ملفات وتقارير

معهد أمريكي: هذه مخاطر تدخل حزب الله بشؤون لبنان على شعبيته

وليامز: استطاع حزب الله استخدام وضعه الهجين للحفاظ على وضع مستقل، خاليا من المحاسبة أو حتى النظر لأفعاله- الأناضول
وليامز: استطاع حزب الله استخدام وضعه الهجين للحفاظ على وضع مستقل، خاليا من المحاسبة أو حتى النظر لأفعاله- الأناضول
نشر موقع معهد "بروكينغز" مقالا لنائبة المبعوث الدولي السابق للأمم المتحدة في ليبيا، الزميلة غير المقيمة حاليا بمعهد الشرق الأوسط ستيفاني تي ويليامز، تساءلت فيه إن كان حزب الله يبالغ بممارسة تأثيره في لبنان.

وقالت إن دور حزب الله كوكيل عن إيران، ومساعداتها المهمة لحلفائها في سوريا واليمن والعراق، كانت دائما منطقة تركيز مبررة لصناع السياسة في الكثير من العواصم، مع أن دور منظمة حزب الله المتزايد في داخل لبنان يستحق النظر وبشكل متساو.

وفي الوقت الذي عادة ما يوصف به حزب الله بأنه "دولة داخل دولة"، فمن الدقة بمكان وصف الأمر الآن بأنه "دولة داخل لا دولة"، وذلك في ضوء عجز الحكومة اللبنانية عن توفير حتى الخدمات الأساسية التي يحتاجها السكان بشكل ملح، وغرقوا في أسوأ أزمة اقتصادية تمر على لبنان منذ أكثر من قرن.

وتضيف أن حزب الله كان في الماضي قادرا على تمييز نفسه عن الدوائر الحاكمة في لبنان، واستثمار وضع "اللا دولة"، ودوره في "مقاومة" إسرائيل. لكن الحزب، وفي السنوات الأخيرة، بات متورطا أكثر مع طبقة جماعات المصالح السياسية في البلد والمدافعين عن الوضع الراهن، وهو ارتباط أدى لتنفير الكثير من المواطنين منه.

ويشكل هذا التحول في حزب الله مخاطر على المنظمة، وفرص دعم الجهود الرامية لتقوية بناء المؤسسات، والعودة إلى الدولة، وضخ السياسة اللبنانية بتكنوقراط مستقلين عبر الانتخابات الوطنية، المزمع عقدها في ربيع العام المقبل.

وتعلق الكاتبة بأن استثمار إيران أثبت نجاعة ولعدة سنوات، بعدما أشرفت طهران وبدعم من دمشق على إنشاء المنظمة عام 1982. وتم استثناؤها من اتفاق الطائف عام 1989، الذي أجبر المليشيات الطائفية اللبنانية الأخرى على نزع سلاحها، وعليه فقد انتفع وبشكل كبير من وضعية "آخر الرجال الصامدين".

وخدم حزب الله هدفا مفيدا كرأس حربة إيرانية في المشرق ضد إسرائيل، وحقق أهم إنجازاته، وهو انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000، والذي حظي الحزب وحده بالثناء عليه. ووقف المواطنون اللبنانيون وفي العالم العربي مع الحزب أثناء الحرب المدمرة مع إسرائيل عام 2006. ومنذ ذلك الوقت، عاش الجنوب هدوء نسبيا بهدنة غير مريحة وغير رسمية بين إسرائيل وحزب الله.

ودخل الحزب السياسة في مرحلة ما بعد الطائف، حيث انتخب 8 نواب عنه في 1992، وتبع ذلك تعيين وزراء في الحكومة اللبنانية، حيث كان للحزب وزيران، بدءا من شباط/ فبراير 2005، أي بعد اغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء الأسبق، في ذلك العام.

وبعد 15 عاما على حرب تموز/ يوليو 2006، عزز الحزب تأثيره على السياسة اللبنانية، مع أن دولا صنفته كمنظمة إرهابية مثل بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة وإسرائيل والجامعة العربية. لكن الكثير ممن روعهم الحزب كانوا من المواطنين اللبنانيين. وتم توجيه اتهامات لكوادر فيه بالتورط في مقتل الحريري، لكنه تجنب المحاسبة في الجريمة الكبيرة التي يشك بلعبه دورا فيها.

وتعلق ويليامز على أن زيادة تدخل حزب الله في الشؤون اللبنانية الداخلية حدثت في فترة انفجرت فيها الدولة اللبنانية، حيث بدأ المنتفعون من اتفاق الطائف أو شركة الخمسة "زعماء" الطوائف في لبنان، بمن فيهم حزب الله، بتقاسم الغنائم فيما بينهم، واستمروا في الحكم. وأقام حزب الله تحالفات تكتيكية مع هؤلاء القادة، بمن فيهم الرئيس ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري. وكافحت الحكومة لتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، بما في ذلك الكهرباء، وتراجع سعر العملة اللبنانية، ما زاد من فقر المواطنين. كل هذا دفع اللبنانيين، وبخاصة المسيحيين، لمغادرة البلد؛ بحثا عن حياة أفضل.

وبالمقارنة، يمتلك حزب الله جيشه الخاص، ومدارسه ومستشفياته الخاصة، وأنشأ منظمات خيرية، بل ونسخته الخاصة من الكشافة. وفي الأماكن التي يسيطر فيها أتباعه على وزارات الخدمات، حيث يأخذون الأجر من الدولة، ويستخدمون المنافذ للمؤسسات الرسمية، والتأكد من وجود غطاء لشبكاته الإجرامية، مثل تبييض الأموال وجمع الأموال من الجالية الشيعية في الشتات.

واستطاع حزب الله استخدام وضعه الهجين للحفاظ على وضع مستقل، خاليا من المحاسبة أو حتى النظر لأفعاله، وفي الوقت ذاته ممارسة الفيتو على أي شيء تفعله الحكومة اللبنانية.

والمفارقة هنا هو أن التدخل المفرط لحزب الله في السياسة اللبنانية، وتحول وضعه كخارج عن النظام (وما يفترض أنه يحمل عقلية إصلاحية) لمدافع عن الساسة اللبنانيين الفاسدين، قد يمثل الخطر الأكبر على المنظمة. وفي الوقت الذي لم يحظ فيه قراره من طرف واحد إرسال مقاتليه إلى سوريا للدفاع عن نظام بشار الأسد بتقدير القطاع الأوسع من اللبنانيين، إلا أن رده على التظاهرات التي شاركت فيها كل الطوائف في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، هي التي أثرت كثيرا على موقعه في داخل لبنان.

وتراجعت شعبيته عندما وضع الحزب خطوطا حمراء، وتدخل بالإنابة عن طبقة أصحاب المصالح في البلد. وتعرضت شعبيته لضربة أخرى بانفجار مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس 2020، فالجميع كان يعرف بسيطرة الحزب على المرفأ والحدود مع سوريا.

ووضع الحزب اليوم نفسه في مقدمة المعارضة للتحقيق بانفجار المرفأ، بشكل زاد من الانقسامات داخل البلد، هذا إن أخذنا بعين الاعتبار المطالب الشعبية بالمحاسبة وتحقيق العدالة للضحايا.

وما هو واضح أن اللبنانيين أنفسهم يدفعون الثمن الباهظ للخلل الوظيفي للسياسة في بلدهم. وأحدث الغضب الحالي من السعودية وعدد من دول مجلس التعاون الخليجي (الإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت)، واستدعاء السفراء، والطلب من مواطني هذه البلدان مغادرة لبنان، وإغلاق مكاتب التأشيرات في هذه السفارات، ومنع استيراد البضائع اللبنانية، ضررا كبيرا على المواطنين العاديين، لكنها قوت يد حزب الله والمتحالفين معه.

وكان هذا الخلاف الهامشي آخر مثال عن استخدام لبنان كمسرح لتصفية الحسابات بين السعودية وإيران. وحدثت نسخة سابقة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، عندما اعتقلت الرياض رئيس الوزراء في حينه سعد الحريري، وأجبرته على الاستقالة.

وغادر مبعوث الجامعة العربية، الذي زار لبنان قبل عدة أسابيع، خاوي الوفاض، عندما صوت حزب الله ضد حل يقضي باستقالة وزير الإعلام جورج قرداحي، الذي كان سببا في إغضاب السعوديين، أولياء نعمته السابقين، بتصريحاته التي انتقد فيها حرب اليمن.

ومن هنا يبدو أن رأب الخلاف الحالي سيكون أصعب في وقت تتخلى فيه دول الخليج، على ما يبدو، عن لبنان، بعد سنوات من دعم حلفائها في بيروت، وبخاصة القادة السنة البارزين في مواجهة الهيمنة الإيرانية في البلد.

ومع التحضير لانتخابات العام المقبل، يأمل الواحد أن تظهر نخبة جديدة مستقلة تتجاوز البعد الطائفي، كتلك التي خرجت في احتجاجات تشرين الأول/ أكتوبر، وتستطيع تغيير ميزان القوة في البرلمان.

ولن يخسر حزب الله قاعدة دعمه الشيعية التقليدية، وفي ضوء الدور الذي لعبه حزب الله كحام لهذه الطائفة التي كانت مهمشة يوما. ولكن التجارب الأخيرة، كما في العراق، كشفت عن شكوى متزايدة من الاعتماد المفرط على إيران، وعلى حساب المجتمع الشيعي عربي الجذور.

وتعتقد ويليامز أن الطريقة التي سيتعامل فيها المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة وفرنسا، مع لبنان، وبتركيز على احتواء التفكك الذي يشهده البلد، وإرضاء تطلع اللبنانيين الذين يحنون لعودة مؤسسات الدولة، ستكون مهمة. ويجب تقديم الدعم المادي والعسكري للجيش اللبناني؛ لأنه يعد صخرة استقرار البلد. وهناك حاجة ملحة لدعم القضاء اللبناني المستقل، وتوفير الحماية للقضاة أنفسهم. وهذا مهم في ظل تعرض القاضي طارق بيطار، الذي يحقق في انفجار المرفأ، لمعارضة وهجمات، ودعوات تطالب بتنحيه.

كما ويجب دعم حكومة نجيب ميقاتي في تشكيل النظام المصرفي؛ لكي يكون قادرا على التعامل مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ومنع فشل لبنان الكامل.

وعلى الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى دعوة دول مجلس التعاون الخليجي بعدم معاقبة المواطن اللبناني العادي وأخذه بجريرة حزب الله. ويجب عليهم أن يدعموا خطوات التقارب في المنطقة بين إيران ودول الخليج، والزيارة المتوقعة لمستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد لطهران، التي تهدف لخفض التوتر، وبالتأكيد سيكون ملف حزب الله عنصرا مهما في المشاورات.

كما يحمل دعم الولايات المتحدة للمفاوضات بين لبنان وإسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية ونقل الغاز المصري إلى لبنان وعودا. وأخيرا على المجتمع الدولي أن يدعم انتخابات برلمانية حرة ونزيهة الربيع المقبل وانتخابات رئاسية في خريف 2022، ورفض أي محاولات لتأجيلها.
التعليقات (1)
سيف الشبيلي
الإثنين، 22-11-2021 09:55 ص
إنه النفاق الأمريكي والبلطجة السياسية. حزب الله في لبنان هو حزب شرعي لديه جمهوره وأعضائه المنتخبين ديموقراطياً في البرلمان اللبناني. تأييده لسياسة إيران شرعي كما هو تأييد العديد من الأحزاب البرلمانية في بريطانيا وكندا وأستراليا وغيرها لسياسة الولايات المتحدة الأميريكية والدفاع عنها بحماسة بالغة والتحالف معها وخوض الحروب إلى جانبها، فلماذا لا تهاجم هذه الأحزاب وتطلق هذه الإدعاءات عليها؟ أنا كعربي سني (وأقول ذلك لمحاولات إلصاق التهم بأخوتنا الشيعة)، أفتخر أن أؤيد وأدعم النظام الإيراني أكثر مما أؤيد وأدعم أنظمة العمالة والخيانة من آل سعود وأل زايد ومن جر جرهم الذين يتعاملون ويطبعون مع عدو العرب والمسلمين ويوظفون أموالهم وثروات شعوبهم في خدمة مصالحه في العالم العربي.