سياسة عربية

اتحاد الشغل يهاجم الرئيس التونسي و"الحوار" الذي أعلنه

تراجع اتحاد الشغل عن مواقفه الداعمة لسعيد وأعلن رفضه للحوار الوطني- جيتي
تراجع اتحاد الشغل عن مواقفه الداعمة لسعيد وأعلن رفضه للحوار الوطني- جيتي

هاجم الاتحاد العام التونسي للشغل، السبت، "الحوار الوطني" الذي سيطلقه الرئيس قيس سعيد، مؤكدا أنه قد يشارك فيه ولكن ليس عبر اللجان الشعبية.


جاء ذلك في كلمة لأمينه العام نور الدين الطبوبي، خلال افتتاح المؤتمر العادي للاتحاد (أكبر منظمة نقابية في البلاد) بمحافظة بن عروس جنوبي العاصمة تونس.


وقال الطبوبي، إنه "لا مفر من الحوار لتأمين المسار الانتقالي، وأنه لا حوار دون مشاركة الاتحاد".


وأضاف أن "الحوار من ثوابت الاتحاد وتقاليده، والاتحاد منحاز للحوار بشرط وضوح الأهداف والآليات المرتقب اعتمادها ضمن مقاربة توافقية وتشاركية".


وتابع بأن "الحوار الوطني مع الشباب على غاية من الأهمية كآلية لرصد انتظارات هذه الشريحة وأحلامها المؤجلة، على ألا تُستثنى فئات من المجتمع من هذا الحوار وأن يكون الاتحاد شريكا فاعلا فيه".


وتابع: "يجب أن لا يحيلنا الحوار إلى بعض التجارب على غرار اللجان الشعبية (تجربة اشتراكية كان معمول بها في ليبيا سابقا)، وأنه لا مفر من الحوار لتأمين المسار الانتقالي وتشريك جميع الأطراف فيه".


ولفت إلى أنه "ليس في مواجهة مع رئيس البلاد"، لكنه يختلف معه في "بعض التوجهات والأفكار".


ودعا الطبوبي، الرئيس التّونسي إلى "إعلان اختياراته ومضامين برامجه"، مشيرا إلى أن "الاتحاد سيقرر بعد النقاش دعمها من عدمه لأن الاتحاد هو قوة اقتراح ومستقبل تونس الذي لا يمكن تحديده دون مشاركته".
  

وأكد الطبوبي أن المنظمة ترفض المشاركة في حوار يتم عبر اللجان الشعبية، مؤكدا أن النقابة ستدافع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والخيارات الوطنية.

 

 

 

 

وأضاف الطبوبي أنه لا يمكن لأحد أن يرسم مستقبل تونس خارج إطار الاتحاد، في إشارة إلى اختلاف الموقف مع قيس سعيد.

 

ولكن الطبوبي هاجم الرئيس سعيد، وطالبه بضرورة توضيح رؤيته للمستقبل، قائلا: "ماهو المستقبل؟ هل نذهب معك للمجهول والظلام؟ خاطب شعبك بصدق ووضوح". 


وقال: "إلى أين نذهب معك؟ قدم لنا مضامينك وخيارتك، ومن ثم نحدد موقفنا. قدم الاتحاد مبادرة للحوار ولكن ماهو خيارك؟ في ليبيا والعراق وسوريا لا مكان إلا للسلاح، دورك وضع الجميع على طاولة الحوار لا الإقصاء ونبذ الآخر".


وتساءل الطبوبي: "كيف نتحدث عن الوطنية واليد ممدودة للخارج للإعانات؟".


ودعا الطبوبي الرئيس سعيد إلى "إيضاح مسألة الخيار السياسي الذي سيتم اعتماده، ودور الأحزاب التي شدد على أنه لا يمكن بناء ديمقراطية دونها".


وشدد الطبوبي على أن الاتحاد يرفض بشدة اللجان الشعبية، ولا يمكن القبول بها، مؤكدا أن الاتحاد لا يقوم "بعبادة" الأشخاص، وأنه يحترم القضاء والمؤسسات".


وقال: "من يمسك عنا السماء حتى لا تسقط فليتركها تسقط، من يريد حكم تونس عليه قراءة تاريخ الاتحاد، وكل من هاجم الاتحاد تم وضعه في سلة المهملات، ولا يمكن لأية رياح عاتية أن تعصف بالمنظمة".


وتمسك الطبوبي في أكثر من مرة في كلمته السبت، خلال مؤتمر جهوي أمام النقابيين أنه "أبدا لا يمكن تقديم صك على بياض للرئيس سعيد، ولا أحد بإمكانه رسم مستقبل تونس بمفرده ودون الاتحاد".

 


 

والخميس الماضي، أعلنت الرئاسة التونسية عبر صفحتها الرسمية على "فيسبوك"، أن الرئيس سيطلق "حوارا وطنيا" يشارك فيه الشباب يتطرق فيه إلى مواضيع عدة منها: النظامان السياسي والانتخابي في البلاد، يستثنى منه "كل من استولى على أموال الشعب، أو من باع ذمّته إلى الخارج"، على حد وصفها.


ويعتزم سعيد تنظيم الحوار الوطني من خلال منصات للتواصل الافتراضي، يشرف عليها وزير تكنولوجيات الاتصال نزار بن ناجي، من أجل تمكين الشباب داخل تونس وخارجها، من المشاركة، وعرض مقترحاتهم وتصوراتهم في المجالات كافة.


والجمعة، قال سعيد، إن الحوار الوطني الذي يعتزم إطلاقه "نوع جديد من الاستفتاء، ولن يكون بمفهومه التقليدي، وسيخصص للاستماع إلى مقترحات الشعب التّونسي في كل المجالات".

 


وأضاف سعيد خلال لقاء وزير تكنولوجيا الاتصال وثقته الصفحة الرسمية للرئاسة على "فيسبوك"، أنه "سيتم عقد اجتماعات في كل معتمدية تقدم خلالها مقترحات صادرة من الشعب التونسي، ليتم بعد ذلك العمل على تأليفها".


وقال، إن "التصور العام للحوار هو نوع من الاستمارة توزع عن طريق شبكات التواصل ثم يقع تأليف المقترحات، وسنعمل أن يكون ذلك في وقت قياسي، لأننا في سباق ضد الزمن لتحقيق أهداف الشعب في الحرية والكرامة والشغل".


ويأتي إعلان الرئيس التونسي في وقت تتزايد التساؤلات حول المستقبل السياسي للبلاد، كما تتجاذب الساحة السياسية التونسية مواقف مختلفة، منها تلك التي صفقت لقرارات الرئيس سعيد الأخيرة، ومنها تلك التي اعتبرت أنه يرغب في الاستيلاء على السلطة من خلال الانقلاب على الدستور والتراجع عن المكاسب التي حققتها تونس في مجال الحقوق والحريات.

 

"الديمقراطية كانت بخير"

وفي تصريح لـ"عربي21" حول مدى فاعلية حوار وطني مع الشباب من أجل تغيير الدستور والنظام السياسي، قال الناشط السياسي ضرار طعم الله: "بحسب رأيي، الأمر لا يستقيم. الدساتير في كل العالم هي تعاقدات اجتماعية تؤسس للسلم الإجتماعي ودولة القانون، وهذا العقد الاجتماعي يجب أن يساهم الجميع في إنجازه ليكون معبرا حقيقة على التطلعات الشعبية وأرضية صلبة وجامعة تنطلق منها الحوارات حول مختلف المواضيع و القضايا المشتركة".

وأضاف: "الأصل فيه أن تقوم لجنة منتخبة إنتخابا مباشرا، أو مجلس تأسيسي منتخب أو لجنة يتم إفرازه من صلب مجلس نيابي منتخب بطريقة ديمقراطية بتعديل الدستور وذلك إنطلاق من الدستور الموجود حاليا نظرا، لأنه حديث العهد ويجمع كل الخبراء الدستوريين والهيئات الدولية المعنية بتقييم الدساتير أنه تقدمي يتضمن عددا معتبرا من النقاط المضيئة، ولا يمكننا الحكم عليه اليوم دون استكمال إرساء مؤسساته".

واعتبر طعم الله أن كل ما دون هذا "محاولة عبثية لإرساء حكم فرداني، وتطبيق لنظرية منحرفة مبنية على نزوات رجل واحد، تحت مسمى حوار وطني شعبي وإرادة شعبية".

من جهة أخرى، أكد الناشط السياسي، أن تونس لا تحتاج اليوم إلى تعديل النظام السياسي بقدر ما تحتاج نظاما انتخابيا جديدا يفرز أغلبية حاكمة واضحة تستطيع تطبيق برنامجها مؤكدا أن هذه القاعدة يمكن محاسبتها في الاستحقاقات الانتخابية القادمة أو تغييرها حتى.

وقال: "الديمقراطية التونسية كانت بخير، و الدليل وصول السيد سعيد، الرجل المغمور الذي لا تاريخ سياسيا له و لا جهازا سياسيا من داخل الدولة يدعمه إلى سدة الحكم، لكن هندسة الحكمة معطوبة بسبب تفتت الأغلبية، وعدم وضوح النخبة الحاكمة، وكل هذا يعود إلى النظام الانتخابي الذي وضع على مقاس تيارات سياسية معينة، وذلك لضمان عدم تمكن طرف سياسي بذاته من الحكم وتطبيق برامجه".

 

"حوار مختلف"


وسبق لرئاسة الجمهورية التونسية، أن أشرفت على حوارين وطنيين أطلقا عليهما تسمية "قرطاج 1" و"قرطاج 2" إبان فترة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي الذي جمع بين مختلف الأحزاب السياسية والاتحاد العام التونسي للشغل والمنظمات الوطنية، بهدف الخروج من الأزمات السياسية التي كانت تعترض التجربة الديمقراطية في تونس بين الحين والآخر.

 


كما قاد اتحاد الشغل وعمادة المحامين ورابطة حقوق الإنسان واتحاد الصناعة والتجارة حوارا وطنيا عقب الأزمة السياسية التي عرفتها البلاد بعد اغتيال النائب محمد البراهمي، ما أفضى حينها إلى تشكيل حكومة مستقلة وكتابة دستور 2014 وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية قبل أن يتحصل الرباعي الراعي للحوار على جائزة نوبل للسلام لعام 2015.

 

اقرأ أيضا: سعيّد يمنع صرف رواتب غير الملقحين بكورونا.. واستنكار

لكن هذه المرة سيكون الحوار مختلفا على حد تعبير قيس سعيد، في فيديو نشرته الرئاسة التونسية، حيث يتوقع أن يقصي هذا الحوار غالبية الأحزاب والمنظمات الوطنية الكبرى وجمعيات المجتمع المدني مقابل تشريك الشباب عبر المنصة الافتراضية التي يعتزم سعيد تأسيسها.


نظام سياسي جديد


وسيكون سعيد أمام مأزق ما إن قرر مناقشة دستور البلاد ونظامها الانتخابي والسياسي دون العودة أو حتى الأخذ برأي الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية والمجتمع المدني، فضلا عن المنظمات الحقوقية الدولية والشركاء الأوروبيين الذين ساهموا بشكل أو بآخر في صياغة دستور 2014 من خلال عرض تجارب دولهم في وضع الدساتير.


ويشير سعيد في غالبية خطاباته إلى ضرورة تغيير الدستور والنظام السياسي فضلا عن كون خطابه الانتخابي عام 2019، اتركز على "البناء القاعدي" الذي يقوم على فهم مغاير لممارسة العملية الديمقراطية وفق "فكر سياسي جديد"، وجبت ترجمته في "نص دستوري جديد"، على حد تعبيره.


ويتكون هذا الهرم، بحسب سعيد، في أعلى مستوى له من مجالس محلية على عدد المدن في تونس، أي 264 مجلسا محليا، يتم انتخاب أعضائه وعضواته عن طريق الاقتراع المباشر على الأفراد من كل عمادة.

 

وينبثق عن هذه المجالس، مجالس جهوية على عدد الولايات في تونس أي 24 مجلسا جهويا. ويعُد كل مجلسٍ عضوا واحدا ممثلا عن كل معتمدية.


أما البرلمان أو "المجلس الوطني الشعبي" فهو يمثل أسفل هرم السلطة. وينبثق أعضاؤه عن المجالس المحلية.

 

جدير بالذكر أن عملية صياغة دستور 2014 استغرقت ثلاث سنوات كاملة من عمر تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس، ما أدى في نهاية المطاف إلى كتابة دستور حظي بمواقفة كل أطياف الساحة السياسية بتونس من إسلاميين ويساريين وعلمانيين ونقابات ومنظمات حقوقية لما احتواه من مبادئ تحفظ الحقوق والحريات وتكرس لدولة المؤسسات فضلا عن الفصل بين السلط واستقلالية البنك المركزي وإقرار تأسيس هيئات دستورية تضمن الممارسة الديمقراطية في تونس.

 

وتعيش تونس، منذ 25 تموز/ يوليو الماضي، أزمة سياسية حادة، حيث بدأ سعيد اتخاذ قرارات "استثنائية"، منها تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وترؤسه للنيابة العامة، وتغيير الحكومة بأخرى غير مصادق عليها من البرلمان ما اعتبرته غالبية القوى السياسية بالبلاد انقلابا على الدستور.


ولقي سعيد رفضا خارجيا كذلك لقراراته وتوجهاته، إذ دعا الكونغرس الأمريكي إلى عودة البرلمان ووقف محاكمة المدنيين أمام المحكمة العسكرية قبل أن يصوت البرلمان الأوروبي على قرار يدعو فيه إلى عودة النظام الديمقراطي في تونس.

التعليقات (0)