تقارير

مسجد الخضراء من أقدم جوامع نابلس.. بني على أنقاض كنيسة

بني مسجد الخضراء في منطقة جميلة تكثر فيها الأشجار والزهور والخضرة فاستحق هذا الاسم
بني مسجد الخضراء في منطقة جميلة تكثر فيها الأشجار والزهور والخضرة فاستحق هذا الاسم

تحتضن مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة واحدا من أقدم المساجد وأعرقها، يعود أصله إلى آلاف السنين، وتعرض عدة مرات للهدم من قبل الصليبيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي لطمس المعالم الإسلامية لهذه المدينة، لكنه بقي شاهدا على عروبة هذه الأرض المقدسة وإسلاميتها.

"مسجد الخضراء" الذي له من اسمه نصيب، يقع أعلى حارة الياسمينة بمدينة نابلس، وهو موقع أثري قديم تعود أصوله إلى العصر الحجري الحديث (4500- 9000 ق.م)، وفي العهد الروماني بني فيه معبد، ثم بني في العهد المملوكي مسجد على أنقاض كنيسة بيزنطية، وظل يرفع فيه الأذان إلى يومنا هذا ليبقى صامدا معاصرا عدة عهود.

ويقول مفيد صلاح، مدير مديرية آثار نابلس لـ"عربي21": "جامع الخضراء قديم ويعود إلى ما قبل الفترات الإسلامية، حيث يوجد بالقرب منه إلى الشمال الشرقي في الساحة التي تطل عليها المئذنة المنفصلة عنه بقايا شواهد أثرية تعود للفترة الرومانية والبيزنطية على الطراز البازيلكي، وفي بداية الفتح الإسلامي لمدينة نابلس كان المكان مهدماً وتم تشييد مسجد في هذا الموقع، وأنشئ هذا الجامع في عهد الخليفة المعتصم". 

وأضاف: "بني المسجد في منطقة جميلة تكثر فيها الأشجار والزهور والخضرة فاستحق هذا الاسم (جامع الخضراء)".

 

                             مفيد صلاح، مدير مديرية آثار نابلس

وأوضح أن المسجد أقيم على أنقاض كنيسة بيزنطية ومن ثم كانت تقوم في موقعه كنيسة صليبية خلال الاحتلال الصليبي لمدينة نابلس (1099- 1187م) لم يتبق منها سوى أجزاء وحجارة القسم السفلي من الجدار الشمالي الخارجي، حيث قام الأيوبيون بعد تحرير نابلس من الصليبيين بتحويله إلى مسجد.

وأشار إلى انه أعيد بناء المسجد في فترة المماليك كما يستدل عليها من النقش الكتابي الموجود أعلى المدخل الأوسط لبيت الصلاة وذلك في عهد السلطان المملوكي سيف الدين قلاون (678- 689هـ/ الموافق 1279- 1290م)،حيث يظهر بوضوح النمط المملوكي في العمارة وينحصر حاليا في بناء المئذنة المربعة للجامع والمداخل الثلاث لبيت الصلاة.

وأكد أن جزءا من الجامع تهدم إثر زلزال، ثم أعيد بناؤه في العهد العثماني، وفي عام 1975م تم ترميم الجامع من قبل أهل البر والتقوى.

وأشار إلى أن المسجد تعرض للهدم الجزئي في الاجتياح الإسرائيلي لمدينة نابلس عام 2002م خلال عملية السور الواقي، وتم إعادة ترميمه من جديد.


وقال صلاح: "جرى إعادة اعمار وتجديد لموقع المسجد على مدى الفترات التاريخية بدءا من إعادة اعماره زمن المماليك ومن ثم تجديده خلال الفترة العثمانية".

وأضاف: "في سنة 1789م تضرر أعلى المئذنة على اثر قيام ظاهر العمر بمهاجمة مدينة نابلس وتم تعميره وإصلاحه وتم وضع منبر خشبي له وإعادة بناء أعلى المئذنة ".

وفي سنة 1965م قام أحفاد متولي وقف الجامع ببناء دور سكنية شمالي الساحة وحول المئذنة والتي انفصلت بدورها في ترابطها عن بقية أقسام الجامع المعمارية.

في الاجتياح الإسرائيلي لمدينة نابلس في شهر نيسان/ إبريل من العام 2002م دمّرت الجرافات الإسرائيلية الجدار الغربي من هذا المسجد، إلا أنه أعيد بناؤه مرة أخرى وتعمير الجامع سنة 2004م وتم وضع بركة رخامية في ساحته المكشوفة.

وعن أهم الأسماء التي أطلقت على مسجد الخضراء، أكد صلاح أنه كان يطلق عليه اسم مسجد (حزن يعقوب)، مشيرا إلى أن الروايات تقول بأنه يوجد في الجزء الجنوبي الغربي من هذا الجامع غرفة أو خلوة يوجد أسفلها مغارة يقال إنها المكان الذي آوى إليه النبي الله يعقوب وحزن على ابنه يوسف عليهما السلام، ولم يتم تأكيد هذه الرواية.

وأوضح أن الإسم المتداول حاليا (جامع الخضراء) وتعود هذه التسمية نظرا لان المسجد بني  قديما في منطقة جميلة تكثر فيها الأشجار والزهور والخضرة فاستحق هذا الاسم (جامع الخضراء).

وأشار إلى أن الكثير من الرحالة الأجانب والمسلمين قاموا بزيارة هذا المسجد حيث وصفوه أنه ذو مساحة كبيرة جداً ومحاط بالبساتين والأشجار الكثيفة ولهذا سمي بـ "الخضراء" لاستمرار اخضرار المنطقة حوله.

ووصف الرحالة عبد الغني النابلسي، مسجد الخضراء الذي يعرف أيضًا بجامع الحزن بقوله: "جامعٌ قديم البنيان، متهدم الجوانب والأركان، فيه بركة ماء كبيرة، ذات الطول والعرض مربعة الجوانب، والأركان مساوية للأرض، والماء يجري فيها من أفواه سواقيها، وحولها الأشجار والبساتين والأزهار والرياحين، وقبل البركة مسجد للصلوات فيه محراب، وسقفه معقود من الأحجار، وفي الداخل مغارة، يقال إن النبيّ يعقوب كان مقيمًا فيها، وأن المسجد كله كان بيتًا له".

وورد ذكر اسم "مسجد الخضراء" أيضًا في كتابٍ للرحالة التركي "أوليا جلبي" الذي زار نابلس عام 1671م، وقال عنه إنه "بناية مربعة الشكل طول ضلعها 87 خطوة، وفيه صحنٌ وبركة ماء.

وفي سنة 1143هـ/1689م، زار الشيخ اللقيمي مسجد الخضراء وقال إنه "يوجد مكان فيه يقال له خلوة المحزون".

ومن جهته أكد محمد الكيلاني، مدير عام أوقاف نابلس على أن المساجد هي الشاهد الحقيقي على إسلامية وعروبة هذه الأرض، مفندا كل المزاعم الإسرائيلية حول أحقيتهم في هذه الأرض المقدسة.

 

 

                          محمد الكيلاني، مدير عام أوقاف نابلس


وقال الكيلاني لـ"عربي21": "المساجد وعلى رأسها المسجد الأقصى في القدس، والعمري والسيد هاشم في غزة، والحرم الإبراهيمي في الخليل والخضراء في نابلس، وغيرها من المساجد هي الشاهد الحقيقي أمام العالم وأمام المحتل على حقنا التاريخي في هذه الأرض لأنه يوجد فيها مساجد".

وأضاف: "فلسطين هي مهد كل الديانات، وحديث الإسرائيليين عن انه يوجد في فلسطين أماكن يهودية مقدسة مردود عليهم ولا ننكر ذلك؛ لكن الحق الحقيقي والأساس للمسلمين واكبر دليل وجود المجسد الأقصى المبارك لأنه ثاني المسجدين".

وتابع: "نحن نتحدث عن حق تاريخي وحق ديني المسجد الأقصى المبارك، ثاني معبد وضع على الأرض بعد البيت الحرام في مكة، والحق التاريخي تثبته المساجد على هذه الأرض".

وأوضح الكيلاني انه يوجد في مدينة نابلس العديد من المساجد التاريخية التي تثبت حق الفلسطينيين على هذه الأرض ومنها مسجد الخضراء.

وقال: "أحيانا كان يهدم وأحيانا كان يتم الاعتداء عليه وأحيانا يدعى أن المكان ليس مسجد لكن الحقيقة تثبت انه مسجد يصلى به وفيه مدرسة قرآنية وهو مركز تحفيظ قران، كل هذه المعاني الدينية تمارس في هذا المكان".

وأضاف: "رغم كل ذلك بقينا نصلي في هذا المسجد ومتمسكين في الصلاة فيه وبقيت الأوقاف هي المشرفة عليه وحتى هذه اللحظة والتاريخ لن يسمح في العبث في هذا المسجد في أي وقت".

من جانبه أكد الإعلامي والكاتب الصحفي سامر خويرة أن الاحتلال الإسرائيلي هو أكبر معيق لتحقيق الهوية والتراث الفلسطيني من خلال طمس المواقع الأثرية وهدمها وإقامة مستوطنات عليها واعتبارها مناطق عسكرية ومنع الوصول إليها وتعزيز السلوكيات الخاطئة لدى بعض منقبي الآثار الذين يحاولون سرقة تلك الآثار وبيعها للإسرائيليين.

 

                                سامر خويرة.. إعلامي فلسطيني

وشدد على أن للإعلام دور كبير في إبراز قضية الآثار والمواقع التاريخية خاصة وان هذا الموضوع لا يحظى بأي اهتمام إعلامي منذ سنوات طويلة وذلك بسبب الحالة التي يعيشها الفلسطينيين ووجود الاحتلال والتي يعتبرون قضية الآثار قضية ثانوية.

وقال خويرة حديثة لـ "عربي21":" إن وجود اهتمام إعلامي جيد بالمواقع الأثرية يعمل على حمايته من السرقة والمصادرة والانتهاكات التي يتعرض لها".

وأضاف: "أن الفهم والوعي العميق بأحقية هذه المواقع وبأصالتنا وعراقتنا يعمل على كشف لماذا يحاول الاحتلال الإسرائيلي على مصادرة هذه المواقع وسرقتها والتي ممكن أن تكون جزء من الدخل الاقتصادي من خلال المزارات والسياح والوافدين إليها وبالتالي إنعاش أصحاب الدخل المحدود". 

وتطرق الكاتب والصحفي إلى ابرز المشاكل التي تواجههم لإبراز قضية الآثار وتصديرها للرأي العام العالمي.

وشدد على أن أبرز هذه المشكلات تكمن في قلة عدد المتخصصين الثقات الذين لديهم القدرة على فهم التاريخ بشكل مناسب وتاريخ هذه المواقع وعدم ربطها بالرواية الإسرائيلية والقادرين على التحليل والربط الصحيح والمنطقي والعلمي والذين يمتلكون معلومات جيدة جدا عن تاريخ المواقع ومتى اكتشفت وأهميتها إضافة إلى الافتقار إلى جهات رسمية مختصة كوزارة السياحة والآثار التي لا تعمل ولا توضح ولا تبذل أي جهد في دعم الرواية الفلسطينية.

وأوضح أن العربدة الإسرائيلية على هذه المواقع شقين الأول منها السرقة والمصادرة والتي تعتبر من المشكلات العظمى فهناك الكثير من المواقع الأثرية التي وقعت تحت المنطقة C بحسب اتفاق أوسلو تحت إصرار إسرائيل والتي ما تزال تحت السيطرة الإسرائيلية والتي تمنع الفلسطينيين من التدخل فيها أو السيطرة عليها فتعمل على نبشها وتنظيفها في محاولة لتحويلها لمزارات إسرائيلية كجزء من تثبيت أحقيتها بالأرض.

وتابع: الشق الثاني من هذه العربدة التدخل والاعتداء على المواقع الأثرية في المناطق الفلسطينية مثل قبر النبي يوسف في نابلس وغيرها من المواقع التي تتعرض بشكل يومي لاعتداء قوات الاحتلال الإسرائيلي أو المستوطنين، فضلا عن تعرض عديد المواقع للنبش والسرقة من خلال لصوص الآثار الفلسطينيين وبيعها للاحتلال بحجة البحث عن الأموال لأجل العيش فتجدهم يخربون موقع اثري كامل ويبيعون القطع التي تعادل ملايين بقليل من المال للاحتلال الإسرائيلي. 

وبين الكاتب الصحفي أن مواجهة تلك الاعتداءات من الاحتلال أو من سارقي الآثار يلزمها تثقيف إعلامي صحيح مدروس ضمن دورات وورش عمل مناسبة وزيارات لهذه المواقع والتعريف بتاريخها وآثرها وإصدار نشرات وإعداد فيديوهات وإجراء مقابلات وتوعية دائمة مستمرة ليس فقط في يوم في السنة أو إذا تعرض لانتهاكات بل بشكل مستمر وعلى مدار العام.

ويرى خويرة أن وجود هذه الدراسات والأبحاث المدروسة والمصورة والخاضعة للتحكيم تساعد في التصدي للهجمة الإسرائيلية على تلك المواقع الأثرية مما يساعد على تصديرها للرأي العام العالمي في ظل ضعف الموقف العالمي من هذه القضية.

 

 

 


التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم