كتاب عربي 21

الديمقراطية المعطلة في العالم العربي

صلاح الدين الجورشي
1300x600
1300x600
أينما وليت وجهك تواجه حقيقة واضحة ومؤكدة خلاصتها أن العالم العربي يتجه من جديد نحو اللعبة المغلقة، كلما ضغطت على زر من أزرارها تظهر لك علامة ممنوع المرور.

كنت في بيروت، وحضرت بالصدفة اللقاء الذي نظمته المعارضة للإعلان عن توحيد صفوفها المبعثرة بهدف خوض الانتخابات البرلمانية القادمة، في محاولة منها لكسر السور الحديدي الذي نجح رؤساء الطوائف في إقامته من احتكار السلطة والثورة. كان اللقاء ناجحا من حيث الشكل وإعلان الرغبة في تغيير النظام، لكن المجتمعين يعلمون جيدا أن اللعبة في لبنان ستستمر رغم كل الخسائر الفادحة وانهيار الدولة. هناك توافق بين مكونات الطبقة الحاكمة حول منع المعارضة من المرور، رغم حجم الخلافات التي تشق صفوف المتحكمين في قواعد اللعبة.

بالنسبة للندوة التي نظمتها شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، والتي دعتني للمشاركة فيها ببيروت، كنت ميسرا لجلسة تناولت أسباب تعثر أو فشل أربع حالات أجهضت فيها الديمقراطية أو تكاد نتيجة عوامل داخلية وخارجية. تونس التي كانت ثورتها فاتحة خير على العالم العربي، لكنها اليوم تفاجئ الديمقراطيين في كل مكان بمشهد معاكس بعد أن تم تعطيل مسارها الديمقراطي من قبل رئيس الدولة، ودخلت مسارا آخر ينبئ بقيام حكم الفرد بحجة فشل الديمقراطية التمثيلية وفساد الأحزاب السياسية.
تونس التي كانت ثورتها فاتحة خير على العالم العربي، لكنها اليوم تفاجئ الديمقراطيين في كل مكان بمشهد معاكس بعد أن تم تعطيل مسارها الديمقراطي من قبل رئيس الدولة، ودخلت مسارا آخر ينبئ بقيام حكم الفرد بحجة فشل الديمقراطية التمثيلية وفساد الأحزاب السياسية

البلد الثاني هو السودان الذي يخوض تجربته الرابعة للتحول الديمقراطي دون أن يتمكن من تثبيت أركان صلبة لنظام جديد وقادر على الاستمرار. فالنزاع بين العسكر والمدنيين أوقع البلد في مأزق لم تتمكن من تجاوزه، وجعل الحلم الديمقراطي الذي ضحى من أجله المئات من السودانيين، يتراجع بشكل مخيف رغم حجم التضحيات.

البلد الثالث هو العراق الذي وصفه صاحب المُداخلة بالدولة الفاشلة، فرغم مرور حقبة طويلة عن الغزو الأمريكي وسقوط نظام صدام حسين لم يتمكن العراقيون من تثبيت أركان نظام مستقر وديمقراطي حقيقي. لقد تمكنت الطائفية والفساد والتنازع على السلطة والتدخل الخارجي من إبقاء البلد في حالة اسنزاف دائم لمقدراتها البشرية والمالية، مما جعلها تبدو دولة فقيرة رغم كونها دولة نفطية.

أخيرا جاء دور فلسطين، وهي حالة استثنائية بحكم الاحتلال الاستيطاني البشع. إلا أن ذلك لا يفسر تعطل الممارسة الديمقراطية في صفوف معظم الفصائل، وفي ممارسة السلطة لدورها وعلاقتها بالمجتمع وبمختلف المؤسسات. صحيح أن الانقسام زاد الطين بلة، لكن ذلك لا يبرر الحالة القائمة في مختلف المستويات.
الجبهة الداخلية للمجتمعات هي المضروبة بالأساس، وهي المسؤولة عن حالات التردد والانتكاس وترويج خطاب الكراهية والإقصاء. هناك عطب تاريخي أصاب النخب وأوقعها في حالة اللا فعل، مما جعل الشعوب تبحث من جديد عن المستبد العادل

هناك أزمة عميقة تشق مختلف دول المنطقة، وتمنعها من التحول إلى مجتمعات حرة وديمقراطية. جرت العادة أن يتم تفسير ذلك وتعليله بدور العوامل الخارجية، مثل القوى الغربية التي تحرص على حماية مصالحها من خلال إدامة الهيمنة على المنطقة. لكن على أهمية هذا الجانب، غير أنه لا يفسر وحده الاستبداد المتوارث والجاثم على العالم العربي.

الجبهة الداخلية للمجتمعات هي المضروبة بالأساس، وهي المسؤولة عن حالات التردد والانتكاس وترويج خطاب الكراهية والإقصاء. هناك عطب تاريخي أصاب النخب وأوقعها في حالة اللا فعل، مما جعل الشعوب تبحث من جديد عن المستبد العادل.
التعليقات (0)