قضايا وآراء

هل يطمع أحد بتحصيل فوائد اقتصادية من سوريا؟

غازي دحمان
1300x600
1300x600
يروج أركان نظام الأسد أن المرحلة القادمة ستكون زاهية إلى أبعد الحدود، ذلك أن العرب سيتسابقون، دولاً وقطاعات خاصة، على الفرص الاقتصادية الدسمة التي ستمنحها سوريا لهم، والتي ستكون عوائدها بمثابة إنقاذ للاقتصاد الإقليمي المتراجع، وربما الاقتصاد العالمي برمته.

وبالطبع، إذا كان مسؤولو النظام مقتنعين بهذا الكلام، فإن البلاد باتت شبه ورشة لتجهيز استقبال الاستثمارات، حيث تنشغل المؤسسات كبيرها وصغيرها في رسم خرائط مواقع الاستثمار التي سيتم طرحها وإعداد القوانين المساعدة في تسيير هذه العملية وتجهيز حواملها؛ من ترتيبات لوجستية إلى تهيئة بيئة أمنية مناسبة وسواها من لزوميات تشجيع الاستثمار.

ما هي درجة منطقية هذا الكلام؟ وما هي أوراق القوّة التي تملكها سوريا في المجال الاقتصادي؟ وهل ما يجري طرحه ليس سوى أساطير الهدف منها إيهام الداخل والخارج بتغيّر الأوضاع؟ أم أن المسؤولين السوريين بالفعل ضحايا أوهام صنعتها حالة العجز والإحباط وهم يرون البلاد، على امتداد الأفق، مجرد خرائب تسند بعضها؟!

يخبرنا وزير اقتصاد النظام، محمد سامر خليل، بسر يفك هذا اللغز المحيط بهذه العملية، ويقول: "إن البلاد تنام اليوم على كنز ضخم من الفرص الاستثمارية في مختلف القطاعات"، ودون أن نكلف أنفسنا عناء البحث عن مواطن هذا الكنز. سنكتشف سريعاً أنه يقصد سلسلة الخراب الممتدة في أركان سوريا، وكأن الوزير يطرح نظرية اقتصادية جديدة في التنمية والتطور؛ مفادها دمّر بلدك، وهجّر الكفاءات والأيدي العاملة، وامنح أصولك الاقتصادية للمافيات التي جاءت لحمايتك، ثم اضرب واطرح وقسّم كل ذلك، وسيكون الناتج عبارة عن كنوز ضخمة من الفرص الاقتصادية!

لا يكتفي الوزير بهذا السر، بل يدعمه بمعلومة مهمة جداً، وهي أن الاقتصاد السوري جاذب للاستثمارات لأنه اقتصاد متنوع تمكّن من مواجهة جميع أشكال الضغوط وأدوات الحرب التي استُخدمت لدفعه نحو الانهيار خلال فترة تزيد عن عشر سنوات!

السؤال الطبيعي: هل الاقتصاد السوري غير منهار فعلاً؟ الاقتصاد الذي لم يستطع إلباس وإطعام السكان وتأمين أبسط الضروريات؛ هل هو اقتصاد معافى؟ وسوريا التي هجرتها رؤوس الأموال الوطنية، حيث توطّنت كبرى العلامات التجارية وشركات صناعة الأغذية والملابس في مصر والسودان والأردن وتركيا والإمارات، كيف ستكون جاذبة للاستثمارات الخارجية؟

لكن السؤال الأهم من ذلك هو أين مؤشرات القوة في الاقتصاد السوري؟ بل ما هو نمط ونوع الاقتصاد القائم في سوريا الآن ومنذ عدة سنوات؟ ليس سراً أن ما هو موجود في سوريا اليوم هو اقتصاد أسود يديره أمراء حرب ومافيات يتبعون غالبيتهم لرأس واحد هو بشار الأسد، ولهم شبكة علاقات إقليمية ودولية ذات طبيعة مافيوية، ويقوم على التهريب وتجارة المخدرات التي وصلت أرباحها إلى أكثر من ثلاثة مليارات دولار، حسب تقارير دولية.

ويستند هذا الاقتصاد على التحويلات المالية التي يرسلها اللاجئون إلى ذويهم، والتي تدر حوالي ثلاثة مليارات دولار سنويا على خزينة نظام الأسد، تضاف لذلك الفديات التي يتم تحصيلها من أهالي المعتقلين والتي بلغت في السنوات السابقة حوالي 900 مليون دولار، حسب جهات سورية مختصة، وحوالي 100 مليون دولار تم تحصيلها كفارق في التصريف من منظمات الأمم المتحدة في سوريا، وعشرات الملايين من استصدار جوازات سفر للسوريين في الخارج.. هذه هي بنود عناصر الاقتصاد المتنوع حسب وصف وزير النظام.

على ذلك، يبدو من الصعب تغيير معطيات هذا الاقتصاد وتحويله إلى اقتصاد قانوني وطبيعي. ففي السنوات العشر السابقة كان الاقتصاد السوري معزولا عن الديناميكيات الاقتصادية العالمية، وفي هذه السنوات حصلت متغيرات كثيرة لا يمكن اللحاق بها بسهولة. وفي الأغلب أن الشركات التي ستستثمر في سوريا ستعمد إلى: إما الانخراط في هذه النشاطات المتوفرة، أو في عمليات تبييض الأموال، وفي أحسن الأحوال الاستثمار في قطاع العقارات عبر بناء جزر في مناطق معينة، خارج المناطق المدمّرة، وتحويلها إلى جنّة للمافيات وللدعارة الإقليمية.

لا يمكن اعتبار الحرب وخسائرها الإطار التحليلي الوحيد لأزمة الاقتصاد السوري، فهذه أزمة بنيوية ناتجة عن سياسات خرقاء على مدار سنوات طويلة، سياسات انتهازية قصيرة المدى، أضف إلى ذلك الفساد الذي يطوي أيضا البيروقراطية المتخلفة.

عملياً، أغلب المشاريع التي تحتاجها سوريا هي مشاريع بنية تحتية، وهذه أرباحها متدنية وغالبا لا يقدم عليها القطاع الخاص، وبات هذا النوع من الأعمال مقتصراً على الشركات الصينية، التي لها شروط لا تملكها السوق السورية في الوقت الحاضر، والتي تقوم على رهن بعض الأصول الاقتصادية لضمان سداد قيمة الاستثمار، مثل الموانئ وآبار النفط أو مناجم الفوسفات، وهذه كلها أصبحت مملوكة بالتقاسم بين روسيا وإيران.

غالبية الأطراف التي تغازل نظام الأسد، تطمح لتشغيل شركاتها وعمالها وموانئها وأساطيل نقلها، لكن من أين سيأتي التمويل لكل ذلك؟

ليس أكثر وهماً من نظام الأسد سوى أولئك الذين يبحثون عن فرص استفادة من عملية إعمار لا يوجد في الأفق من يتقدم لتمويلها، والذين ينطبق عليهم المثل القائل: "الأوهام لا تقلي بيضاً".

twitter.com/ghazidahman1
التعليقات (1)
أبو العبد الحلبي
السبت، 13-11-2021 02:12 م
جواب سؤال "هل يطمع أحد بتحصيل فوائد اقتصادية من سوريا ؟" المباشر : كثيرون إن كانت لا تزال هنالك فوائد اقتصادية . حقيقة الأمر أن دون ذلك خرط القتاد " و هو مثلٌ يُقالُ في الشَّيءِ البعيدِ المستحيلِ " . كان (و هذا في الماضي بالطبع) اقتصاد في سوريا في مجالات الصناعة و الزراعة و التجارة و السياحة و مصادر الطاقة و الثروة المعدنية و أبرزها الفوسفات ... لكن هذه إما جرت السيطرة عليها أو تبددت أو ضاعت منذ ما يزيد عن نصف قرن و حتى يومنا هذا . فضلاً عن القول المشهور "الطمع ضرَ و ما نفع" هنالك قولان جديران بالتفكر و هما " قطعت المطامع أعناق الرجال" و " الكذاب خرَب بيت الطماع ". قد يقال لثري أنه بعد دمار ما يقارب من 80 % من الأبنية في بلدات سوريا ، فإن الاستثمار في قطاع الإنشاءات سيكون مجزياً لكن أين ستتم هذه الإنشاءات أي في نفس أماكن الأبنية المدمرة أم في أماكن أخرى ؟ يمكن أن يؤدي الاختيار الخطأ إلى خسارة فادحة أي فائدة صفرية أو ربما يتحول المستثمر إلى مدين . لإنشاء بناية في غالبية بلدان العالم ، يحتاج المرء فقط إلى رخصة من البلدية أو مجلس مقارب من حيث التسمية . في سوريا ، يجب أن تتم موافقات من عدة أجهزة "أمنية" و كل جهاز منها يشترط مبلغاً من المال ل "تسهيل" المعاملة بل ربما يكون ضابطاً في أحد الأجهزة يريد من المستثمر نصف المربح المتوقع و بعكس ذلك إما أن توضع المعاملة على الرف أو يجري تمزيقها و رميها في سلة المهملات . ثم لو فرضنا أن مستثمراً عاند و مضى في البناء ليضعهم تحت الأمر الواقع ، فهنا سيوضع هذا الشخص بين خيارين : إما دفع غرامة باهظة أو هدم البناء على نفقة المستثمر . على فرض أن شخصاً أراد الاستثمار في قطاع جديد على سوريا ، مثل تصنيع هواتف محمولة ، فعليه أن لا يفاجأ إذا ما طلب منه صاحب منصب أو ضابط أو من طائفة معينة أن يكون شريكاً له بنسبة 40 – 50 % من دون أن يدفع الشريك دولاراً واحداً في تكلفة المصنع . باختصار ، لا توجد في سوريا – و غيرها من بلدان أعرابستان – بيئة صالحة للاستثمار إلا لمن كان طماعاً و غبياً في نفس الوقت حيث بالتأكيد لا يوجد فيها مطمع لعاقل و لكن فيها خراب و فساد مستشري . قاتل الله من قام بتخريب سوريا وإفسادها كائناً من كان .