كتب

كيف ينظر الليبراليون لمقومات العلاقات الدولية؟ آراء علماء

ما هي تقاليد النظرية اللِّيبرالية الدولية في أوروبا؟ آراء علماء أوروبيين
ما هي تقاليد النظرية اللِّيبرالية الدولية في أوروبا؟ آراء علماء أوروبيين

الكتاب: "تقاليد النظرية اللِّيبرالية الدولية في أوروبا"
تحرير: كنود إريك يورجنسن
المؤلفون: مجموعة من الكتاب
الناشر: بالجريف ماكميلان، 2021
عدد الصفحات: 155


تتميز نظريات العلاقات الدولية بشكل خاص، وتخصص العلاقات الدولية بشكل عام بسمات ومميزات ليبرالية جَلية. الكتاب الذي بين أيدينا يتمحور حول تقاليد النظرية اللِّيبرالية الدولية في المائة عام الماضية، وخصوصًا في أوروبا. فعلى الرغم من كثرة الانتقادات العلمية الرصينة والمُتكررة لتقاليد النظرية اللِّيبرالية، يجادل مؤلفو هذا الكتاب بأن التقليد اللِّيبرالي نادرًا ما حظي بالاهتمام الكافي بالدراسة والبحث. 

وبعبارة أخرى، يُحاول هذا المؤلف ومن خلال مساهمة عدد من المتخصصين الأكاديميين في العلاقات الدولية إثبات أن النظرية العالمية اللِّيبرالية لها تقليد نظري ثري ومُهم لا يتم الاعتراف به غالبًا ضمن التنظير في العلاقات الدولية. يحتوي الكتاب على تسعة فصول علمية تبحث في كيفية تَطور العلاقات الدولية اللِّيبرالي في أوروبا.

في الفصل الأول والمعنون بـ "سياق التقليد اللِّيبرالي الدولي" حدد كنود إريك يورجينسن التقليد اللِّيبرالي في تخصص العلاقات الدولية والفكر السياسي، هادفًا إلى بناء روابط وعلاقات بين تخصص العلاقات الدولية والتنظير السياسي والتاريخ الثفاقي الأوروبي. يجادل أنه لدراسة تقاليد النظرية الدولية اللِّيبرالية في أوروبا، فإن الوقت والمكان والثقافة السياسية المؤسسية التي تطورت وازدهرت فيها هم ركائز أساسية لمنظري العلاقات الدولية؛ وبالتالي، فإن التدقيق في هذا الموضوع يتطلب فحصًا منهجيًا ونقديًا لمصطلحاته المُهمة وتحديدًا واضحًا لزمانه ومكانه. 

يقوم كنود إريك يورجينسن كمحرر للكتاب بتحديد خطة البحث في الكتاب، ويقترح ثلاثة محاور مترابطة لفهم التقاليد اللِّيبرالية في العلاقات الدولية وهي: الليبرالية، والعالمية والنظرية. بالنسبة له، فإن جدول أعمال هذا المجلد هو استخدام منظور تاريخي لربط ما يبدو منفصلًا في تقليد النظرية اللِّيبرالية خلال المائة عام الماضية.

في الفصل الثاني والمعنون بـ "تنظير العلاقات الدولية اللِّيبرالية في أوائل القرن العشرين: 1900 ـ 1939" تدعي لاسين إديل أوزتيغ أن الآثار المدمرة للحرب العالمية الأولى حفزت العديد من الباحثين على تصور وسائل وأساليب جديدة لمنع إمكانية اندلاع حروب بالمستقبل. حيث أن الحرب تعتبر عائقًا أمام الحرية الفردية والحرية بطبيعة الحال من ركائز التقاليد اللِّيبرالية. 

هذا الفصل يقدم بنظرة ثاقبة نمو ما يسمى اللِّيبرالية الدولية في حقبة ما بين الحربين العالمية الأولى والثانية. أوزتيغ تستعرض أسماء عدد من العلماء الأوروبيين الذين ساهموا في تطوير اللِّيبرالية الدولية، أمثال ديفيد ميتراني، الذي اقترح إنشاء منظمات دولية لمنع الصراع والعنف. أيضًا فالكاتبة تستعرض مُساهمات أخرى لمنظرين في العلاقات الدولية مثل هيرش لوترباخت، الذي أكد على أهمية القانون والأخلاق؛ والذي يفترض أن الأمن الجماعي يُمكن تحقيقه إذا تم تنفيذ القانون الدولي بشكل فعال.

الفصل الثالث والمعنون بـ "توجهات اللِّيبرالية والسياسة المحلية في العلاقات الدولية"، تشرح الكاتبة أوكي فان لون مُساهمات أكاديمية ترتبط بالسياسة الداخلية والنظرية الليبرالية في العلاقات الدولية. يتم عرض ثلاثة متغيرات توضيحية في هذا الصدد وهي: المصالح، والمؤسسات، والأفكار. تُذكر المؤلفة القراء أن التنظير في أوروبا مُلتزم تمامًا بهذه المتغيرات الثلاثة، والتي تعد أشكالا رئيسية لمنظورات السياسات المحلية الأوروبية. فبحسب الكاتبة تلعب هذه الأفكار والمفاهيم الثلاثة دورًا رائدًا في توضيح خيارات وتفضيلات الحكومات الأوروبية. أيضا، تجادل الكاتبة بأن التصور اللِّيبرالي المركزي هو أن العلاقات بين الدولة والمجتمع تعكس أولويات الحكومة داخليًا وخارجيًا تجاه التعاون أو حتى الصراع.

 

 

النظرية العالمية اللِّيبرالية لها تقليد نظري ثري ومُهم لا يتم الاعتراف به غالبًا ضمن التنظير في العلاقات الدولية. يحتوي الكتاب على تسعة فصول علمية تبحث في كيفية تَطور العلاقات الدولية اللِّيبرالي في أوروبا.

 

 



في الفصل التالي والمعنون بـ"الجمهورياتية والنظرية الدولية اللِّيبرالية" يجادل كيفن بلاشفورد بأن فكرة الجمهورياتية كانت حاسمة في تشكيل العلاقات الدولية والهوية الأوروبية. حيث أن الجمهورياتية كأيدولوجية لها تأثيرات واسعة النطاق على النظريات السياسية في أوروبا. لكن الجمهورياتية لم يتم دراستها بشكل مُعمق في العلاقات الدولية بحسب الكاتب. لذا يقترح الكاتب إعادة تقييم إرث الجمهورياتية في العلاقات الدولية لأنها تثري نظرية العلاقات الدولية اللِّيبرالية. بعبارة أخرى فإن الكاتب يَدّعي أن نهج الجمهورياتية يتميز بأنه يُوسع فهم العلاقات بين السياسية الداخلية والدولية.
 
في الفصل الخامس والمعنون بـ"نظريات السلام الأوروبية اللِّيبرالية ونُقادها" قام لوثار بروك وهندريك سيمون بعرض ثلاث نظريات لتوطيد السلام: السلام من خلال التحديث، والسلام من خلال التحول الديمقراطي، والسلام من خلال المؤسسات الدولية والقانون. يجادل المؤلفان بأن مُساهمات كانط أثرت على نظريات السلام المعاصرة. 

على سبيل المثال، فإن تصور الدولة لنفسها على أنها "ديمقراطية" و"سلمية وعقلانية" و "قوة من أجل الخير" ولّد تصورًا مدمرًا للدول غير الديمقراطية. لقد سمح هذا "الجانب المظلم" كما يسميه المؤلفان "للدول الديمقراطية" بتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان ـ في بعض الحالات عن طرق استخدام العنف. يؤكد المؤلفان أن نظريات السلام اللِّيبرالية الأوروبية تشتمل على تقاليد غزيرة الإنتاج في العلاقات الدولية المعاصرة، والنظرية السياسية الدولية، والقانون الدولي.

في الفصل السادس والمعنون بـ"نظريات الأمن اللِّيبرالي" يُؤكد كاميل زفولسكي أن المنظرين الأوروبيين اللِّيبراليين لديهم أفكار غنية فيما يتعلق بالأمن والسلم الدولي. يستعرض الكاتب المناقشات التي دارت حول الفيدرالية الدولية والأمن الدولي في فترة ما بين الحربين العالميتين. الكاتب يُميز بين نوعين من الفدرالية الدولية في أوروبا: أحدهما يتمثل بسماهمات ريتشارد كونهوف كاليرجي والآخر قَدّمه ليبراليون بريطانيون دوليون. فبحسب الكاتب فإن كلا الاتجاهين يعزز التكامل الإقليمي الأوروبي، مع ذلك فلقد اختلفوا حول أهداف ونطاق هذا التكامل. فعلى سبيل المثال، كودينهوڤ كاليرجى كان مُهتمًا فقط بأوروبا ولم يتناول قضية السلام العالمي. يختتم زفولسكي حديثه بالتأكيد على أنه بالنسبة للمنظرين اللِّيبراليين، فإن التكامل الإقليمي والمؤسسات تجسدان التفاؤل بنظام دولي أكثر سلامًا.

في الفصل السابع والمعنون بـ "الليبرالية والمدرسة الإنجليزية"، تجادل الكاتبة أصلية أرغول يورغينسين بأن اللِّيبرالية أثرت وتؤثر كثيرًا على تقاليد نظريات العلاقات الدولية المختلفة. المدرسة الإنجليزية كنظرية من نظريات العلاقات هي واحدة من هذه التقاليد التي تأثرت باللِّيبرالية. فالكاتبة تؤكد أن اللِّيبرالية والمدرسة الإنجليزية يتداخلان بشكل متكرر نظريًا مع بعضهما البعض. تدعي الكاتبة في هذا الفصل أن النقاشات النظرية في اللِّيبرالية والمدرسة الإنجليزية حول قضايا مثل حقوق الإنسان وسيادة الدولة أثرت التقاليد اللِّيبرالية الأوروبية. لكن رغم القواسم المُشتركة بين اللِّيبرالية والمدرسة الإنجليزية مثل قضايا التدخل الإنساني والديمقراطية، فإن الأفكار اللِّيبرالية الكانطية مثل فكرة السلام الدائم لا تزال غير مُعترف بها بالمدرسة الإنجليزية. 

 

 

إن فهم العلاقات الدولية يتطلب فهمًا واسعًا للِّيبرالية وتقاليدها. لذا يخدم هذا الكتاب هذا الغرض ويفيد كقراءة تخصصية ومفصلة تاريخيًا للتقاليد اللِّيبرالية في أوروبا.

 

 



بالفصل الثامن "اللِّيبرالية الكلاسيكية ونظريات العلاقات الدولية" يدعي إدوين فان دي هار أن منظري العلاقات الدولية المعاصرين لا يعترفون بالثراء المعرفي لتقاليد اللِّيبرالية الكلاسيكية. على سبيل المثال، اللِّيبرالية الكلاسيكية قدمت فهم واقعي للطبيعة البشرية والعقل. يُذكرنا المؤلف أنه بالنسبة للِّيبراليين الكلاسيكيين فإن الإنسان غير معصوم من الخطأ وأنه كائن اجتماعي لا يستطيع العيش بمُفرده. أيضا بالنسبة لهم ليس من المُتوقع أن يختفي العُنف كليًا لذا فإن اللِّيبراليين الكلاسيكيين لم يسألوا عن كيفية القضاء على الحرب، بل سألوا كيف يجب أن تتعامل الدول مع وجودها الذي لا مفر منه، وهكذا، يدعو الكاتب لمزيد من التحليل للتقاليد اللِّيبرالية الكلاسيكية من قبل منظري العلاقات الدولية المعاصرين للاستفادة من هذه التقاليد.

الفصل الأخير والمعنون بـ"خاتمة ووجهات نظر" يشرح كنود إريك يورجنسن كيف يساهم اللِّيبراليون الكلاسيكيون في خلق تقليد حي يُنتقد من اليسار واليمين. فهو يؤكد أن فصول الكتاب تعكس كيفية تطور تقاليد النظرية الدولية اللِّيبرالية في أوروبا في المئة عام الماضية مع الاعتراف بحدود الكتاب. على سبيل المثال لم يستطع الكتاب مُقارنة هذه المناقشات والتنظير مع تقاليد للِّيبرالية خارج أوروبا. 

في النهاية، هذا الكتاب يُحاول إحياء تقاليد العلاقات الدولية اللِّيبرالية الكلاسيكية  ولكن فقط ضمن السياق التاريخي لإوروبا في المائة عام الماضية. يُمكن انتقاد هذا الكتاب لعدم موضوعيته بسبب تجاهل الانتقادات الهامة للتقاليد اللِّيبرالية الكلاسيكية. على سبيل المثال، النقد القائل بأن اللِّيبرالية الكلاسيكية عاجزة عن التعامل مع الاختلافات الدينية والثقافية محليًا ودوليًا. 

يبقى أن نقول، إن فهم العلاقات الدولية يتطلب فهمًا واسعًا للِّيبرالية وتقاليدها. لذا يخدم هذا الكتاب هذا الغرض ويفيد كقراءة تخصصية ومفصلة تاريخيًا للتقاليد اللِّيبرالية في أوروبا.

*أستاذ مساعد في قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة إسطنبول صباح الدين زعيم.


التعليقات (0)