مقالات مختارة

بدء تراجع أسعار النفط والحبوب عالميا

محمد المومني
1300x600
1300x600

مع استمرار تأقلم الاقتصاد العالمي مع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، بدأنا نرى انحسارا لأسعار الحبوب والقمح بالتحديد، وأيضا أسعار النفط التي سجلت أرقاما انخفضت أو راوحت حول 100 دولار للبرميل بعد أن وصلت 130 دولارا للبرميل في ذروة الأزمة. الاقتصاد العالمي يتأقلم مع التحديات، ولأنه اقتصاد حر مفتوح يخضع لمبادئ العرض والطلب، تجده يبحث عن الحلول ويتعايش مع المصائب باحثا حلولا لها. التاريخ الإنساني مليء بالتجارب على ذلك، منذ الكساد العظيم والكينزية المدفوعة بمبدأ النمو الذي يقوده زيادة الطلب، إلى البحث عن النمو من خلال زيادة العرض لا الطلب، والآن وصلنا لمرحلة تقول لنا إن تخفيض الضرائب بهدف زيادة الأرباح أو الطلب لا يزيد النمو وإنما يقلل الإيرادات ليس إلا. هذه دورات تطور اقتصادية أنتجتها البشرية لكي تتعايش وتتأقلم مع تحديات الاقتصاد التي لا تنتهي.


التأقلم مع ارتفاع أسعار النفط له تاريخ طويل منذ حصار النفط عام 1973 إلى يومنا هذا حيث يخضع الآن بتشدد لمبدأ العرض والطلب من خلال أوبك. وصلت مستويات التأقلم أن عاد بعض الأوروبيين للتحطيب لتجنب أسعار البترول المرتفعة، وهذا معناه تراجع الطلب على النفط ما يعني أن أسعاره ستتراجع. هذا مهم لكنه رمزي أكثر منه فعل مؤثر. الفعل المؤثر تأتي من خلال مزيد من الاستكشاف لموارد نفطية وغازية أميركية، واستخدام الولايات المتحدة لمخزونها النفطي الاستراتيجي وضخه في السوق لكي تسيطر على ارتفاع الأسعار وتحد منها. والأهم من كل ذلك، والسبب الأساس لتراجع أسعار النفط، قناعة دول أوبك المصدرة للنفط أن ارتفاع الأسعار لهذه المستويات ليس في صالحها، وأنها معنية بأسعار معقولة ولكن مستقرة، فارتفاع أسعار النفط يزيد التضخم، وسوف يؤدي لاحقا لتباطؤ النمو الاقتصادي وبالتالي تراجع الطلب على النفط، وهذا سيؤدي إلى أن ينخفض سعر النفط إلى مستويات متدنية سوف تؤذي موارد الدول النفطية. هذه الدول صرحت وزادت بالفعل بنسب معينة كميات الإنتاج ومستمرة بذلك لكبح جماح الأسعار.


الحال كذلك مع سوق الحبوب العالمي، الذي بدأ يتأقلم مع ارتفاع الأسعار، فانحصر الطلب على الحبوب ما أدى لتراجع أسعارها، ودخلت بعض الدول ذات الحقول الخصبة للزراعة في أوروبا وخارجها على خط الإنتاج في محاولة للاستفادة من ارتفاع الأسعار. هذه كانت أهم الأسباب التي جعلت تركيا تنجح بإقناع روسيا لتسهيل خروج الحبوب الأوكرانية، لأن استخدام القمح كسلاح أصبح خارج المنطق، لأن العالم تعايش وتغلب على تحدي ارتفاع أسعار الحبوب.


المقاربة أعلاه تؤشر بوضوح إلى أن التحديات الأساسية التي نتجت عن الحرب الروسية الأوكرانية بدأت بالانحسار، والعالم في وضع أفضل للتعامل مع هذه التحديات والتداعيات لفترة طويلة ممتدة. يبقى أن الخاسر الوحيد من استمرار الوضع الحالي هو الاقتصاد الروسي، الذي سيستمر بالانكماش والتراجع والانعزال، ولذلك فروسيا معنية تماما بإنهاء الصراع الدائر، وفك العزلة المطبقة على اقتصادها، وهي تعلم أن العقلانية السياسية تشير إلى أنها لا بد من أن تذهب بذلك الاتجاه، وأن تتحمل بعض الخسائر السياسية التي قد تترتب عليها، فهي الخاسر الأكبر استراتيجيا جراء استمرار الصراع في أوكرانيا.

 

الغد الأردنية

0
التعليقات (0)