صحافة دولية

MEE: فضائح التجسس لا توقف شراكة الأمن بين إسرائيل وبريطانيا

جونسون بريطانيا إسرائيل - جيتي
جونسون بريطانيا إسرائيل - جيتي

انتقد موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، عدم فض الشراكة الأمنية بين لندن وتل أبيب رغم كل فضائح التجسس لبرامج إسرائيلية.

 

وعبر في التقرير الذي ترجمته "عربي21" عن استغرابه لبقاء بريطانيا شريكا من الدرجة الأولى لدى إسرائيل في ما يخص قطاع الاستخبارات والتكنولوجيا البريطانية.

 

وتاليا النص الكامل للتقرير كما ترجمته "عربي21":

 

 

 

يقول الخبراء إنه بالرغم من القلق بشأن الحقوق فإن قطاعات الاستخبارات والتكنولوجيا البريطانية لديها الكثير مما تحتاج لتعلمه من الخبرات الإسرائيلية

 

  
30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021
 
سوف تصبح إسرائيل رسميا شريكا لبريطانيا من الطبقة الأولى في المجال السيبراني بحسب ما صرح به كل من وزير خارجية إسرائيل يائير لابيد ووزيرة خارجية بريطانيا ليز تراس في مقال صحفي يوم الاثنين أعلنا فيه عن إبرام صفقة تجارية ودفاعية جديدة بين البلدين.
 
إلا أن الخبراء يقولون إن جهود الأمن السيبراني بين البلدين –وتتعلق بشكل أساسي بتبادل المعلومات الاستخباراتية والمعرفية– مستمرة بعمق منذ سنين. ولا أدل على ذلك من أن المسؤولين البريطانيين وصفوا إسرائيل في عام 2018 بأنها شريك من المرتبة الأولى في مجال الأمن السيبراني.
 
وحتى حينذاك، بحسب ما ورد في ورقة بحثية صادرة عن المركز البريطاني الإسرائيلي للاتصالات والبحث (بيكوم) – وهو جماعة ضغط سياسي، استفاد العديد من البنوك والمؤسسات المالية البريطانية من الحماية التي توفرها تقنيات وشركات الأمن السيبراني الإسرائيلية.
 
إذن ما الجديد في الأمر؟ أولاً، تأتي الصفقة في وقت فاق ما واجهته بريطانيا خلال الربع الأول من هذا العام عدد الهجمات ببرامج التجسس التي شنت عليها طوال عام 2020 مع العلم أن ذلك العام شهد هو الآخر ثلاثة أضعاف عدد الهجمات التي شنت في عام 2019، وذلك بحسب ما جاء في التقرير السنوي للمركز الوطني للأمن السيبراني.
 
يبدو أن إسرائيل تسعى لتزعم الجهود الدولية في هذا المجال منذ أن أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في شهر تموز/ يوليو أن البلد يعكف على تأسيس "درع عالمي للدفاع السيبراني" يتشكل من البلدان التي تعمل معاً في مجال الأمن السيبراني، وفاق عدد من انضم منها إلى هذا الدرع حتى الآن العشر.
 
إلا أن الاتفاق البريطاني الإسرائيلي تم إبرامه فقط بعد شهور قليلة من بروز مزاعم بأن أربعمائة شخص من مواطني بريطانيا أو من المقيم فيها قد استهدفوا من قبل برنامج التجسس بيغاسوس الذي تنتجه مجموعة إن إس أو التي تتخذ من إسرائيل مقراً لها، وكان من بين المستهدفين عضوان في مجلس اللوردات.
 
كانت تلك واحدة من ثلاث حالات برزت منذ شهر تموز/ يوليو حول مزاعم باستخدام برامج التجسس الإسرائيلية لاستهداف مواطنين بريطانيين أو كيانات بريطانية. ويقول خبراء الأمن السيبراني إن الحالتين الأخريين –بما في ذلك هجوم تعرض له موقع ميدل إيست آي الذي يتخذ من لندن مقراً له– استخدمت فيه أنظمة إما أنها صنعت من قبل كانديرو، وهي شركة إسرائيلية أخري، أو كانت لها علاقات قوية بها. في تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال أحد مدراء كانريرو إن منتجات الشركة يقصد منها محاربة الإرهاب والجريمة وليس اختراق مواقع الإنترنت.
 
وجاء الاتفاق بعد أسابيع من الكشف عن أن الجيش الإسرائيلي يتعقب الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة مستهدفاً إياهم بتقنيات التعرف على الوجه، وكذلك بعد الإعلان عن أن فلسطينيين يعملون في ست منظمات إغاثة منتقدة لإسرائيل تم استهدافهم من خلال برنامج التجسس بيغاسوس، ويعتقد أن الجهة التي تقف وراء ذلك الاستهداف هي الحكومة الإسرائيلية نفسها.
 
في تصريح لموقع "ميدل إيست آي"، قال وزير سابق إنه يرى أن التعاون في مجال الأمن السيبراني بين البلدين شيء مفيد، ولكنه يعترض على عدم اعتراف الحكومة البريطانية بسوء المعاملة وبالتنكيل ضد الفلسطينيين من قوات الدفاع الإسرائيلية والحكومة الإسرائيلية".
 
وقال: "هناك أخطار أمنية في المنطقة، ولذا فإن من الجيد أن يتم تبادل المعلومات حولها. فقط لا يعجبني أن فلسطين هي التي يتم تجاهلها رغم ما يتعرض له أهلها من معاناة. الأمور الأخرى كلها على ما يرام. إسرائيل بلد. ذلك جيد. كل ذلك جيد. ولكنني أعارض التطهير العرقي الذي يمارس بشكل أساسي ضد الفلسطينيين".
 
ويقول آخرون مثل كريس دويل، مدير مجلس التفاهم العربي البريطاني، إن الصفقة تثبت أن الحكومة البريطانية "باعت قضية حقوق الإنسان".
 
وقال دويل في مقابلة أجراها معه موقع "ميدل إيست آي" بعد الإعلان عن الصفقة: "أخذا بالاعتبار سجل إسرائيل فإن احتضان بريطانيا لقطاع التكنولوجيا العالية فيها يعتبر أمراً بالغ الخطورة."
 
وأضاف: "كيف يمكن الثقة بالسلطات الإسرائيلية وهي التي سمحت لإحدى شركاتها الرائدة، إن إس أو، ببيع برامج التجسس بيغاسوس إلى الأنظمة القمعية؟ نفس تلك البرامج استخدمت للتجسس على مواطنين بريطانيين وكذلك على مدافعين عن حقوق الإنسان."
 
وسأل موقع ميدل إيست آي، وزارة الخارجية عما إذا كانت بنود الاتفاقية تحظر استخدام برامج التجسس الإسرائيلية ضد أهداف داخل بريطانيا، ولكن لم يتلق الموقع إجابة عن السؤال من الوزارة.
 
"الصلصة السرية الكبرى"


لم يكشف سوى القليل جداً من المعلومات يوم الاثنين حول ما الذي تعنيه الاتفاقية الجديدة بشكل ملموس بالنسبة لنشاطات الأمن السيبراني بين إسرائيل وبريطانيا، وهذا لم يكن مفاجئاً إذا ما أخذنا بالاعتبار أن ما تم التوقيع عليه كان إطاراً من أجل التعاون المستقبلي.
 
تاريخياً، كما قال الصحفي الإسرائيلي يوسي ميلمان في تصريح لموقع ميدل إيست آي، لطالما احتلت بريطانيا موقع الصدارة على جبهة التطوير التكنولوجي في المجالين العسكري والاستخباراتي، ولديها أصلاً برامج متطورة في قطاع الأمن السيبراني.
 
ولكن إسرائيل، كما قال، ستساهم بمزيد من الخبرة في مجال الهجمات السيبرانية المعادية التي تستخدم، على سبيل المثال، في حربها السيبرانية مع إيران. وقال ميلمان: "سوف ترغب بريطانيا كجزء من إعداد نفسها للصراع المستقبلي الاستفادة مما تراكم لدى الإسرائيليين من معارف وتجارب."
 
وردت بعض التلميحات حول اتجاه المسار في الخطاب الذي ألقته في شهر تموز/ يوليو ليندي كاميرون، المسؤولة العليا في الأمن السيبراني في بريطانيا، التي كانت تتحدث أمام جمع من المشاركين في الأسبوع السيبراني في جامعة تل أبيب.
 
قالت كاميرون: "تتأسس علاقة الأمن السيبراني بين بريطانيا وإسرائيل على الروابط القائمة منذ زمن طويل بين أطراف تحالف الأمن القومي المستمر. إن التعاون التشغيلي بين وكالاتنا – وكذلك الوكالات الأخرى الكثيرة الممثلة في هذا المؤتمر – قوية ومتطورة. وهي تركز على تبادل التقارير حول الأخطار والتحاليل الخاصة بالتوجهات، وهو الأمر الذي يسرني أن أقول إنه مستمر بنجاح رغم التحديات."
 
وأكدت كاميرون تحديداً على أن إسرائيل تمكنت من خلال العديد من السبل من الاستفادة من تداخل مؤسساتها العسكرية والاستخباراتية مع مؤسسات القطاع الخاص لتطوير قدراتها السيبرانية.
 
وقالت كاميرون إن حقل الإبداع السيبراني في إسرائيل والموجود في منطقة بئر السبع – والذي يعرف باسم الشرارة السيبرانية – يعتبر واحداً من أهم مصادر الإلهام للمركز السيبراني، تلك المدينة التجارية التي تبلغ مساحتها ميلاً مربعاً تقريباً وتحتوي على الشركات ذات العلاقة بالقطاع السيبراني، والتي يجري الآن بناؤها في ضواحي شيلتنهام في مقاطعة غلوسترشاير، حيث توجد المقرات الرئيسية لمركز الاتصالات الحكومي، وهو مركز الاستخبارات والأمن في بريطانيا.
 
وقالت كاميرون إن المركز السيبراني هذا سيكون بمثابة خلية نحل للتعاون بين العاملين في هذا القطاع، وسيتراوح المتواجدون فيه ما بين عمالقة التكنولوجيا إلى مؤسسات المشاريع المبتدئة بالإضافة إلى الوسطين الأكاديمي والحكومي. كما أنه سيكون مقراً لمنطقة الوادي الذهبي التي يجري تطويرها حالياً ويقول القائمون على إنشائها إنها ستوفر ما يقرب من اثني عشر وظيفة في منطقة غلوسترشاير.
 
وقالت أيضاً إن بريطانيا استلهمت من تجربة تالبيوت، وهو برنامج تدريب عسكري إسرائيلي نخبوي عمره تقريباً تسعة أعوام في مجال التكنولوجيا التي أفرزت أيضاً الكثير من المشاريع التقنية التجارية والمؤسسات الإبداعية في البلاد.
 
من الواضح أن إقامة التآزر ما بين الاستخبارات وقطاع التكنولوجيا من الحقول التي تهم بريطانيا، ولا أدل على ذلك مما ذكره رئيس وكالة المخابرات البريطانية إم آي 6، ريتشارد مور، في أول خطاب عام له يوم الثلاثاء من أن أجهزة المخابرات لا يمكنها أن تعمل وحدها، إذا ما أخذنا بالاعتبار السرعة التي تتطور بها التكنولوجيا.
 
وقال مور: "لسنا في فيلم جيمز بوند حتى نتمكن من عمل كل شيء بمفردنا. وخاصة أن أعداءنا يغدقون المال والطموح في سبيل الوصول إلى مستويات من التفوق في مجالات الذكاء الصناعي والحوسبة الكمية والبيولوجيا الصناعية، لإدراكهم بأن التفوق في هذه التقنيات سوف يمنحهم ذراعاً من القوة والنفوذ. وتحتاج وكالة المخابرات لأن تكون في طليعة كل ما هو ممكن من الناحية التكنولوجية."
 
صدرت تصريحات مشابهة عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيت، والذي كان من مغاوير النخبة سابقاً ثم تحول إلى رجل أعمال في المجال التكنولوجي. فقد وصف بينيت هذا التآزر الذي باتت تشتهر به بلاده بأنه "الصلصة السرية الكبرى في إسرائيل".
 
وقال مخاطباً المشاركين في نفس المؤتمر السيبراني الذي نظم في جامعة تل أبيب في شهر تموز/ يوليو: "أكبر شيء أنجزناه هو أننا أقمنا صناعة – أو سمحنا للصناعة بأن تزدهر. لا يمكن لبلد وحده أو حكومة وحدها أو حتى تشكيلة من الحكومات أن تحل هذه المشكلة. نحتاج إلى المهارات العالية التي تتمتع بها شركات القطاع الخاص في هذا المجال".
 
الضوابط والموازين


بالطبع كانت الشركات الإسرائيلية الخاصة التي تعمل في تطوير برامج التجسس هي التي احتلت العناوين الرئيسية في وسائل الإعلام لما ذكر عن دورها في تمكين الحكومات القمعية من استهداف وتعقب ومراقبة المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين والصحفيين وحتى رؤساء الدول الأخرى. إذن، أفلا يجدر ببريطانيا أن يساورها القلق من المضي قدماً في هذا الطريق؟
 
تقول إيميلي تيلور، المدير التنفيذي لمختبرات أكسفورد المعلوماتية والزميلة المشاركة في برنامج الأمن الدولي التابع لمعهد شاتام هاوس إن النشاطات في هذا المجال كثيراً ما تصاحبها مخاطر ضمنية على تنال من حقوق الإنسان، ولذلك فإن الضوابط والموازين مطلوبة – وكذلك الآليات التي من شأنها ضمان احترام هذه الحقوق.  
 
ومضت تقول: "أعتقد أن بريطانيا تكن احتراماً كبيراً لأجهزة مخابراتها. ولكن جزءاً أساسياً من عملية الحفاظ على الثقة هو أيضاً ضمان ألا يكون هناك الكثير من السلوك المراعي من قبل، لنقل، اللجان البرلمانية أو آليات الرقابة التي من المفروض أن تشرف على عملها".
 
مقارنة بما أقدمت عليه حكومة الولايات المتحدة من وضع مجموعة إن إس أو وشركة كانديرو على القائمة السوداء، التزمت الحكومة البريطانية الصمت إزاء المزاعم بأن أربعمائة مواطن بريطاني تم استهدافهم بواسطة برنامج التجسس بيغاسوس.
 
فبعد أن نشرت التقارير التي تحدثت عن بيغاسوس، خاطب وزير في الحكومة البريطانية أعضاء في مجلس اللوردات قائلاً إن الحكومة أعربت لإسرائيل "مراراً وتكراراً" عن قلقها من العمليات التي تقوم بها مجموعة إن إس أو، ولكن الوزير امتنع عن الإجابة على أسئلة حول ما الذي دفع الحكومة إلى التقدم بتلك الشكاوى ابتداءً أو متى تحديداً تم التقدم بها.
 
وكان مصدر مقرب من مجموعة إن إس أو، قد صرح لصحيفة الغارديان في شهر تشرين الأول/ أكتوبر بأن بيغاسوس لم يعد بإمكانه استهداف مواطنين بريطانيين، وزعم أن هذا التغيير طبق في عام 2020 بعد أن أدركت المجموعة أن برنامج التجسس استخدم لاختراق الهواتف الجوالة للأميرة هيا ولمحاميتها فيونا شاكلتون، والتي هي نفسها عضو في مجلس اللوردات.
 
إلا أن الأسئلة لا تزال مطروحة، الأمر الذي حفز منظمة العفو الدولية، والتي هي واحدة من الشركاء في مشروع أوراق بيغاسوس، على حث لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني الشهر الماضي على إجراء تحقيق عاجل في المزاعم، قائلة إن ما تم في هذا المجال حتى الآن ليس بكاف على الإطلاق.
 
وتوجه موقع ميدل إيست آي، بالسؤال التالي إلى إيميلي تيلور: إذا ما أخذنا بالاعتبار العلاقات القائمة بين بريطانيا وإسرائيل في مجال الأمن السيبراني، فهل من الممكن أن تكون الحكومة البريطانية قد ارتأت أن من الأفضل التعامل مع المزاعم المتعلقة ببرنامج التجسس بيغاسوس فيما وراء الكواليس بعيداً عن الأنظار؟
 
قال تيلور إن ذلك محتمل، ولكنها قالت أيضاً إن من الأهمية بمكان ألا يكتفى بالتعامل مع مزاعم الاستهداف ببرامج التجسس بيغاسوس بشكل عابر.
 
وأضافت: "يتعلق الأمر بالسعي إلى تطوير القدرة على تطبيق الضوابط والموازين السليمة، والقدرة على التقييم بعد وقوع الحدث كيف تم استخدام أدوات معينة من قبل مختلف الشركاء."
 
ومضت تقول: "يجب علينا محاولة تحدي أنفسنا لكي نخرج من أسر التفكير المزدوج مثل اعتبار هذا البلد خبيثاً وذلك البلد طيباً... أو القول هذا شيء طيب، ولذلك لا يمكن أن يكون سيئاً على كل حال. كل شيء له نواقصه وكل ما فيه لديه إخفاقاته التي تحتاج للتعامل معها بأمانة ونزاهة".

 
التعليقات (0)