كتاب عربي 21

حميدتي متسلحا بسماكة الجلد

جعفر عباس
1300x600
1300x600
بات معلوما، حتى لمن يراقب المشهد السوداني بنصف عين، أن الفريق الافتراضي محمد حمدان دقلو (حميدتي)، شريك عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني في كل المؤامرات التي أزهقت الأرواح وأوصلت البلاد إلى حافة الانهيار التام، لا يعرف من أمور الحكم إلا تلك المتعلقة بالأبهة والهيلمان، فالرجل الذي لم يتعامل مع الجاكيت وربطة العنق إلا قبل ثلاث سنوات، يبدي حرصا غريبا على افتعال المحافل التي تتيح له الظهور والتقاط الصور ونثر الدرر، فرغم أنه لا يحسن حتى الحديث بالعامية السودانية، فما جاء مبعوث أوروبي أو أمريكي والتقى بالبرهان إلا ورتب حميدتي للقائه.

وعندما انتقل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات إلى رحمة مولاه، قام البرهان بتقديم التعازي في اتصال هاتفي بقناة أبو ظبي الفضائية، ثم استقل طائرة ليشارك في تشييع الجثمان، فما كان من حميدتي إلا أن داس وهرس البروتوكلات المرعية، وامتطى الطائرة في اليوم التالي وتوجه إلى أبوظبي لنفس الغاية، ولم يعْنِه في شيء أن البرهان قدم التعازي بوصفه رئيس الدولة بحكم المنصب والأمر الواقع، بل وبعقلية مفيش حد أحسن من حد اصطحب معه رتلا من المسؤولين فاق عددهم من اصطحبهم البرهان إلى تلك الوجهة.

ومن الواضح أن حميدتي يتمتع بجلد سميك، فما من يوم خرق فيه أصول المراسم المتعارف عليها، وألحق إصابات جسيمة بمعمار اللغة، إلا واشتعلت الأسافير وانشغلت بها من باب التندر، بدرجة أن هناك منابر عديدة على شبكة الأنترنت باتت مخصصة للـ "حميديتيات"، ولكنه عاجز عن الابتعاد عن الأضواء، ويوم الأربعاء الأول من حزيران/ يونيو الجاري، كان مقررا أن يفتتح حميدتي معرض الخرطوم الدولي السنوي، بحضور سفراء ووزراء ومسوؤلين كبار من عدد من الدول المشاركة في المعرض.

يقع مركز المعارض في ضاحية "البراري"، أحد أهم معاقل القوى التي أسقطت نظام عمر البشير في نيسان/ أبريل من عام 2019، والواقفة في الخندق الأمامي في مواجهة البرهان وحميدتي وبقية العسكر الذين أجهضوا الحكم المدني الجزئي في تشرين أول/ أكتوبر من العام الماضي، وقد سبق لحميدتي أن استغل المركز لاستضافة العشرات من شيوخ القبائل استضافة كاملة (الأكل والشرب والمبيت لعدة ليال)، وكان ذلك في سياق الجهد الذي بذله لتسويق نفسه كزعيم لعموم البلاد، على أمل أن يشكل الشيوخ أولئك حاضنة لطموحه، وانتهت الفعالية بفضيحة إذا تعالت احتجاجات بعض الشيوخ من أنهم لم يتسلموا المبالغ النقدية الموعودة وانفض سامرهم، وعمد حميدتي لاحقا ـ وما زال ـ إلى استقطاب قبائل محددة ذات وزن عددي بالعطايا والهبات لكبارها.

ما أن أذاعت أدوات الاتصال الرسمية نبأ افتتاح حميدتي للمعرض السنوي ذاك، حتى أصدرت لجان مقاومة الانقلاب في "البراري" بيانا اقتطف منه ما يلي: هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟ / أتنسى ردائي الملطَّخَ؟ / أتلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟ / إنها الحربُ / قد تثقل القلبَ / لكن خلفك عار العرب / لا تصالحْ (الشاعر أمل دنقل).

وجاء في متن البيان:

لقد علمنا أن نائب رئيس المجلس الانقلابي وزعيم مليشيا الجنجويد سيقوم بافتتاح معرض الخرطوم الدولي، ونريد أن نجدد الإعلان عن موقفنا وموقف جميع ثوار وثائرات البراري بعدم الترحيب بأي انقلابي مهما كانت رتبته.. ستُكمل مجزرة القيادة العامة بعد يومين (3 حزيران/ يونيو) عامها الثالث، وها هو القاتل يسير بيننا بكل وضاعةٍ دون أن يشعر بحرج أو خوف، وذلك لأن أهل الثورة لم يحافظوا عليها، ولكن لا تزال المقاومة مستمرة ما دامت هذه الأرض تُنبت ثواراً وثائرات، وذاكرة الشعوب لا تنسى. نقول للقاتل محمد حمدان دقلو أنه لا أهلاً ولا سهلاً بك في أرض البراري الثورية، وإن تجرأت على القدوم، فأعلم أن لكل حادث حديث، وأنتم تعلمون تماماً اللغة التي يتحدثها ثوار وثائرات البراري.

وعشية يوم الافتتاح تحولت ضاحية البراري إلى ساحة حرب، عندما داهمتها جحافل الجند لإزالة المتاريس التي شيدت لإغلاق الطرق المؤدية إلى مركز المعارض، وترويع أهل البراري الرافضين لقدوم حميدتي إلى ضاحيتهم، وبات واضحا أن الرجل سيتعرض لأقبح النعوت من الحناجر واللافتات إذا توجه نحو المعرض، وأن الأمر قد ينتهي بمجزرة جديدة تضاف إلى سجله القاني، فاعتذر عن المهمة.

البرهان أكثر ذكاء من حميدتي، ويدرك أنه مرفوض شعبيا، ولهذا لا يمارس عنترياته الكلامية إلا أمام جنوده، ويتفادى كليا مخاطبة حشود مدنية، ما لم تكن صغيرة و"مرتّبة" من قبل مقاولي الأنفار الذين يأتون له بعدد من المدجنين، كما حدث عندما شهد إفطارا رمضانيا في ساحة المسجد الكبير في الخرطوم، ورغم حرص الكاميرات الرسمية على إظهار وجوه بعض العوام على الموائد إلا أنها لم تستطع تفادي وجوه حراسه الذين شكلوا غالبية الحضور.

وفي تقديري، يخطئ من يظن أن حميدتي سيتعلم درسا من تجربة هزيمته المعنوية أمام شباب مغمورين أجبروه على صرف النظر عن أداء مهمة رسمية كان يود الاضطلاع بها، فلو كان قابلا لـ "التعلُّم" لما وقف البتة خلف مايكرفون أو أمام كاميرا، فهو، وباعترافه يعلم كل ما يقال عن أنه نصف أمي وجاهل ودموي ودخيل على السياسة، ولكنه يستعصم بسماكة الجلد التي تبلِّد الأحاسيس، وتجعله يعتقد بأنه يستطيع شراء الولاءات المؤدية لتحقيق رغبته في أن يصبح ذا شأن بالنقد السائل، وسيارات الدفع الثنائي والرباعي.

التعليقات (1)
لصوص بلا حياء
السبت، 04-06-2022 10:05 م
يمكن أن تعلم الإبل الطاعة لكن اللصوص لن تتعلم شيء كان لأسلافهم القليل من الحياء أما هؤلاء مجرد لصوص عبيد الصهاينة بإمتياز