اقتصاد دولي

كيف تساهم أزمة الطاقة في اتساع التفاوتات بأوروبا الوسطى؟

"لوموند": الرفاهية في بلدان وسط أوروبا أضعف مما هي عليه في غربها- جيتي
"لوموند": الرفاهية في بلدان وسط أوروبا أضعف مما هي عليه في غربها- جيتي

نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرًا سلطت فيه الضوء على العواقب الاجتماعية لأزمة الطاقة في قارة أوروبا، والتي خلّفت تفاوتًا كبيرًا بين الأسر الأوروبية.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن أحدث توقعات البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية التي نشرت يوم الأربعاء 28 أيلول/ سبتمبر الجاري تعد أكثر تشاؤمًا بالنسبة لسنة 2023 - وإن كان النمو في بداية 2022 أفضل من التوقعات.

وأشارت الصحيفة إلى أن هذا الوضع سيكون بلا شك أحد أكثر العواقب الاجتماعية إيلامًا لأزمة الطاقة التي تمر بها القارة العجوز على المدى الطويل. حيال ذلك، وضّحت بياتا جافورسيك، كبيرة الاقتصاديين في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية: "نظرًا لأن إنفاق الأسر الأكثر فقرًا على الطاقة أعلى نسبيًا من إنفاق الأغنياء، فإن هذه الأسر في وسط أوروبا وجنوبها ستتأثر بشدة بالتضخم". وبما أن الرفاهية في هذه البلدان أضعف مما هي عليه في غرب أوروبا، فإن هوة التفاوتات الناجمة عن ارتفاع الأسعار "يمكن أن تتسع بشكل كبير، والأهم من ذلك أنها ستستمر لفترة طويلة".

هذه الوضعية هي إحدى النتائج التي توصل إليها البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في توقعاته الاقتصادية الجديدة. وفي تقرير نُشر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، أشارت هذه المؤسسة - التي تأسست سنة 1991 لدعم الانتقال الاقتصادي للدول التي كانت تابعة للاتحاد السوفيتي - إلى أن حصة النفقات غير القابلة للضغط المتعلقة بالتدفئة والطاقة تبلغ 25 بالمئة من نفقات الأسرة في رومانيا؛ 22 بالمئة في المجر و7 بالمئة في ألمانيا. مع ذلك، تراجعت التوقعات بشكل كبير منذ ذلك الحين في تموز/ يوليو، حين تجاوز التضخم 16.5 بالمئة في المتوسط في 37 دولة يتواجد فيها البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، تمتد من دول البلطيق إلى آسيا الوسطى.

والأسوأ من ذلك، أن الغاز يمثل الآن أكثر من ثلاثة أرباع المواد المستعملة في التدفئة في مقدونيا الشمالية ومولدوفا وأوكرانيا. هذا ينذر بشتاء صعب، خاصة إذا كانت درجات الحرارة منخفضة كثيرًا. ويشير البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية إلى أنه قبل أزمة الطاقة، لم يكن بمقدور ما يقارب ثلث الأسر الأكثر فقرًا في وسط أوروبا وجنوبها وآسيا الوسطى، تحمّل تكاليف التدفئة.

 

اقرأ أيضا: هل يحل ترسيم الحدود بين لبنان والاحتلال أزمة الطاقة بأوروبا؟

السيناريو المظلم الذي كنا نخشاه لم يحدث بعد

ذكرت الصحيفة أن معظم هذه البلدان اتخذت تدابير للحد من آثار التضخم تذكرنا بتلك التي اتُخذت في أوروبا الغربية. خفضت بولندا ضريبة القيمة المضافة على البنزين من 23 إلى 8 بالمئة، وعلى التدفئة من 23 إلى 5 بالمئة، بينما قامت كرواتيا ورومانيا وسلوفاكيا بتسقيف أسعار الكهرباء أو الغاز - وأحيانًا كلاهما - للأسر. وأوضحت بياتا جافورسيك أن "هذه المساعدة ليست موجهة بشكل كافٍ إلى أفقر الناس ولا توفر حافزًا كافيًا لتوفير الطاقة".

على الرغم من أن هذه الملاحظات قاتمة للغاية، حسب الصحيفة، إلا أن البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية أكثر تفاؤلاً قليلاً مما كان عليه في أيار/ مايو الماضي فيما يتعلق بتوقعات النمو لسنة 2022. فوفقًا للبنك، من المفترض أن يبلغ النمو 2.3 بالمئة - مع وجود اختلافات كبيرة اعتمادًا على الدولة - مقابل 1.1 بالمئة سابقًا. وتضيف كبيرة الاقتصاديين: "استمر النشاط بشكل أفضل في الجزء الأول من السنة في أوروبا الشرقية، لأن الأسر أنفقت المدخرات المتراكمة خلال أزمة كوفيد. وفي آسيا الوسطى، لم يتحقق السيناريو المظلم الذي كنا نخشاه".

في سياق آخر، بيّنت الصحيفة أنه بعد إعادة فتح الحدود في أعقاب القيود التي فرضتها فترة الوباء، عاد العمال المهاجرون من قيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان إلى روسيا على الرغم من الحرب، وبدأوا في إرسال الأموال إلى بلدانهم. هذا الأمر أدى إلى ارتفاع تحويلات المغتربين إلى قيرغيزستان بنسبة 11 بالمئة في النصف الأول من السنة، وبنسبة 96 بالمئة إلى أوزبكستان، وهي نسب تكفي لدعم الاقتصاد المحلي خاصة أن الدول المنتجة للنفط مثل كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان قد استفادت من ارتفاع الأسعار.

 

اقرأ أيضا: غازبروم الروسية تهدد بعقوبات ضد مثيلتها الأوكرانية.. الغاز يرتفع

لوحة تجارية مهمة

نقلت الصحيفة عن بياتا جافورسيك أن الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أنه بينما أعيد رسم طرق جديدة لتجارة السلع منذ بداية الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا، أصبحت آسيا الوسطى مركزًا تجاريًا مهمًا في المنطقة. تعد إعادة تصدير المنتجات الصينية إلى روسيا الآن نشاطًا رئيسيًا من قبل الشركات الصغيرة أو من قبل الأفراد. وبالتالي ينبغي أن يصل النمو إلى 4.3 بالمئة هذه السنة في آسيا الوسطى، أي 1.2 نقطة أكثر مما كان متوقعا في أيار/ مايو.

من ناحية أخرى، كانت توقعات المؤسسة الأوروبية أكثر تشاؤمًا لسنة 2023، وهذا بالنسبة لجميع البلدان التي تغطيها. ومن المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي هناك بنسبة 3 بالمئة في المتوسط، مقابل 4.7 بالمئة المتوقعة في أيار/ مايو، والسبب أن التضخم من المتوقع أن يرتفع أكثر.

وختمت الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى أن الاضطرابات في الصناعات كثيفة الاستخدام للغاز يمكن أن تتفاقم في أوروبا الشرقية، بما في ذلك إنتاج الصلب والألمنيوم وجزء من قطاع السيارات، الأمر الذي سيؤثر على النمو خاصة في البلدان التي تعتمد بشكل كبير على سلاسل الإنتاج من ألمانيا، التي بدورها على مشارف حالة من الانكماش. 


التعليقات (0)