قضايا وآراء

توظيف داعش في الدراما العربية

غازي دحمان
1300x600
1300x600
داعش حسب ما يظهر في الدراما العربية، مجرد أشخاص موتورين جندهم أشخاص شبحيون لديهم قدرات خارقة على غسل الأدمغة، بدون أن يكون لهذا الأمر سياق سياسي أو اجتماعي، فقط مجرد انحرافات شخصية لأفراد من هنا وهناك؛ يتقاطعون في الفشل وعدم القدرة على التكيّف مع التطورات وأحياناً الحقد غير المبرّر على مجتمعاتهم.

المفترض، وفق ذلك، فإن هؤلاء الأشخاص متاحون دوماً ومتوفرون في كل زمان ومكان، بغض النظر عن الظروف المحيطة والسياقات السياسية والاجتماعية، وبالتالي، الأمر متوقف على ظهور أشخاص محنكين لديهم القدرة على الإقناع وغسل الأدمغة.

هذا ما بدا واضحاً في طريقة معالجة مسلسل "بطلوع الروح" الذي تبثه قناة "إم. بي. سي- مصر" لقضية داعش، وهي معالجة لا تخفي سطحيتها وركاكتها، رغم أن المؤلف "هشام عبية" يدّعي أنه استند إلى مئة مرجع في كتابته للمسلسل وخبراء ومختصين. ما هذه المراجع وهؤلاء الخبراء الذين لم يعرفوا كيف ظهر داعش ويحللون خلفيات وظروف ولادته وصعوده، ولا يرون السياق الدموي الذي اغتيل فيه شعب بكامله؛ نصفه يقبع في خيام اللجوء ويموت برداً وجوعاً، ومئات الآلاف منه مصيرهم غير معلوم في السجون؟!
ما هذه المراجع وهؤلاء الخبراء الذين لم يعرفوا كيف ظهر داعش ويحللون خلفيات وظروف ولادته وصعوده، ولا يرون السياق الدموي الذي اغتيل فيه شعب بكامله؛ نصفه يقبع في خيام اللجوء ويموت برداً وجوعاً، ومئات الآلاف منه مصيرهم غير معلوم في السجون؟!

حتى الأشخاص غير المختصين، باتوا على علم ودراية كاملة بالظروف التي ظهر في ظلها داعش، في نهاية 2014 في العراق ثم سوريا. وبعيداً عن كونه يمثل بقايا "تنظيم القاعدة" في العراق، فإنه حقّق هذا الزخم بوصفه أحد مخرجات الحرب الإيرانية على سنّة سوريا والعراق، والتي صنفتها معظم المنظمات الدولية على أنها حرب إبادة شرسة، بالتعاون مع أنظمة حكم طائفية أعلنتها على رؤوس الأشهاد بأنها ستحرق البلاد والعباد من أجل الاحتفاظ بالسلطة.

لا يعني ذلك أن داعش مثّل استجابة السنّة للتحدي الوجودي الذي واجهوه، بدليل أن المجتمعات السنية في سوريا والعراق لم تشكّل بيئة حاضنة للتنظيم، كما أن التنظيم نفسه نكّل بهذه المجتمعات ولم يرحمها.

كيف تقاطر الأفراد على داعش؟ ليس هناك ما يثبت أن داعش كانت له كوادر تستقطب الأفراد من أوروبا وآسيا أو حتى الدول العربية، والغالب أن هؤلاء أتوا اختياريا. فالمقتلة السورية، مثلها مثل كل الصراعات التي يكون الضحية فيها واضحا ويلجأ المعتدي إلى استخدام أبشع أساليب القتل والتنكيل، فالمحركات موجودة وتبحث عن إطار يستوعبها. لماذا اختاروا داعش؟ لأنه أكثر الفاعلين لديه أيديولوجية متماسكة وأطر تستطيع استيعاب القادمين، بعكس جميع الفصائل المقاتلة في سوريا التي لم يكن لها هوية وثبات واضحين.
التسطيح في هذا النمط من المعالجات مقصود، والهدف منه تحريف الحقائق، وهو يخدم التيار السلطوي والإعلامي السائد عربياً الذي يحاول القول إنه لم تكن هناك ثورات في العالم العربي، بل مجرد تنظيمات متطرفة وجدت من العدم وحاولت تدمير الشعوب والدول والجيوش، وبالتالي تحميل هذه التنظيمات جميع الجرائم التي تم ارتكابها في تلك المرحلة

التسطيح في هذا النمط من المعالجات مقصود، والهدف منه تحريف الحقائق، وهو يخدم التيار السلطوي والإعلامي السائد عربياً الذي يحاول القول إنه لم تكن هناك ثورات في العالم العربي، بل مجرد تنظيمات متطرفة وجدت من العدم وحاولت تدمير الشعوب والدول والجيوش، وبالتالي تحميل هذه التنظيمات جميع الجرائم التي تم ارتكابها في تلك المرحلة. وهنا يبدو واضحاً من هو المستفيد من ظهور مثل هذه التنظيمات، والذي بلا شك صمّم السياقات المناسبة لولادتها وصعودها.

يشترك صناع هذه الأعمال مع أولئك الذين نفذوا ميدانياً أمر اغتيال الشعب السوري، عبر سعيهم لطمس جرائمهم وتزوير الحقائق الساطعة. والغريب أن مقتلة الشعب السوري، التي لا تزال مستمرة على يد أجهزة النظام الطائفية وداعميه، هي حدث يفيض بالدراما، وهي حدث حقيقي وواقعي، كانت نتيجته موت مئات الآلاف من البشر وتهجير الملايين وإخفاء عشرات الآلاف، حدث ما زال طازجاً وينزف ألماً، عبر موت الأطفال من البرد والجوع في مخيمات البؤس، وغرق العوائل الهاربة من الموت المؤكد في البحار.

لماذا لا يتم صناعة عمل درامي يسلط الضوء على أفعال شبيحة الأسد، والمذابح التي ترتكبها مليشيات إيران؟

بالمصادفة، نشرت صحيفة الغارديان في 26 نيسان/ أبريل الجاري فيديو لمذبحة قامت بها عناصر المخابرات السورية في حي التضامن، راح ضحيتها 41 شابا. وهذا تفصيل صغير جداً للجرائم التي ارتكبتها أجهزة العصابة (كاتب هذه الكلمات كان يقيم في هذه المنطقة، وهي حي قريب من مخيم اليرموك، وقد اختفى فيه مئات الشبان السوريين والفلسطينيين).

أبشع ما في هذا النوع من الأعمال الدرامية أن صناعها يعتبرون أنفسهم أبطالاً ومقدامين وتنويريين، لأنهم يدّعون أنهم يواجهون الإرهاب! في حين أنهم يساهمون في طمس جرائم الأنظمة، ويضعون الملح على جروح المغتصبات والأيتام والأمهات الثكالى.
أين البطولة في تزوير الحقائق والوقوف مع القاتل؟ هذا النوع من البطولات لا يمكن أن يوجد إلا في العالم العربي، على اعتبار أن مهمة الفن والثقافة هي كشف الحقائق ونقد الظلم والفساد، فما بالك حين يصل الأمر إلى حد ارتكاب جرائم الإبادة؟

أين البطولة في تزوير الحقائق والوقوف مع القاتل؟ هذا النوع من البطولات لا يمكن أن يوجد إلا في العالم العربي، على اعتبار أن مهمة الفن والثقافة هي كشف الحقائق ونقد الظلم والفساد، فما بالك حين يصل الأمر إلى حد ارتكاب جرائم الإبادة؟ أكدت أغلب تقارير المنظمات الدولية أن مساهمة داعش، وجميع المنظمات التي على شاكلته، في الدم السوري تبلغ 5 في المئة من مجموع ضحايا هذه المقتلة، وأن 95 في المئة من قتلى هذه الحرب كانوا على يد نظام الأسد وداعميه!

تنويريون؟ ماذا عن ظلامية الأنظمة الحاكمة التي هي الصانع والحارس للتخلف العربي؟ كيف يستقيم لعق أحذية العصابات الحاكمة وادعاء التنويرية؟! كم هو سهل هذا النمط التنويري الذي يقف مع القتلة ويتقاضى أجوراً عالية ويعيش أصحابه برفاهية فائضة؟

twitter.com/ghazidahman1
التعليقات (0)