنَّ العريس سُرّ كثيرا بهذا المديح، وهو هجاءٌ من حيث لا يعلم المادح ويجهل الممدوح، وفيه غلطٌ علمي، فالزجاج قاسٍ، ولا يخدش سوى بالألماس، لكنّه هشٌّ ضعيف المتانة، وهذه معلومات تدرّس في خواص المعادن.

وقد اشتكى الرئيس القزاز المحظوظ بالعرس أو بالعرش أو بكليهما، من تنكّر الشعب المصري للرئيس القزاز وجرح شعوره بتغريدات ألماسية، فلا يزال في نظر نفسه الفارس الكرّار الذي انتصر على مواطنين عُزّل في رابعة، فنصبَ بطلا مثل عمرو بن العاص وقظز وبيبرس على مصر!

إنه أول رئيس جعل عدوَّه شعبه، ومن يجعل عدوَّه شعبه، يجعل عدوَّه صديقه.

قيل الكثير في خطاب السيسي أمام المؤتمر الاقتصادي، خطاب الساعتين، وجوّز بعضهم عليه وصف "خطبة وداع"، أو خطبة الخداع، أو خطبة البتاع، وكان قد فضح نفسه لحمقه، فقد تشوّر في أمر الرئاسة، وأُشير عليه بالسفر، ليس لأنَّ في السفر فوائد، وهي خمس ذكرها الشافعي في أبيات مشهورة، وهي النصيحة نفسها التي قيلت لقاتل التسعة وتسعين نفسا في الحديث النبوي الشهير، يقصد الناصح له بالسفر ليس فدية صيام صامته مصر في عهده الميمون، وإنما أن يرحل، أن يهرب بريشه وحشيشه، قبل أن تموت من الجوع والمسغبة.

كانت خطبة ماراثونية لطولها، وعيّها، وفهاهتها وركاكتها وعجاجها ولجاجها، وكثرة الخروج عن النص والعقل، وكثافة الشوك وقلة البقل، وغزارة الرموز والإشارات والكلمات المتقاطعة فيها، وصفرة الخوف وسوّدة المصير، فهو يجبن عن الكلام الصريح، كأنه حرامي في مولد، وآكل علقة، فهو يبرئ نفسه، ويستعين بعد كل كلمتين بالشهود: مش كده يا مصطفى، يا محمد يا زكي. والمخاطبان رئيس وزراء ووزير دفاع!

حكاية الجميلة والوحش:

العريس معارض للشعب والحكومة لأنه يريد مصرا جديدة، ويؤمن أنه أكثر فهما ودراية من جميع من حوله، ومن جميع الحكام الذين سبقوه، وزاد الطين بلة، على شحة الماء في النيل، غضبته في اتصال منتصف الليل، والناس يتصايحون جوعا، من خطاب "الجميلة".

وكانت السلطات التي وجدت طريقا لمغازلة القوى الدولية قد أفرجت عن حزب الدستور، وهو حزب زينةٍ، أو هو حزبٌ حليف، من أجل مغازلة القوى الدولية الراعية وتحويل الوحش إلى هيئته الآدمية، لكن الرجل غضب من كلام الجميلة التي أوجب عليها حبّه من غير شك أو ريبة.

وفي حكاية الحسناء والوحش أنَّ ساحرة سحرت الأمير وحوّلته إلى وحش، وسيعود إلى هيئته الآدمية إن أحبته امرأة في هيئته المسخيّة. وكانت آلاف النساء المصريات قد غرمنَ بالوحش بعد أن حوّلته الساحرة إلى أوسم رجل في مصر، بل وعشقنه عشقا، فازداد وحشية. والوحش على قناعة بأنّه سليمان، عليه السلام، وإن كان من شبه فهو أنه أوتي ملكا لم يؤتَ أحدا قبله من العالمين، ويبني الصرح تلو الصرح، وشبهه بالفرعون أشبه وأمضى، "وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ"، لكن الأنهار ليست أنهار ماء ورعاء، وإنما أنهار دماء أموات وأحياء.

أقرّ أشراف مصر وعقلاؤها أنَّ الرئيس المصري نال رضى وقبولا لم ينله عبد الناصر الذي أزاح الملكية، والسادات الذي انتصر في حرب أكتوبر، فحرب السيسي على الإخوان المسلمين جعلته "أبطل الأبطال"، من غير أن يخسر طائرة أو دبابة أو مدفعا، فكيف يمكن فهم هذه البطولة الزجاجية؟

حكاية إغاثة الملهوفة:

نالها بتدبير وحيلة، أما الحيلة التي جعلت الوحش وسيما، فحيلة معروفة في الأفلام العاطفية المصرية الكوميدية، وهي أن يتآمر العاشق مع فتوة على التحرش بالمليحة، فيخرج منجدا ويلقن المتحرش الفتوة درسا فيصرعه فينصرع، ويفوز بقلب الحسناء، ووجدنا العسكر يتبنونه في مصر.

ومخرج التمثيلية هو الدولة العميقة والرعاة الإقليميون، وقد احتاجت إلى ملايين الدولارات، فسلطوا العسكر البلطجية على مصر، فعجز الزوج وهو الرئيس مرسي عن الدفاع عن شرفها، فظهر البطل، وصان المليحة وحماها وتزوجها من غير مهر، فأحبَّ الأبناءُ منقذَ أمّهم، أمِّ الدنيا، من الاغتصاب والعار، وتبيّن للشعب بعد سنوات أنها كانت تمثيليّة، وأنهم لولا الوحش ما لبثوا في العذاب المهين، وأنَّ زوج الأم باع الأرض والأرض والعرض، ودمّر المحراب، وشرد الأولاد، وأعطش شعبها وأجاعه، وأنه أدخل كل بغاة الليل إلى حجرتها..

وأنّه قزاز ونايلو نايلو نايلو.

 

twitter.com/OmarImaromar
التعليقات (0)