قضايا وآراء

بعض الصلح خير

حمزة زوبع
1300x600
1300x600
ومن منا يكره الصلح والمصالحة والتسامح والتغافر وعودة المياه إلى مجاريها؟

وهل كتب علينا نحن العرب أن نعيش في حروب بينية منذ عقود؟ ولماذا وعلى أي شيء نتقاتل؟

حرب بل حروب في اليمن منذ الستينيات وحتى اليوم، وحرب على أرض الأردن ومجازر في أيلول الأسود عام 1970، وحرب في لبنان بل حروب بين الفلسطينيين المهاجرين والكتائب والفصائل اللبنانية المدعوم جزء منها من سوريا والآخر من الكيان الصهيوني، ونزاع خفي تارة ومفضوح تارة أخرى بين أتباع البعث العراقي في سوريا والعراق، وحرب في سوريا يشنها النظام منذ عقد من الزمن على شعبه، وحرب بل حروب في العراق بعد غزوه للكويت، فقد تم غزوه من الأمريكان والتحالف الدولي بدعم عربي مبين ثم صراع ونزاع بين الفصائل العراقية شيعة وشيعة..

نزاع بين المغرب والجزائر بسبب الصحراء الغربية، وحرب في ليبيا بين أنصار الثورة وأنصار المليشيات بقيادة اللواء الهارب خليفة حفتر، وحرب طويلة في جنوب السودان تورطت فيها دول عربية من أجل تقسيم السودان وقد حدث ولا يزال الصراع مستمرا، وحرب على الصومال ومقاومة فريدة وانسحاب أمريكي مذل ومهين أعقبه تدخل سياسي إماراتي لعين، ثم حصار لدولة عربية من قبل أربع دول عربية أيضا، وحرب ممتدة عبر عقود على فلسطين، غزة والضفة، ونزاعات حدودية لا حصر لها بين معظم دول الخليج، وقطيعة للأرحام وسب للآباء والأجداد وانتهاك للحرمات وأغنيات وأوبريتات غنائية ومسرحيات ومقالات يدفع فيها مئات الدولارات؛ ثم فجأة تحيات وسلامات واجتماعات وقبلات وأحضان ومؤتمرات وغزل عفيف على الهواء وكأن شيئا لم يكن..
هل تؤمن عزيزي القارئ بأن ما جرى وما يجري من مصالحات هو أمر جدي وحقيقي؟ أم تراه -مثلي- مؤقتا وعابرا ومجرد هدنة سياسية لحين انتهاز أقرب فرصة للنيل والتنكيل من جديد؟

كل هذا جميل جدا ويعطينا فكرة أنه لا عداء دائم ولا كراهية أبدية، ولكن السؤال هو: هل تؤمن عزيزي القارئ بأن ما جرى وما يجري من مصالحات هو أمر جدي وحقيقي؟ أم تراه -مثلي- مؤقتا وعابرا ومجرد هدنة سياسية لحين انتهاز أقرب فرصة للنيل والتنكيل من جديد؟

سأقول لك وبصراحة وقد قلتها في برنامجي "مع زوبع" عدة مرات: الحروب والنزاعات في إقليمنا العربي المنكوب قرارها ليس بيد سكانها؛ لا الحاكم ولا المحكوم.

كشفت المذكرات السياسية والتسريبات الخفية لأبرز الساسة أو الرموز الأمريكيين أن حصار قطر كان بضوء أخضر من ترامب وزوج ابنته كوشنر، وأن إدارة بلاط بعض الممالك العربية تتم من بلاط البيت الأبيض.. يعني أن ما تراه صلحا هو أمر مرهون بالسياسة الأمريكية تجاه المنطقة وخصوصا تجاه الممالك الكبرى والمتحكمة في النفط، مع السماح بهامش بسيط للتحرك ليبدو الحكام وكأنهم أحرار أو مستقلون، ويمكنك الرجوع إلى مذكرات جاريد كوشنر نفسه وأنه هو من قام بتسهيل عودة العلاقات بين محمد بن سلمان وأمير قطر، وهو أمر محمود على كل حال.

اليوم وبعد زوال ترامب تصالحت قطر والسعودية والإمارات والبحرين ومصر، ليس مهما من مد يده بالمصافحة أولا فهذه أمور شكلية، لكن المؤكد أن المرحلة الجديدة لا تحتمل صراعات الإقليم خصوصا وأن "العم سام" لديه ما يشغله وعلى الجميع الكف عن لعب العيال والانتباه لما هو آت وهو خطير.
بعد زوال ترامب تصالحت قطر والسعودية والإمارات والبحرين ومصر، ليس مهما من مد يده بالمصافحة أولا فهذه أمور شكلية، لكن المؤكد أن المرحلة الجديدة لا تحتمل صراعات الإقليم خصوصا وأن "العم سام" لديه ما يشغله وعلى الجميع الكف عن لعب العيال والانتباه لما هو آت وهو خطير

ما الذي تغير في قطر حتى تعود إليها دول الحصار وتنسى الشروط الثلاثة عشر أو الأربعة عشر إياها؟ هل تحولت قطر كما زعموا من دولة راعية للإرهاب إلى دولة مانحة للهبات مما جعل حكام مصر يهرعون إليها وقد انحنت جباه بعض الوزراء وكبار المسؤولين؟ أوَ ليست هذه هي ذاتها قطر التي نعتت بالإرهابية، وأميرها قد قيل فيه ما لم يقله مالك في الخمر؟

ما الذي تغير حتى تصبح قطر قبلة لدول الحصار وتعيد السعودية بعض معلقيها الرياضيين ومحلليها الكرويين إلى قنوات قطر الرياضية (بي إن سبورت/bein sport)..

الصلح خير.. طبعا وبكل تأكيد، ولكن ولكي يكون كذلك يجب أن يكون نابعا من الضمير، ومن عمق الذات المؤمنة بحرمة الدماء والأعراض وباحترام قيمة الإنسان كأعظم مخلوقات الإله العظيم في كل مكان وزمان.

ما فائدة الصلح بين الحكومات بينما الشعوب تسحق وتضطهد وتسجن وتعاقب إن أفصحت عن رأيها خفية أو بالليل والحكام نائمون؟

الصلح الذي يجب أن نبحث عنه ليس صلح الأنظمة ظالمة أو مظلومة، محاصَرة (بفتح الصاد) أو محاصِرة (بكسر الصاد)، بل الصلح مع الشعوب، بين الحكام وشعوبهم، بين الإعلام والمجتمع، بين وزارات السيادة والشعوب المقموعة تحت البيادة.
الصلح الذي يجب أن نبحث عنه ليس صلح الأنظمة ظالمة أو مظلومة، محاصَرة (بفتح الصاد) أو محاصِرة (بكسر الصاد)، بل الصلح مع الشعوب، بين الحكام وشعوبهم


الصلح بعضه خير وأعتقد أن بعضه الآخر شر مستطير إذا ما تصالحت الأنظمة على حساب مصالح الشعوب والدول، إذا ما تم تقبيل الخشوم والقلوب تحمل كراهية السنين، إذا ما ترك الإعلام يبث سمومه من أجل كراهية الشعوب والنيل من كرامتها.

بعض الصلح خير لو استمر، وكله شر لو عادت "ريما" لعادتها القديمة، وما أسوأ "ريما" العربية وما أسرع عودتها بل نكبتها عن الطريق..

أما الصلح الذي كله خير فهو حين تتناغم منظومة الحكم مع إرادة الشعوب ويشعر الشعب في كل بلد بأن حاكمه منه وليس عليه، وأنه منحاز لشعبه وليس منقادا لغيره..

الصلح خير، لو تخلى البعض عن طموحات الزعامة، وأدرك البعض الآخر أن الدول ليست بحجمها وليست أيضا بأموالها، بل بقدرتها على التنمية والتنافس بشرف من أجل خدمة الوطن والمواطنين.

الصلح خير، لو لم يحتفظ كل زعيم بسلاحه أو خنجره خلف ظهره منتظرا اللحظة المؤاتية لطعن أخيه وجاره (اللدود)، كما فعلوا من قبل..

دعونا نأمل في استمرار الصلح ودوام الوفاق.. وربنا يسلم..

 


التعليقات (0)