كتاب عربي 21

تونس سيارة معطلة وسائقها يرفض الاستعانة بالجميع

صلاح الدين الجورشي
1300x600
1300x600
هذه الصائفة لن تكون عادية في تونس. هكذا أرادها الرئيس سعيد، وهذا ما تقود إليه سياسته، وهذا ما يطالب به أنصاره، إنه عازم على فرض أجندته أحب من أحب وكره من كره. "جمهوريته الجديدة" أصبحت جاهزة، وسينزلها على أرض الواقع قبل نهاية السنة الجارية، وليذهب الخصوم إلى الجحيم. لن يحاورهم، ولن يتنازل لهم مهما احتجوا وصرخوا واستنجدوا بأمريكا وفرنسا والاتحاد الأوروبي وغيرها من دول العالم. لن يسمح لهؤلاء بإفساد حلمه أو تعطيله، إنه بالنسبة له أشبه بالمهمة المقدسة التي لا يجوز تأخيرها أو التخلي عنها. هي ليست فقط رغبة الرئيس ولكنها أيضا إرادة الشعب التونسي، هكذا يعتقد قيس سعيد.

مع ذلك، يبدو الارتجال واضحا في تنفيذ هذه الخطة، فبعد النسبة الضعيفة التي حصلت عليها الاستشارة الإلكترونية، والتي لم تتجاوز 7 في المائة، جاءت المشاركة في التجمع المساند للرئيس يوم 8 أيار/ مايو، حيث لم يتجاوز عدد الحاضرين ألف شخص في أفضل التقديرات. كما أن "التجمعات" التي حصلت في العديد من المحافظات لم يتجاوز بعضها أصابع اليد الواحدة، وهو ما أثار استغراب المراقبين.
يبدو الارتجال واضحا في تنفيذ هذه الخطة، فبعد النسبة الضعيفة التي حصلت عليها الاستشارة الالكترونية، والتي لم تتجاوز 7 في المائة، جاءت المشاركة في التجمع المساند للرئيس يوم 8 أيار/ مايو، حيث لم يتجاوز عدد الحاضرين ألف شخص في أفضل التقديرات

لم يتوقف الأمر عند ضعف الإقبال، ولكن الأهم من ذلك حالة الانقسام الشديد التي شاهدها الجميع بين أنصار الرئيس، إذ كانت كل مجموعة تريد أن تقصي غيرها، وتدّعي بأنها صاحبة الفضل في تنظيم هذه التظاهرة المساندة لقرارات 25 تموز/ يوليو، وأنها الأحق بأن تكون الناطقة باسم الرئيس، والمساند الفعلي والوحيد له. وتؤكد حالة الانقسام الحاد في صفوف الأنصار، أن خطة قيس سعيد تعاني من خللين فادحين سينعكسان سلبا على مستقبله السياسي كشخص، أيضا على تونس كبلد هش وضعيف.

يتمثل الخلل الأول في افتقاره للبدائل القادرة على إنقاذ التونسيين وإبعادهم عن حافة الفقر والجوع، وهما خطران حقيقيان يخيمان على البلاد، ولا يمكن التصدي لهما بخطابات حماسية تدافع عن السيادة الوطنية، وتندد بالتدخل الخارجي لكل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي.
الرئيس وأنصاره لا يملكون برنامجا اقتصاديا واجتماعيا جاهزا وقابلا للتنفيذ، كما أنهم لم يحددوا إلى الآن مواقفهم من أهم القضايا التي تكاد تعصف بالبلاد، وتدفع بها نحو مسار مخيف ومدمر. وتجلى ذلك بوضوح على ألسنة الشباب الذين يعتبرون من الكوادر المنظمين لأنصار الرئيس. تكلموا عن شعارات غير متناسقة، ورددوا أفكارا مجزأة لا تعكس رؤية متكاملة

الرئيس وأنصاره لا يملكون برنامجا اقتصاديا واجتماعيا جاهزا وقابلا للتنفيذ، كما أنهم لم يحددوا إلى الآن مواقفهم من أهم القضايا التي تكاد تعصف بالبلاد، وتدفع بها نحو مسار مخيف ومدمر. وتجلى ذلك بوضوح على ألسنة الشباب الذين يعتبرون من الكوادر المنظمين لأنصار الرئيس. تكلموا عن شعارات غير متناسقة، ورددوا أفكارا مجزأة لا تعكس رؤية متكاملة ولا تنم عن وعي حقيقي بخطورة الأوضاع، وهو ما دفع بأحدهم إلى القول بأن مهمتهم تتمثل في تجميع أكبر عدد من التونسيين حول الرئيس باعتباره القائد والزعيم، وهو سيكمل المهمة؛ لأنه حسب اعتقاده "يملك بالتأكيد الحلول والخطط لمعالجة المشاكل التي يعاني منها الشعب"!!

أما المعضلة الثانية التي تواجه الرئيس سعيد وستعطل مساره ومسيرته، فهي ذات طابع تنظيمي؛ فالرجل ليس له حزب، ولا يؤمن بالأحزاب، إذ يعتبرها جزءا من الماضي، ويعتقد بأنها صيغة لا تاريخية من شأنها أن تفرغ الإرادة الشعبية من صلاحياتها الحقيقية. وهو ما جعل أنصاره يتحركون بشكل عفوي، ويقعون في أحيان كثيرة في تناقض مع "الفلسفة التنظيمية" التي يحملها هو، لكنه غير قادر على توضيحها وترجمتها على أرض الواقع.
تبدو الصورة أحيانا أشبه بصيغة اللجان الشعبية على الطريقة الليبية، دون أن تتوفر لأنصار سعيد نفس القدرات والخبرات التي حصل عليها سابقا أتباع العقيد القذافي. وفي ذلك مخاطر كبرى يمكن أن تهدد الدولة في مفاصلها الأساسية

بناء عليه، تبدو الصورة أحيانا أشبه بصيغة اللجان الشعبية على الطريقة الليبية، دون أن تتوفر لأنصار سعيد نفس القدرات والخبرات التي حصل عليها سابقا أتباع العقيد القذافي، وفي ذلك مخاطر كبرى يمكن أن تهدد الدولة في مفاصلها الأساسية، وهي مفاصل تشكلت منذ وقت طويل، ولا يمكن التضحية بها من أجل خوض تجربة ارتجالية مجهولة العواقب، وهي أقرب إلى الفرضية منها إلى نظرية حقيقية يمكن الاستناد عليها لإخراج بلد من أزمة عاصفة.

إن المشاركة الضعيفة، سواء في الاستشارة الإلكترونية أو في التجمعات المؤيدة للرئيس سعيد، لا تعني بالضرورة أن شعبيته انهارت، وأن الجماهير ستتوجه نحو المعارضة. فالتونسيون يمرون بوضع صعب ومحير، فهم من جهة لم يسترجعوا ثقتهم في أحزاب المعارضة، وبالأخص حركة النهضة وحلفاؤها، ومن جهة أخرى ليس لديهم الثقة في قدرة قيس سعيد على حسن إدارة البلاد بمفرده، ودون الاستعانة سواء بقوى المجتمع المدني والسياسي، أو الاستناد على الدعم الخارجي. لهذا، تبدو تونس مثل السيارة التي توقف محركها في وسط أرض قاحلة، وليس للسائق أية معرفة بالميكانيك، ولا يملك خطة ما لمعالجة المشكلة، ولا يريد أن يستعين بأحد!!
التعليقات (1)
Ahmed Fourati
الإثنين، 09-05-2022 01:08 م
بافتراض أن السائق حاصل على رخصة قيادة وأنه يتمتع بكامل القدرات العقلية ناهيك عن القدرة الأخلاقية ......