كتاب عربي 21

الهدنة في اليمن تمنح الحرب القذرة المزيد من الإمكانيات

ياسين التميمي
1300x600
1300x600
لا يبدو الشعب اليمني مكترثاً بشأن تجديد الهدنة التي لم تنعكس بشكل جدي على وضعه الأمني أو المعيشي، بقدر ما أفسحت المجال لاستفحال أعدائه وتغول الأدوات الشريرة التي تصيغ من خلالها القوى الإقليمية خطوط التقسيم السياسية في جغرافية متماسكة وتاريخ عريق، وشعب يقف على إرث مشتركٍ من العادات والتقاليد والمجد التليد.

تحت مظلة الهدنة التي تفخرُ الأممُ المتحدة وواشنطن أنها تسري على الأرض اليمنية محققةً أمناً مزعوماً انتظره اليمنيون لعدة سنوات، تواصل قوى الأمر الواقع التي سطت على الدولة ومقدراتها في شمال اليمن وجنوبه، استعراض القوة العسكرية ومواصلة الحرب.

من خلال هذه الحرب وهذه الاستعراضات يلتقي الانقلابيون الحوثيون المدعومون من إيران والانفصاليون المدعومون من التحالف؛ عند هدف تهديد الجيش الوطني وتقليص مساحة نفوذه، والخصم من حصة الدولة اليمنية ومجال نفوذها، وهو هدف يُنظرُ إليه بارتياح من جانب اللاعبين الإقليميين والدوليين المتربصين باليمن الموحد.

يوماً إثر يوم تكتسب الحرب المتقطعة في اليمن صفتها القذرة من كونها حرباً بالوكالة ولأنها تتذرع بأهداف كاذبة منها محاربة الإرهاب، بينما يبقى هذا الإرهاب المثير للاستغراب في حالة جهوزية تامة، وقابلا للاستدعاء وللحضور للتغطية على المخططات العدائية، والحملات العسكرية الموجهة أصلاً نحو مقدرات الجيش الوطني للدولة اليمنية ومجال نفوذها، على الرغم من جولات الحرب العديدة التي عقدت تحت شعار مكافحة الإرهاب.
تكتسب الحرب المتقطعة في اليمن صفتها القذرة من كونها حرباً بالوكالة ولأنها تتذرع بأهداف كاذبة منها محاربة الإرهاب، بينما يبقى هذا الإرهاب المثير للاستغراب في حالة جهوزية تامة، وقابلا للاستدعاء وللحضور للتغطية على المخططات العدائية، والحملات العسكرية الموجهة أصلاً نحو مقدرات الجيش الوطني للدولة اليمنية

لذلك تبدو هذه الحروب اليوم أكثر فتكاً بالشعب اليمني وبمقدراته، وأكثر عدواناً على حلمه في استعادة الدولة والاستقرار وإنهاء أسباب الفوضى وتقويض المشاريع السياسية والجيوسياسية العدائية التي تحمل في طياتها مهددات مباشرة لوحدة اليمن ونظامه الجمهوري الديمقراطي، لأن الدولة اليمنية لم يعد لها عنوان قيادي واضح ولا محاميا يتكئ على حق أصيل ممنوح له من الشعب اليمني.

أما السبب وراء تَحَلُّلْ المنظومةُ القياديةُ للدولة اليمنية، فيُعزى إلى أن التحالف السعودي الإماراتي نجح فجر السابع من نيسان/ ابريل 2020 في فرض مجلس قيادة رئاسي، لا ينطوي اسمه المركب على أية إشارة إلى الدولة وهويتها الجغرافية والسياسية. ومن خلال هذا المجلس سطا التحالف نهائياً على رأس الشرعية، وباشر على الفور وعبر وكلائه المحليين من القوات التي أنشأها خلال السنوات الماضية؛ حرباً ضروساً لتجريف الدولة اليمنية الحقيقية وجيشها وأمنها ورموزها.

وفي الجهة المقابلة تقف إيران بصلفها الطائفي وطموحها القومي الجيوسياسي العابر للحدود؛ أكثر ثقة في إمكانية تحقيق نقاط تفوق إقليمية من خلال تقوية نفوذ الحوثيين في شمال اليمن، ومواصلة التسويق لقدراتها العسكرية التي منحتها الأهداف الرخوة والأجندات التآمرية الفرصة الكاملة للتفوق على ترسانة حربية هي الأحدث على مستوى العالم، وُضعتْ تحت تصرف السعودية والإمارات عبر عقود طويلة من التسليح والتدريب والتحديث.
من خلال هذا المجلس سطا التحالف نهائياً على رأس الشرعية، وباشر على الفور وعبر وكلائه المحليين من القوات التي أنشأها خلال السنوات الماضية؛ حرباً ضروساً لتجريف الدولة اليمنية الحقيقية وجيشها وأمنها ورموزها

أصبحت الأخبار المرتبطة بجهود المبعوثين الأممي والأمريكي مملة وغير ذات أهمية في نظر الأغلبية الكبرى من الشعب اليمني، لولا أن وسائل الإعلام تحتاج إلى تعبئة مساحة البث بتتبع التحركات الانتهازية والمتواطئة لهذين المبعوثين، اللذين لم ينجحا في حسم قضية واحدة من القضايا التي تشكل عقدة الحوارات والمباحثات بين الأطراف، وفي المقدمة منها قضية فتح المعابر في محافظة تعز وفي غيرها من المحافظات، وحمل الحوثيين كذلك على تخصيص عائدات الجمارك لصرف المرتبات للموظفين الذين يعملون تحت سلطتهم.

قبل يومين أطلق عيدروس الزبيدي الذي صممت السعودية والإمارات له وضعية سلطوية معقدة ومثيرة للسخرية، فهو عضو مجلس القيادة الرئاسي للجمهورية اليمنية ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن الجمهورية اليمنية.. أطلق هذا الوكيل تصريحاتٍ بشأن نية قواته الجنوبية التوجه نحو حضرموت والمهرة.

والهدف بالتأكيد هو طرد القوات الحكومية المرابطة هناك، موقناً بأن هذا الهدف سيتحقق تحت مظلة التحالف السعودي الإماراتي. وهو مثل واضح على حجم الفوضى التي وصل إليها اليمن في ظل هيمنة هذا التحالف، إلى الحد الذي ضاعت معه تماماً بوصلة الحرب التي كان يفترض أن تنتهي بدحر الحوثيين وسلب أسلحتهم وإعادتهم إلى عملية سلام يمنية شاملة.
لم يعد اليمنيون يهتمون بالهدنة ولا بالجهود الدولية، قدر اهتمامهم بالدفع نحو بناء اصطفاف وطني يتأسس على جهد نضالي سياسي وعسكري مقاوم يواجهون من خلاله هذه المؤامرة المزدوجة، التي تستهدفهم من جانب التحالف ومن يقف وراءه، ومن جانب إيران ومن يتخادم معها

أما الحوثيون فقد منحتهم الهدنة فرصة ثمينة للقيام بعمليات واسعة لنقل القوام البشري والأسلحة التي يستعرضون بها قوتهم العسكرية والأمنية، في صنعاء وفي الحديدة، مرسلين إشارات إلى الداخل والخارج بأن سلام ما بعد الحرب لن يفرضه سواهم، وأن سقف الحرب تضعه الطموحات السياسية والجيوسياسية للحوثيين. وهي طموحات قاتلة بالنسبة للشعب اليمني الذي يرفض أن يعود إلى عهد الإمامة البغيضة، بكل ما تشكله من إهانة للإنسان ومصادرة لحقوقه وكرامته، بالإضافة إلى ما تعد به من استلاب للقرار السيادي وارتباط مكلف بأجندة طائفية إقليمية متوترة.

لذلك لم يعد اليمنيون يهتمون بالهدنة ولا بالجهود الدولية، قدر اهتمامهم بالدفع نحو بناء اصطفاف وطني يتأسس على جهد نضالي سياسي وعسكري مقاوم يواجهون من خلاله هذه المؤامرة المزدوجة، التي تستهدفهم من جانب التحالف ومن يقف وراءه، ومن جانب إيران ومن يتخادم معها من القوى الدولية.

نعم.. إن حرباً مستقلة القرار يخوضها الشعب اليمني مهما كان أفقها الزمني والمكاني، أكثر برداً وسلاماً من هذه الهدنة وهذه التسويات التي تهدر كرامته وتذبحه من الوريد إلى الوريد.

twitter.com/yaseentamimi68
التعليقات (0)