كتاب عربي 21

خفض الجنيه المصري مطلب تاريخي من صندوق النقد الدولي

ممدوح الولي
1300x600
1300x600
ترافقا مع طلب مصر قرضا جديدا من صندوق النقد الدولي في العام الحالي، قام محافظ البنك المركزي المصري حينذاك طارق عامر، في 21 آذار/ مارس الماضي، بخفض سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي بنسبة 16 في المائة، بعد تثبيت إداري استمر حوالي ثلاث سنوات، كما زاد سعر الفائدة بنسبة واحد في المائة، آملا أن يدفع ذلك الصندوق للموافقة على القرض الجديد، مثلما حدث عام 2016 عندما قام بخفض سعر صرف الجنيه ورفع سعر الفائدة، والذي أعقبه موافقة الصندوق على القرض بعدها بثمانية أيام.

لكن الصندوق الذي يدرك عودة تعاملات السوق السوداء للتعامل بالدولار، بسعر أعلى كثيرا مما تحقق بعد الخفض الذي أجراه البنك المركزي، أصر على خفض بدرجة أعلى لسعر صرف الجنيه، بما يكفل القضاء على السوق السوداء ووجود سعر واحد في السوق يتعامل به الجميع، الأمر الذي أطال المفاوضات حتى كتابة هذه السطور.

وهذا التصرف من جانب صندوق النقد الدولي ليس بجديد، فقد أصر عليه منذ عقود كشرط أساسي خلال إقراضه لمصر، وبدأ ذلك بقرض الصندوق البالغ 24.5 مليون دولار عام 1962 في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، والذي ارتبط بتوحيد سعر الصرف في 7 أيار/ مايو 1962، مما أسفر عن خفض لقيمة صرف الجنيه أمام الدولار بحوالي 20 في المائة، من 35 قرشا للدولار إلى 44 قرشا.

وتكرر ذلك مع القرض الذي حصلت عليه مصر من الصندوق عام 1978 بعهد الرئيس أنور السادات بقيمة 720 مليون دولار، والذي رافقه توحيد سعر الصرف في 1 كانون الثاني/ يناير 1979، بخفض بنسبة 75 في المائة، من 39 قرشا للدولار إلى 70 قرشا.
الصندوق الذي يدرك عودة تعاملات السوق السوداء للتعامل بالدولار، بسعر أعلى كثيرا مما تحقق بعد الخفض الذي أجراه البنك المركزي، أصر على خفض بدرجة أعلى لسعر صرف الجنيه، بما يكفل القضاء على السوق السوداء ووجود سعر واحد في السوق يتعامل به الجميع

النصح بالخفض بدون إقراض 2003

وفي عهد الرئيس حسني مبارك ومع الحصول على قرض بقيمة 405 ملايين دولار، تم في 11 أيار/ مايو 1987 خفض سعر صرف الجنيه بنسبة 63 في المائة، من 133 قرشا إلى 217 قرشا.

وتكرر الأمر مرة أخرى في عهد مبارك مع الاتفاق على قرض بقيمة 379 مليون دولار عام 1991، بالقيام بخفض سعر الصرف بنسبة 18 في المائة في 27 شباط/ فبراير، من 272 قرشا إلى 322 قرشا للدولار، ثم خفضه مرة أخرى في 8 تشرين الأول/ أكتوبر من نفس العام بحوالي 6 في المائة، إلى 340 قرشا.

وهو السعر الذي مستقرا حتى أزمة دول جنوب شرق آسيا 1997، مما أدى لزيادة حجم احتياطي النقد الأجنبي في البنك المركزي، الأمر الذي قصر قيمة السحب من القرض على 147 مليون دولار فقط حتى عام 1993، بل وعدم اقتراض مصر من الصندوق منذ ذلك الحين وحتى عام 2016.

ورغم عدم ارتباط خفض سعر الجنيه المصري في 29 كانون الثاني/ يناير 2003 بقرض من الصندوق، إلا أنه سبقت إعلان رئيس الوزراء وقتها الدكتور عاطف عبيد قرار التعويم بخفض بنسبة 20 في المائة، من 450 قرشا إلى 538 قرشا للدولار، زيارة لبعثة من الصندوق لمصر برئاسة المدير الإقليمي بالصندوق عبد الشكور شعلان، قابل خلالها رئيس الوزراء ووزراء المجموعة الاقتصادية ومحافظ البنك المركزي.

وفي 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، في عهد وزارة الدكتور مصطفى مدبولي، تم خفض سعر صرف الجنيه بنسبة 67 في المائة في اليوم الأول لما سمي وقتها بتحرير سعر الصرف، ووصلت نسبة الانخفاض في نهاية الشهر إلى 104 في المائة من سعر ما قبل التعويم والبالغ 8.78 جنيه.

وهكذا تتضمن روشتة الصندوق للإقراض عددا من المطالب على رأسها توحيد سعر الصرف، بحيث يتم القضاء على السوق السوداء، ولهذا يطلب أيضا رفع سعر الفائدة على الجنيه لجذب المدخرات إلى الجنيه، وإيجاد عائد مرتفع على الجنيه بالمقارنة بالعائد المنخفض نسبيا على الدولار.
يرى البعض أن رفع الفائدة على الودائع بالعملات الأخرى من شأنه جلب عملات أجنبية إلى البنوك، والتي تعاني من عجز ما بين الأصول الأجنبية والالتزامات الأجنبية تجاه غير المقيمين، منذ شهر تموز/ يوليو 2021 وحتى الآن، لكن البنك المركزي لا يريد تشجيع الاحتفاظ بالدولار، ويفضل أن يقوم حائزوه بالتخلص منه وشراء الجنيه

خفض الواردات أضر بالصادرات

وهو ما استفاد منه محافظ البنك المركزي طارق عامر في آذار/ مارس الماضي، حين رفع سعر الفائدة على الودائع بالجنيه المصري بنسبة واحد في المائة، ثم بنسبة 2 في المائة أخرى في شهر أيار/ مايو الماضي، دون أن يرفع سعر الفائدة على شهادات الادخار بالدولار أو بالعملات الأجنبية الأخرى.

وقد يرى البعض أن رفع الفائدة على الودائع بالعملات الأخرى من شأنه جلب عملات أجنبية إلى البنوك، والتي تعاني من عجز ما بين الأصول الأجنبية والالتزامات الأجنبية تجاه غير المقيمين، منذ شهر تموز/ يوليو 2021 وحتى الآن، لكن البنك المركزي لا يريد تشجيع الاحتفاظ بالدولار، ويفضل أن يقوم حائزوه بالتخلص منه وشراء الجنيه المصري؛ للاستفادة من فارق سعر الفائدة لصالح الجنيه المصري.

لكن هذا النهج لم يحقق أغراضه، ففي وقت أزمات نقص العملة مثلما هو حادث في مصر منذ شهر آذار/ مارس الماضي وحتى الآن، يزداد الإقبال على الاحتفاظ بالدولار والعملات الأجنبية توقعا لارتفاع قيمتها بما يفوق سعر الفائدة، التي يمكن أن يحصلوا عليها من الإيداع بالجنيه المصري، وكذلك للتحوط من نقص العُملة للوفاء ببعض الالتزامات سواء لأغراض التجارة أو السياحة أو العلاج أو التعليم وغيرها.

وهو ما حدث بالفعل بعد البطء الملحوظ من جانب البنوك المصري في تلبية طلبات العملاء من العُملات الأجنبية، بعد قرار البنك المركزي إلغاء الاستيراد عن طريق أسلوب مستندات التحصيل والاكتفاء بأسلوب الاعتمادات المستندية، الأمر الذي أثر سلبا على السوق نتيجة تأخر الإفراج عن البضائع المستوردة بالموانئ.
هذا النهج لم يحقق أغراضه، ففي وقت أزمات نقص العملة مثلما هو حادث في مصر منذ شهر آذار/ مارس الماضي وحتى الآن، يزداد الإقبال على الاحتفاظ بالدولار والعملات الأجنبية توقعا لارتفاع قيمتها بما يفوق سعر الفائدة، التي يمكن أن يحصلوا عليها من الإيداع بالجنيه المصري، وكذلك للتحوط من نقص العُملة

مما أدى إلى نقص العديد من السلع بالأسواق مثل السيارات وغيرها، ونقص قطع الغيار اللازمة للآلات والمعدات، وزيادة الأسعار للسلع المستوردة الناقصة في الأسواق، رغم تعليمات الجنرال المصري باستثناء المواد الخام وقطع الغيار ومستلزمات الإنتاج من الاعتمادات المستندية، لكن البنوك ظلت على مسلكها في بطء تدبير العُملات لتلك الأغراض، مدفوعة بقلة العملات الأجنبية لديها.

ومع تحقق هدف البنك المركزي والحكومة من تلك الإجراءات بتقليل قيمة الواردات لتخفيف الضغط على الدولار، الذي تعاني البنوك من النقص به، فقد أضرت تلك الإجراءات بالتصدير الذي تراجعت قيمته خلال شهور الربع الثاني من العام الحالي، كآخر بيانات منشورة، رغم أن البنوك والحكومة كانت تعول عليه لزيادة حصيلتها من النقد الأجنبي، لأن حوالي 60 في المائة من الصادرات مكونات مستوردة.

والنتيجة انتظار الجميع خفضا ملموسا لقيمة سعر صرف الجنيه، سواء من خلال أسلوب التدرج الذي يتبعه محافظ البنك المركزي الحالي حسن عبد الله منذ توليه الشهر الماضي، أو من خلال خفض بنسبة كبيرة دفعة واحدة كإجراء مكمل، من أجل الحصول على القرض الجديد من الصندوق، الذي سيتبعه الحصول على قروض من دول ومؤسسات أخرى، في ضوء التوقع بألا يكون قرض الصندوق كبيرا في قيمته، أو كافيا لسد الفجوة الدولارية الكبيرة الحالية، بعد بلوغ نسبة قروض مصر من الصندوق حتى آذار/ مارس الماضي 707 في المائة من حصتها في الصندوق، مع بلوغها 23.3 مليار دولار، منها 3.9 مليار دولار وحدات حقوق سحب خاصة.

twitter.com/mamdouh_alwaly
التعليقات (3)
سامح
الإثنين، 19-09-2022 06:49 م
لم ينتبه احد الى ازمة السيسي التي دفعته لتقبيل يد تميم بعد ان حاول قطعها
الكاتب المقدام
الإثنين، 19-09-2022 03:55 ص
*** 2- وهو ذات وضع الانهيار الاقتصادي النمطي المكرر الذي وقعت فيه مصر اليوم تحت الحكم الانقلابي للسيسي، دكتاتور ترامب المفضل كما صرح بذلك علانية، وكنز إسرائيل الاستراتيجي الذي تحميه كما يقولون، فالإغراق المتعمد لمصر واضح الدلالة، فلم يكن ليخفى على خبراء الصندوق، أن السيسي يهدر أموال القروض على مشروعات مظهرية، وبالأمر المباشر وبأسعار مضاعفة، ويسندها للشركات الأجنبية، وعلى مشتريات السلاح الذي تكدست به مخازنه، ويستولى على إتاوات وعمولات عنها، وحقق أرباحاُ هائلة للدول الغربية المتاجرة بالسلاح، ويضخ الدولارات كسداد لديونه ويعيدها لهم، كما يهرب عمولاته وعصابته لخارج مصر، وكانوا على علم بأنه سيعجز عن سداد تلك القروض، بما سيؤدي إلى انهيار اقتصاد مصر وإفلاسها، كباب للسيطرة على اقتصادياتها، وهو الوضع الذي وصلنا إليه اليوم تحت الحكم الانقلابي الدكتاتوري، أما انهيار قيمة الجنيه المصري فهو حقيقة واقعة، غذتها توسع السيسي في طباعة أوراق النقد المصرية، وإغراق الأسواق بها دون أي زيادة فعلية توازيها في الإنتاج القومي، فالمسئول عن ذلك هو حكومة الانقلاب وليس صندوق النقد، ارجع في ذلك لمقالة الولي السابقة التي حصر فيها طباعة اوراق النقد دون قيمة التي توسع فيها السيسي منذ انقلابه، وهي بمثابة السرقة الصريحة لمدخرات المصريين بتقليل قيمتها إلى ثلثها حتى الآن، وقد قامت حكومة الانقلاب كمثال بطباعة ما يقرب من 80 مليار جنيه في شهر ابريل الماضي وحده، ليمول بها السيسي دعمه المكذوب للاقتصاد بأوراق عملة لا قيمة لها، وتغذي التضخم وزيادة الأسعار، وسيدفع الشعب المصري السفيه غنيهم وفقيرهم ثمناُ فادحاُ لسكوتهم عن إجرامه، بإفقارهم وفقدان استقلالهم الاقتصادي، وكساد أعمال وإفلاس رجال أعمال السيسي الذين نصبوه على كرسي حكم مصر طمعاُ في مشاركته في نهبها، وهذا هو المصير الأسود لجماهير 30 يونيو الذين تمردوا على رئيسهم المدني الشرعي، وفوضوا المسخ الانقلابي دجال العصر، وصدقوا أكاذيبه بأنه سيغنيهم وساروا ورائه، وما زالوا يكذبون من ينصحهم وينبههم إلى إفكه، وإن غداُ لناظره قريب، اللهم هل قد بلغت، اللهم فاشهد، والله أعلم بعباده.
الكاتب المقدام
الإثنين، 19-09-2022 03:44 ص
*** 1- تأسس صندوق النقد الدولي في عام 1944م قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية على يد الولايات المتحدة التي خرجت منتصرة منها، وخرج اقتصادها أكثر قوة، ونجت مدنها مما حاق بميادين القتال في أوروبا وآسيا من دمار مدنهم ومرافقهم ومصانعهم ، وطمحت أن تستغل تلك الأوضاع لمد نفوذها الاقتصادي العالمي، من خلال إغراق العالم بأوراق النقد من الدولار الأميركي المطبوع بكثرة في الولايات المتحدة، بعد أن تم فك الارتباط بين الدولار وغطاءه الذهبي الذي يضمنه، ومع التخوفات من تكرار أزمة التضخم والكساد الكبير في الثلاثينيات، فقد كانت هناك حاجة إلى هيئة دولية تنظم قنوات تصريف وتدفقات القروض الدولارية وتشجع عليها وتروج لها، ومراقبة الحكومات المقترضة للسيطرة على ماليات حكوماتها، لضمان سدادها لأقساط القروض وفوائدها، ورغم الصبغة الدولية لصندوق النقد الدولي، فدور الولايات المتحدة في السيطرة عليه هو الأكبر، كما أنها الأكثر استفادة بعد أن فرضت الظروف الدولار الأميركي كعملة رئيسية للقروض الدولية، ودور صندوق النقد الدولي منذ إنشاءه معروف في إغراق الاقتصاديات الناشئة لدول العالم الأكثر فقراُ في القروض ورهن أصولها في يد المقرضين والشركات الدولية لضمان سداد القروض، على نمط إفلاس الحكومة المصرية واحتلال انجلترا لها في 1882 للسيطرة على ثرواتها ومواردها لضمان سداد ديونها، وهو الوضع الذي تكرر في دول عديدة باستغلال انظمة الحكم الديكتاتورية برعاية الولايات المتحدة في إغراق تلك الدول في الديون لتمد نفوذها وسيطرتها عليها، بعد إفلاس تلك الدول وعجزها عن سداد ديونها.